ماذا لو كان حزب الله هو من خطف الراهبات؟
يحضر، في ليل انتظار راهبات معلولا، السؤال عمّا كانت الصورة ستكون عليه لو كان «الجناح العسكريّ» المناوئ لقوى 14 آذار، لا المناصر لهم، هو من خطف الراهبات، خصوصاً أن ساعات قليلة، فقط، فصلت بين مشهدَي جديدة يابوس وزحلة
غسان سعود –
صحيفة الأخبار اللبنانية:
لو كان الأمر كذلك، ما كانت قناة mtv لتنشغل بشيء عن النقل المباشر لإطلاق سراح الراهبات. كان حشد من الوزراء والنواب، الحاليين والسابقين، سيتدافعون على أبواب وسائل الإعلام في الكولا وأدما وسن الفيل لملء الهواء بالتحريض، بدل ترك الإعلاميين يتخبّطون في البحث عن معلومة جديدة. هذا يزيد التشويق والتعصيب ويرفع نسبة المشاهدين.
ما كانت «الشهيدة الحية» مي شدياق ولا قائد «غزوة السرايا» نديم قطيش ليناما قبل بزوغ ضوء الحرية على الراهبات. وكان بثّ مباشر مواز سينطلق من ساحة الشهداء، حيث تجمع الأمانة العامة لقوى 14 آذار، وأمينها العام فارس سعيد شخصياً، عائلات الراهبات. وكانت شاشات التلفزة ستنقسم إلى خمس: واحدة في مكان تسلم الراهبات المفترض وتسليم ثمن الإفراج عنهم. الثانية في ساحة الشهداء. الثالثة في استوديوات القنوات حيث ينصب محمد سلام وأنطوان زهرا وخالد ضاهر خيمهم. الرابعة في معراب لنقل انفعالات «الحكيم» في هذا اليوم العظيم إثر «جهوده الجبارة» لإطلاق المخطوفات، على حدّ ما ستكتب «النهار» في اليوم التالي، فيما تتنقل الكاميرا الخامسة بين الأشرفية وزحلة حيث تقرع الأجراس فرحاً، وطريق الجديدة وطرابلس التي تطلق الأسهم النارية ابتهاجاً أيضاً، و«الضاحية المتجهمة»، بحسب وصف صحيفة «المستقبل» في اليوم التالي أيضاً.
من يقرأ وسائل إعلام هذا الفريق، غداة خطف الطفل ميشال صقر وتحريره، يتأكد أنهم كانوا سيحمّلون مسؤولية خطف الراهبات لـ«البيئة الحاضنة بحكم المذهب والجغرافيا والسياسة».
وكانوا سيسارعون إلى نصب الحواجز الطيارة لخطف ست عشرة حاجّة شيعية، مردّدين هتافات مذهبية مقيتة. وكان سينبري وزراء ونواب ومسؤولون سياسيون للقول إن الطائفة الشيعية خطفت الراهبات، كما يقولون اليوم إن الطائفة الشيعية أهانت تمثال العذراء. كان بطرس حرب ودوري شمعون سيتدافشان للقول إن «البيئة الحاضنة للجرائم والخطف والخروج عن الشرعية هي التي تمنح الضوء الأخضر للمجرمين كي يتمادوا في جرائمهم». ألم يقل الوزير أشرف ريفي، الحريص على ازدهار السياحة شمالاً، إن «الخطف الذي يمتهنونه يحول دون قدوم السياح ويهجّر ما تبقى من رؤوس الأموال ورجال الاعمال المؤمنين بهذا البلد». كان النائب السابق مصطفى علوش سيتساءل، بألم، في ختام هذا الليل الطويل: «تحرّرت الراهبات، نعم. لكن متى يتحرّر الوطن ومن فيه من مشروع الولي الفقيه؟».
مرّت الساعات ثقيلة أمس. لا استقبالات ليليّة في الرابية للتهنئة بسلامة الراهبات، ولا حفلة تحريض مذهبية مضادّة، ولا بيان من حزب الله يربّح فيه المسيحيين جميل الجهود التي بذلها لإطلاق الراهبات، ولا حملات افتراضية، ولا قرع للأجراس هنا وهناك، ولا خطابات وبطولات وانتصارات زائفة. لكن حتى هذا كله لم يكن مقبولاً من قوى 14 آذار. ثمة غريزة تحريضية قاتلة استثنائية تتحكم في هذا الفريق. ها هم يردّون، عبر وسائلهم المعتادة، على صورة جديدة يابوس (حيث أتيح للمخطوفات أن يشكرن خاطفيهن على عدم قتلهن) بالسؤال عن موعد تحرير جوزف صادر والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية ورهبان دير القلعة. وكأنهم يقولون: نحن أفضل منكم، نحن حررنا مخطوفيكم، تفضّلوا حرروا مخطوفينا.