ماذا أرادت أميركا من إطلاق الصاروخين في المتوسط ؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
العميد د. أمين محمد حطيط :
قبل ان تقلع طائرته شرقا الى اوروبا ومنها الى قمة الـ 20 في روسيا اطلق اوباما صاروخين بالستيين في المتوسط شاء ان يسبقه مفعولهما الى القمة ويحجب بهما مفعول التراجع عن العدوان الذي كان حضّر له وهدّد به سورية. اطلق اوباما صاروخيه من المتوسط وفيه وبعيدا عن شاطئه الشرقي وبعيدا عن اليابسة السورية وخارج مجال رصد منظومة الانذار المبكر السورية ولكن ومن دون شك داخل مجال منظومة الانذار المبكر الروسية التي جددت شبابها وفعاليتها منذ العام الماضي بحيث وضعت حداً لاستئثار الحلف الاطلسي بالقيادة الاميركية بالمتوسط البحر الذي انقلب لفترة غير قصيرة بحيرة للغرب .
اطلق اوباما صاروخيه وتنصّل منهما ليترك المجال «لاسرائيل» بان تتقدم متبرّعة بتحمل المسؤولية الامر الذي جعل البعض ومن غير تدقيق يصدقون الرواية «الاسرائيلية» التي حملت في ثناياها ما ينسفها عندما قالت بان طائرة من طائراتها هي التي اطلقت الصاروخين وهو امر طبعا لا يصحّ وفقا للتقنيات والآليات المعتمدة في الصواريخ البالستية التي تتطلب منصّات اطلاق لا تؤمنها الطائرات وبالتالي كان للتدخل الاعلامي «الاسرائيلي» ايضا في الشأن ما يوحي بان هدفا ما تريد اميركا و»اسرائيل» تحقيقه من المسألة ما دفعهما الى القيام بعملية التضليل هذه وعلى هذا الشكل . ولكن لا يمكن ان نبعد اصبعا اسرائيليا من المسألة خصوصا اذا تذكرنا العمل العسكري المشترك الذي تقوم به «اسرائيل» واميركا في المتوسط منذ سنتين بعد أن التحقت احدى القطع البحرية «الاسرائيلية» او اثنتين بالقوة البحرية الاطلسية العاملة هناك والعمل معا في سياق المهام المشتركة والدوريات في المتوسط وعلى شواطئه .
والان وبعد هذا التذكير وتوضيح بعض ما ينبغي لفت النظر اليه فان الاسئلة التي تطرح هنا تدور بشكل اساسي حول اسباب اطلاق الصواريخ واهدافها وتبيان علاقتها بالتهديد بشن عدوان على سورية عدوان أحال اوباما مشروع القرار به الى الكونغرس الاميركي وينتظر نتائج التصويت فبل منتصف ايلول الجاري إحالة كانت كما رأينا فيها فرصة لاوباما من اجل كسب الوقت ودراسة الموقف لمعرفة القدرات والامكانات للسير قدما بالعدوان او التراجع عنه . و الان لماذا اطلقت الصواريخ ؟
نرى ان اطلاق الصواريخ يمكن ردّه الى اسباب عسكرية ذاتية واسباب سياسية لها علاقة بالبيئة المتشكلة بعد التراجع الاميركي الموقت عن العدوان واخيراً هناك ما له علاقة بالخصم والعدو في سياق تنفيذ العدوان ذاته وعليه فاننا نرى ان اميركا اطلقت صواريخها من اجل :
دوافع عسكرية ذاتية : لم يكن سهلا على اميركا ان تحشد اساطيلها و تعسكرها في المتوسط ثم تتراجع او تجعل هؤلاء ينتظرون امرا قد لا يأتي ـ لذلك كان من المنطقي ان تجري مثل هذا الاطلاق و تدرجه في سياق تدريبي كما صرح ليلا الناطق باسم الخارجية الاميركية بالانابة قال انه تدريب روتيني مخطط مسبقا وطبعا لم نصدّقه فيما ادعى ويكون من شأن هذا الاطلاق وبهذا التوقيت ان يؤمن للقيادة الاميركية فرص اختبار الجهوزية والتحقق من الفعالية ورصد الثغرات في اداء القوى لمعالجتها قبل حلول العمل الجدي فيما لو تقرر تنفيذ العدوان . وبالتالي تكون اميركا قد اختبرت صواريخ التدمير وصواريخ الاعتراض وفرق العمل ومنظومة القيادة و السيطرة وعلى مقلب آخر تكون قد قامت بعمل يكسر الانتظار ويشحذ الهمم ويرفع معنويات القوى .
دوافع نفسية سياسية باتجاه الحلفاء : من المقطوع به ان خيبة الامال التي لحقت باتباع اميركا الذين عوّلوا على العدوان على سورية ثم وجدوا اوباما يتراجع عنه انها خيبة كبيرة سجلتها شاشات التلفزة ومواقع النت و صفحات الجرائد وكانت خيبة «اسرائيل» والسعودية وتركيا ظاهرة بشكل قاتل . وهنا تأتي الصواريخ لتطمئن هؤلاء في الوقت المستقطع لدراسة الوضع في الكونغرس للحفاظ على ثقتهم باميركا ويكون دور الصواريخ هنا بمثابة المثبت لتلك الثفة والمعزز للطمأننية .ولهذا كان اشراك «اسرائيل» اعلاميا على الاقل وهي الاهم بالنسبة لاميركا كان اشراكها بالعملية.
دوافع باتجاه الاعداء والخصوم : رغم ان اميركا قالت بان العملية منفصلة عن التهديد بالعدوان على سورية فاننا لا نرى في الامر مصداقية ابدا ونرى ان اميركا شاءت ان تقطع بصواريخها فترة الانشراح والشعور بالنصر والسعادة لدى الاعداء والخصوم الحالة التي اعقبت تراجع اوباما المؤقت عن البدء بالعدوان ثم انها ارادت ان تذكر روسيا بقدراتها قبل ان يجلس اوباما الى جانب بوتين غدا يوم الخميس وهو يئن من ضعف وارتباك . انها رسالة تذكر بالقوة الاميركية حاول مرسلها ان يطرد من ذهن الاعداء تصوّر الضعف والهزيمة .
اما ما يمكن ان يقال من ان الصواريخ هي نوع من الاستدراج لايران او اختبار منظومة التصدي لسورية او ردة فعل روسيا فاننا لا نرى له موقعا على بساط الحقيقة لان اميركا تعرف ان روسيا تعرف ما لديها من قدرات وان كان من جديد فهو في الاتجاه العكسي اي قيام روسيا بمفاجأة اميركا بالاعلان عن الحادثة بعد 3 دقائق من وقوعها في عمل مؤداه القول بان روسيا حاضرة في المتوسط وبفعالية اما عن ايران فان باعها في الصبر والتلاعب باعصاب الخصم طويل وحرفتها اللعب على حافة الهاوية. ولهذا لن تستدرج ولن تكشف شيئا من اوراقها كرمى لعين اميركا وتبقى سورية بعيدة عن الاختبار اصلاً طالما ان الصواريخ لم تقترب من مجالها الجوي او الحيوي ولم تصل الى يابستها لذلك اذا كانت اميركا تريد ان تختبر هؤلاء الثلاثة وتقف على ردة فعلهم فاننا نقول: ان اميركا ستنتظر طويلا لان سلوكهم سيكون فعلا في وقته و لن يكون ردة فعل يحدد العدو مكانه وزمانه وسلاحه ولن تجدي وسائل الاعلام المسخّرة اميركيا في التحريض على الردّ وكشف الاوراق .