ماذا تضمنت العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية؟
موقع الخنادق:
أقرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام، عقيدة جديدة في السياسة الخارجية تستند إلى مفهوم “العالم الروسي”، وهو فكرة لطالما استخدمها أيديولوجيون محافظون، تنص على ضرورة تدخل بلادهم في الخارج (خصوصاً في دول الإتحاد السوفياتي السابق)، لدعم المتحدثين بالروسية.
وتمحورت هذه العقيدة الجديدة المؤلفة من 31 صفحة، حول ما سمته بـ “السياسة الإنسانية” التي تنص على أنه يجب على روسيا أن “تحمي، وتحمي، وتنهض بتقاليد ومُثل العالم الروسي”، وهذا ما يمكننا اعتباره إستراتيجية القوة الناعمة للكرملين.
كما جاء فيها أيضاً، أن على الاتحاد الروسي تقديم الدعم لمواطنيه الذين يعيشون في الخارج في الوفاء بحقوقهم، لضمان حماية مصالحهم والحفاظ على هويتهم الثقافية الروسية. مشيرةً إلى أن علاقات الدولة الروسية مع مواطنيها في الخارج سمحت لها بتعزيز صورتها على المسرح الدولي، كدولة ديمقراطية تسعى جاهدة لخلق عالم متعدد الأقطاب.
واعتبرت هذه العقيدة أن الفضاء السوفييتي السابق، الذي يمتد من دول البلطيق إلى آسيا الوسطى، هو مجال نفوذ الإتحاد الروسي الشرعي، وهو ما يعد اعترافاً رسميا بمفهوم الأوراسية. خاصةً وأن هذه العقيدة دعت روسيا الى زيادة التعاون مع الدول السلافية والصين والهند، وتقوية علاقاتها مع الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وهو ما يمثل جوهر النظرية الجيوبولتيكية للمفكر ألكسندر دوغين حول روسيا والأوراسية.
وبالعودة الى مفهوم العالم الروسي، فهو ليس مقتصراً في وجوده على الرئيس بوتين، بل كان مشروعاً منذ أيام الإمبراطورية الروسية.
أهمية عقيدة السياسة الخارجية
تأتي أهمية هذه العقيدة، في أنها تكرس اصطفاف روسيا بعيداً عن المعسكر الغربي، في سبيل التشبيك مع الدول الشرقية وما يسمى بدول عالم الجنوب.
وبالتالي فإن روسيا التي تعتبر أكبر دولة في العالم من الناحية الجغرافية، والتي تمتلك أحد المخزنين الرئيسيين للأسلحة النووية على هذا الكوكب، والتي تتشكل من المناطق الثلاث الأكثر أهمية في العالم من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية، سيكون لعقيدتها هذه تأثيراً كبيراً لناحية تشجيع دول أخرى على انتهاج سياسات خارجية مستقلة عن سياسات الإدارة الأمريكية.
كما تكشف هذه العقيدة أيضاً، بأن روسيا لن تتوانى عن التصدي لمحاولات المعسكر الغربي حصارها وإلغاء وجودها، من خلال السيطرة على مجال نفوذها وأمنها القومي، المتمثل بجمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق في القوقاز وآسيا الوسطى ودول البلطيق الثلاث: ليتوانيا، لاتفيا، وإستونيا.
بعكس السياسة الأمريكية: التشارك بدل الهيمنة
لطالما دافعت روسيا عن أجندة شاملة وإيجابية لا تهدف إلى تقييد العلاقات بين الدول بل إلى تضخيمها وتعزيزها، بحيث تركز على إقامة علاقات تعاون تحكمها مبادئ المساواة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة وقواعد القانون الدولي. وهذا ما يظهر بوضوح في سلوكها في مجلس الأمن ومجموعة العشرين ومجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. لذلك فهي بعكس أمريكا، لا تسعى الى الهيمنة وتحقيق القطب الواحد، بل تسعى الى التشارك بين الدول.