ماذا سمع الإبراهيمي في طهران؟
قبل أيام قليلة، مرّ من طهران الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي للسلام في سوريا. كانت زيارة رحالة السلام، صاحب التجارب الطويلة بين الدماء والرصاص، تهدف لفتح نوافذ وأبواب على مؤتمر «جنيف 2»، الذي تحوّل إلى خشبة الخلاص الوحيدة المتوفرة حالياً، في ظل حفلة الاقتتال التي لم يعد يعرف فيها رصاص مَن في بندقية مَن.
وجدت طهران نفسها مضطرة لإعادة شرح موقفها للإبراهيمي الذي تكنّ له الكثير من الاحترام، فأكدت حصرية الحل السياسي للخروج من الأزمة السورية عازفة على الوتر ذاته الذي احترف الإبراهيمي نفسه العزف عليه.
لكنها وبشكل واضح حسمت حتمية وجود حليفها الرئيس بشار الأسد على رأس جمهوريته في الطريق إلى الحل، بل وضرورة أن يترك للرجل حرية الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وليترك للشعب حق القرار.
تعلم طهران أن أي حل لن يصل إلى بر الأمان من دون توافق مع السعودية، والتعاون والتشاور بين البلدين هو الأنجع لوقف العنف وتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، فهي التي تقوم مقام جميع الدول التي كانت قبل أشهر تحمي وتموّل وتدعم المعارضة المسلحة. فقطر وتركيا كلتاهما دخلتا في مرحلة انعطاف وإعادة تشكيل للمشهد السوري، فباتتا أقرب إلى طهران منهما إلى السعودية في حتمية الحل السياسي، وإن كانت أنقرة لا تزال في موقفها من الأسد مستأسدة لحصول التغيير.
المهم والمفيد وجود توافق دولي، لا سيما روسي أميركي للوصول إلى حل للأزمة في سوريا، وهذا برأي طهران سينعكس إيجاباً على الجهود التي يقودها الإبراهيمي، وعلى «جنيف 2»، أو أي إطار آخر يتم الاتفاق على كونه باباً للحل في سوريا.
لكن الأهم من كل ما سلف، وقف العنف وإقفال الطريق على تهريب السلاح والمقاتلين إلى داخل الأراضي السورية، وهي أبلغت مراراً مَن يعنيهم الأمر مِن دول في الغرب والشرق أنه لا يمكن جمع الجماعات المتطرفة داخل سوريا، وتوقع أن يعيش العالم بسلام، فـ«القاعدة» نشأت وترعرعت في أفغانستان لكن أحداث الحادي عشر من أيلول وقعت في نيويورك.
وكما في السابق كذلك الحاضر ودائماً، تؤكد طهران وقوفها إلى جانب الأسد. فهو الرئيس الشرعي والقانوني لسوريا، وهو الرجل القويّ في محور المقاومة، ولا يمكن التخلي عنه بأي شكل من الأشكال، فهو الضمانة لبقاء سوريا موحّدة، لذا فالأسد باقٍ حتى يقول الشعب كلمته في صناديق الاقتراع، فإذا فاز فتلك إرادة شعبه، وإن لم يفز فهي كذلك أيضاً.
سمع الإبراهيمي كلاماً كثيراً في طهران، قصدت هي أن توصله إليه ولمن سيسمعون منه عن جولته، فلا مكان بعد الآن لأي تراجع، لا سيما أن التقدم في ميدان صاحب الصوت الأعلى، وبغض النظر عن معارك يُحكى عنها ويُروّج لها هنا وهناك، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن النظام هو الأقدر على فرض معادلته، وأن من مصلحة الجميع التعاون اليوم وقبول الحل السياسي رأفة بسوريا، في ظل تشتت المعارضة وانقسامها، والمعارك التي تخوضها المعارضة المسلحة في ما بينها، حيناً من أجل نفوذ وحيناً آخر على غنائم، ينعكس مزيداً من التعقيد على المشهد السوري بأسره.
صحيفة السفير اللبنانية ـ
علي هاشم