ماجديد عملية تأليف الحكومة في لبنان؟
لا يزال يحيط بعملية تأليف الحكومة مناخ من الضبابية والغموض بانتظار الاسبوع المقبل، وما قد يحمله في طياته من حلحلة على صعيد الأزمة الحكومية، ولا سيّما أن الرئيس المكلف يتوقع أن يعود غداً الى بيروت.
وكشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ”الجمهورية” انّ الإتصالات لم تنقطع بين عون والحريري، والعودة المتوقعة للرئيس المكلف نهاية الأسبوع الجاري ستُطلق حركة الإتصالات من جديد على اكثر من مستوى. وأشارت الى اتصال هاتفي بين الرجلين في الساعات الماضية، تناولا فيه آخر التطورات على الساحة اللبنانية والحراك الدبلوماسي والعسكري في المنطقة، ونتائج زيارات الموفدين الأجانب الى بيروت.
وقال مصدر مطلع لـ”اللواء” ان موقفاً سيعلنه الرئيس المكلف، خلال اجتماع كتلة المستقبل النيابية بعد ظهر الثلاثاء المقبل، واصفاً اياه بأنه غير قابل للمساومة، ومتمسك بصلاحيات رئيس الحكومة، مع التأكيد على بذل الجهود وعدم توقف الاتصالات والمشاورات الرامية إلى كسر حلقة التأليف بالتعاون مع رئيس الجمهورية.
وفي هذا الاطار، أشارت معلومات خاصة لـ”الديار” إلى أن الايام المقبلة ستشهد نوعا من السباق بين ما يعتزم رئىس الجمهورية القيام به وما يتوقع ان يقوم به رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد عودته من اجازة عيد الاضحى.
وتتحدث مصادر مطلعة في 14 آذار عن نية الرئيس الحريري المبادرة في الايام المقبلة على طرح تشكيلته الكاملة بالحصص والحقائب وربما بالاسماء ايضا كتشكيلة امر واقع على رئىس الجمهورية لرمي الكرة في ملعبه والتخلص من اي تهمة تتعلق بتأخير تشكيل الحكومة.
من جهتها، ذكرت “النهار” ان موضوع المرحلة الانتقالية القائمة حالياً بين حكومة تصريف الاعمال وعملية تأليف الحكومة العتيدة قد طرحت قبل ايام بين بعض الأفرقاء من باب تفحص أوضاع البلاد وما يمكن ان يتركه التأخير المتمادي في ولادة الحكومة الجديدة. ولعل أبرز ما طرح في هذه المشاورات فكرة اللجوء الى توسيع مفهوم تصريف الاعمال أسوة ببعض الانظمة الديموقراطية والدول التي عرفت أزمات حكومية طويلة الامر الذي يفرض التحسب للتداعيات السلبية إذا طال أمد أزمة تأليف الحكومة من خلال توسيع اطار تصريف الأعمال حكومياً وربما استدعى ذلك أيضاً عقد جلسات نيابية من باب تشريع الضرورة. لكن هذا الاتجاه ظل في اطار التداول النظري والمبدئي في انتظار ما ستؤول اليه المشاورات والاتصالات في الايام المقبلة بعد عودة الرئيس الحريري الى بيروت.
وفي حين كثرت التقديرات والتحليلات والاستنتاجات حول الخطوة المرتقبة للرئيس عون في حال تأخر الحريري، ذكرت مصادر نيابية في “تكتل لبنان القوي” لـ”اللواء” ان لا صلاحيات دستورية لرئيس الجمهورية ولا لمجلس النواب وليس هناك من تدبير دستوري اوقانوني او عرف يقضي بسحب التكليف، كما ان الحديث عن اللجوء الى الشارع لفرض حكومة بصيغة او بأخرى امر غير وارد في ذهن التكتل و”التيار الوطني الحر” وذلك حفظا منا للاستقرار الداخلي.
لكن المصادر اكدت ان المقصود من كل الكلام الذي قيل هو حثّ الرئيس المكلف ضمن مهلة قريبة على حسم خياراته واتخاذ قراره وتقديم تشكيلة حكومية، ليجري البحث بها بين الرئيسين حسب الاصول ولمعرفة مواقف القوى السياسية منها، وساعتها لكل حادث حديث، خاصة ان شهر ايلول يشهد عادة استحقاقات كثيرة على الصعد التربوية والاقتصادية والاجتماعية.
امّا الأهم، فإنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع ان يلزم الرئيس المكلف بشيء، على ما ابلغ خبير دستوري “الجمهورية”، حيث اكّد انّ الدستور فرض ان يكون لرئيس الجمهورية رأيه في التشكيلة الوزارية، ولا يقيّده بالموافقة الفوريّة على اي تشكيلة وزارية يضعها الرئيس المكلف وبالتالي توقيع مرسوم تشكيلها، فإنّ الدستور نفسه لا يقيّد الرئيس المكلف بسقف زمني لتشكيل حكومته، وأعطاه مطلق الحرية في استنفاد الوقت الذي يريده، وفي ظل هذا الامر لا توجد خيارات بديلة سوى انتظار الرئيس المكلف، واكثر ما يمكن ان يفعله رئيس الجمهورية في هذا المجال، هو الحَثّ، او التمني، بكلام سياسي هادىء، واذا شاء بكلام عالي النبرة، الّا انّ كل ذلك يبقى رهناً باستجابة الرئيس المكلف او عدمها.
و اكدت مصادر المستقبل لـ”الجمهورية” انها لا تقرأ سلبية في موقف رئيس الجمهورية كونه يصبّ في ذات الهدف الذي يرمي اليه الرئيس المكلف، اشارت رداً على سؤال، الى انّ الحريري لا يتأثر بأي ضغوط أيّاً كان مصدر هذه الضغوط، فعملية التأليف ما زالت تسير بشكل طبيعي، والوقت لم ينفذ بعد، والرئيس المكلف سيتابع مشاوراته لدى عودته.
ووصفت المصادر “الكلام عن العامل الخارجي المعطّل الحكومة، بأنه هروب الى الامام”، وقالت: لطالما اكد الرئيس المكلف وما زال يؤكد انّ الفرصة متاحة لتشكيل الحكومة في أسرع وقت، هناك تعقيدات موجودة يؤمل ان توجد لها حلول بتعاون الجميع، واذا ما أمكن تجاوز هذه التعقيدات يمكن للحكومة ان تتشكّل في 3 دقائق.
واشارت المصادر الى انّ الاساس في مهمة الرئيس المكلف هو التعاون مع “فخامة الرئيس”، وقالت: في نهاية المطاف ستتشكل الحكومة، وسبق للرئيس الحريري ان حذّر من انّ الضرورات الاقتصادية توجب الاسراع في تشكيل الحكومة، وهذا يوجب على الجميع التقدم خطوات الى الامام وصولاً الى حكومة تعبّر عن الجميع، وبالتأكيد مع رفضنا الكامل لتشكيل حكومة يُملي فيها اي طرف قراره او إرادته على سائر مكوناتها.
كما عبّر مرجع سياسي لـ”الجمهورية” عن خشيته من “ان نصل في الاشتباك الحالي الى لحظة تفلت فيها الامور من عقالها السياسي”. وقال: كأننا نعيش في “مرجوحة”، بدأوا بعد التكليف بلغة المواعيد، ثم انتقلوا الى لغة التصعيد، الى ان وصلنا الى عطلة العيد، فأعادت خلط الاوراق من جديد، وخلاصة الامر انّ مولد الحكومة بعيد.
ورداً على ما قال المرجع: حتى الآن ما زلتُ أفترض انّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قادران على التفاهم واستيلاد حكومة مهما كانت التعقيدات، والكرة في ملعبهما معاً، وإنّ أياً منهما لا يستطيع ان يتصرف او يبادر بمعزل عن الآخر، فهما معاً يشكلان القابلة القانونية لتوليد الحكومة، واعتقد انهما يعرفان ذلك حق المعرفة، علماً انّ كثيرين يراهنون على خلافهما واختلافهما.
وسط هذه الأجواء، لا تزال العقد التي تحول دون عملية التأليف نفسها، وأكدّ مصدر بارز في “القوات” أنّ عرقلة تشكيل الحكومة “تأتي من جانب الوزير جبران باسيل”، “فهو يُصرّ على اعتقال التشكيلة الحكومية لمصالح ومكاسب ضيقة وخاصة، ويُصر على محاولة زرع الخلاف بين رئيس الجمهورية والقوات اللبنانية، ليشدّ عصباً سياسياً ورأياً عاماً إلى جانبه، على حساب سيّد العهد”. وأضاف المصدر أنّ باسيل “يُصرّ على الاختباء خلف العهد كلّما تعرض للانتقاد، وصولاً إلى اعتبار أنّ من ينتقد أداءه الجشع إنما ينتقد العهد”. وأوضح المصدر أنّ “المشكلة ليست في حصة العهد، ولن تكون لأنها كانت جزءاً أساسياً في اتفاق معراب، إنّما المشكلة في احتساب باسيل لحصته أكثر من مرّة، ممّا يسيء إلى العهد وإلى اتفاق معراب”.