ما مصير الأرصدة السعودية في أميركا؟
نزار عبود – الميادين نت
لم تحجز الولايات المتحدة الأرصدة والإستثمارات السيادية السعودية بعد، لكن هذا قد يحصل فجأة وعلى نحو سريع ليطال مئات مليارات، وربما تريليونات الدولارات من الإستثمارات السعودية الخاصة والعامة في الولايات المتحدة وخارجها.
في حواراته الإعلامية كرر المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب الإنتقاد لإدارتي جورج بوش وباراك أوباما لعدم الإستئثار بالنفط العراقي بعد غزو العراق. لم يكلف ترامب نفسه تبرير ذلك فهو يتحدث بعفوية الأميركي “المتغطرس” الذي يعتقد أن بلاده تستطيع فعل ما تريد بعيداً عن المحاسبة. ويبدو أن الكونغرس الأميركي بشقيه الديمقراطي والجمهوري إستبق الإنتخابات وقرر التصرف بالروحية نفسها من خلال قانون محاسبة السعودية على خلفية هجمات ١١ أيلول/سبتمبر 2001 التي نفذتها القاعدة. فبمعزل عما إذا كانت الرياض متورطة بدعم الإرهابيين أم لا، يبقى القانون الأميركي غير مختلف عن كل القوانين الكثيرة التي صدرت والتي تتخطى قوانين الكتل والدول البعيدة سواء في أوروبا أو في آسيا. إنه قانون تفرضه الولايات المتحدة وسوف يسمّم ويقوّض النظام العالمي بأسره إلى حين نشوء نظام عالمي جديد.
الرئيس أوباما حذر صراحة من أن التشريع يهدد مبدأ الحصانة السيادية للدول بالإنهيار التام. وما لم يقله إن الحكومة الأميركية نفسها قد تصبح هدفاً سهلاً لمحاكمات على خلفية مغامراتها العسكرية في كل مكان. كل غارة لطائرة بدون طيار قد تتحول إلى قضية، والمحامون الأميركيون وسواهم يرون في ذلك فرصة ذهبية لا تعوّض للترزق.
لم تحجز الولايات المتحدة الأرصدة والإستثمارات السيادية السعودية بعد، لكن هذا قد يحصل فجأة وعلى نحو سريع ليطال مئات مليارات، وربما تريليونات الدولارات من الإستثمارات السعودية الخاصة والعامة في الولايات المتحدة وخارجها. وزير خارجية السعودية عادل الجبير، وجّه قبل أشهر تهديداً إلى الولايات المتحدة بسحب ٧٥٠ مليار دولار من السوق الأميركية بما يهدد سوق الأوراق المالية بالإنهيار. وبفضل التهديد يستطيع ذوو ضحايا ١١ أيلول التوجه إلى المحاكم في مانهاتان لإقناع القضاة بالتعجيل بالتحفظ على الأرصدة والإستثمارات السعودية في الخارج. والحجة لديهم هذه المرة قوية لأنها صدرت عن مرجعية رسمية سعودية. إذاً قد يحصل سباق بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن الحجز أو سحب الأموال. وما يصيب السعودية يرعب الكويت وقطر والإمارات والبحرين.
بعيد وقوع “غزوة مانهاتان” كما سماها زعيم القاعدة أسامة بن لادن، سارع الكثير من المستثمرين السعوديين إلى سحب عشرات مليارات الدولارات من أموالهم من الولايات المتحدة وضخوها في السوق السعودية، لا سيما في الأسهم والعقارات بشكل خاص. وأحدثت عودتها تضخماً في الأسعار وانتفاخاً إلى حد كبير في قطاعات إستهلاكية وخدمات معينة. فلم تحل أزمة الإسكان، ولم تؤمن وظائف لجيوش الشباب العاطل من العمل. لكن الوضع في الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، مختلف الآن عما كان عليه قبل ١٥ عاماً. هناك توتر عسكري في المنطقة بأسرها بين السعودية وجاراتها، ولا يبدو أن حرب اليمن ستضع أوزارها في القريب. وهذا لا يوفر بيئة جاذبة للرساميل السعودية الهاربة من رمضاء الولايات المتحدة إلى نار نزاعات الشرق الأوسط. الرساميل الخليجية عموماً تهرب من المنطقة إلى آسيا وأوروبا منذ اندلاع حرب اليمن ويتم توظيفها في القطاع العقاري بشكل خاص في أماكن تمتد من أذربيجان شرقاً مروراً بتركيا والبلقان ووصولاً إلى الجزر البريطانية والمغرب.
الخليجيون، وعلى رأسهم السعوديون، يحاولون تأمين ملاذ آمن لأموالهم وأسرهم خشية وقوع الأعظم، أي حرب شاملة في المنطقة. الخوف قائم ويتحدثون عنه في السرّ والعلن. وليس أدل على ذلك من الإرتفاع الذي شهدته قطاعات المساكن في المناطق المذكورة. هناك أحياء بكاملها في تلك الدول مملوكة من قبل صناديق خليجية.
وتجميد الأموال السعودية سيعود بالضرر الكبير على أسهم شركات كبرى مثل “أبل” التي باتت أكبر الشركات من حيث القيمة السوقية. وهذا إجراء من شأنه إحداث بلبلة كبيرة في سوق الأسهم والسندات الأميركية وتمتد عدواه إلى أسواق أخرى كون السوق الأميركية تعد الأكبر والأكثر حيوية.
هل أغفل الأميركيون هذا الخطر، وكذلك خطر هجرة الرساميل الخليجية وليس السعودية فقط من الولايات المتحدة؟ الإجابة على ذلك قدمها جاك كوين، المستشار السابق للبيت الأبيض الذي تحرك بين أعضاء الكونغرس مشجعاً على نقض فيتو الرئيس أوباما. فقال إن القانون يمهد لكي ترسل محكمة الإستئناف في نيويورك قضية رفعها ألفان من ذوي ضحايا ١١ أيلول إلى القضاء.
تلك القضية كانت عالقة بسبب مبدأ الحصانة السيادية للحكومات. كوين يعمل حالياً كمستشار قانوني في القضية نفسها. ولقد واجه في الدعوى تحدياً من السلطات السعودية التي أنفقت مئات ملايين الدولارات للتصدي لها، لكنه نجح وأخفقت. قال إن القضية “سوف تساعد في هزيمة الإرهاب بمساعدة حلفائنا”. والواضح من هذا القول أن على الحلفاء أن يتعاونوا كي لا يغضبوا المشرّع الأميركي. أما عدم التعاون فيهدد الدول نفسها كما يلاحظ من الدعاوى الأميركية على بنوك أوروبية بتهم مختلفة كان آخرها تغريم المصرف الألماني العملاق “دويتشه” بمبلغ فلكي يبلغ ١٤ مليار دولار.
وسواء كانت الحكومة السعودية ضالعة في دعم العمليات الإرهابية على الأراضي الأميركية أم لا، فإن القانون صدر. ولا يسع تغيير شيء فيه بسبب الإنتخابات الوشيكة. وسيشكّل هذا القانون مفصلاً في العلاقات الدولية لا يقل أهمية عن إبطال العمل بالسرية المصرفية في غير مركز مالي وفي المقدمة البنوك السويسرية.