ما لم يعلن عن آثار العضوية في شنغهاي… من العلاقات مع العرب إلى الدرع الإقتصادي لمحور المقاومة
صحيفة الوفاق الإيرانية:
ربما يمكن اعتبار قبول عضوية إيران الدائمة في منظمة شنغهاي الإقليمية، من حيث آثارها وأهميتها، بمثابة نقطة تحول في تاريخ العلاقات الخارجية لإيران بعد انتصار الثورة الإسلامية في 1979.
ويعود سبب هذا الادعاء أيضاً إلى أجواء الفرص السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تفتحها العضوية في شنغهاي للجمهورية الإسلامية، كلاعب تعديلي في النظام الدولي مع أيديولوجية مناهضة للهيمنة والعلمانية الغربية.
وهذا يعني مشاركة إيران في العمليات العالمية دون ما يسعى إليه الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وهو تطبيع سلوك إيران وتحويل طهران إلى لاعب محايد على الساحة الدولية (مثل معظم دول العالم الثالث).
إن فهم نقطة التحول هذه، إضافة إلى رؤية الفوائد المباشرة والواضحة لعضوية إيران في منظمة شنغهاي، يتطلب إدراك الفوائد غير المباشرة والأقل وضوحاً لهذا الحدث لجمهورية إيران الإسلامية، وهو ما سنناقش أهم جوانبه فيما يلي.
تأثير العضوية في شنغهاي على العلاقات الخارجية الإيرانية
من أهم الآثار المحتملة للعضوية الدائمة في منظمة شنغهاي هو تعزيز مكانة إيران في الساحة الدولية، وما قد يترتب على ذلك من نتائج بالنسبة لعلاقات إيران الخارجية مع الدول الأخرى.
وغني عن القول بأن وجود الصين والهند كإقتصادين آسيويين عملاقين في شنغهاي، يزيد من ثقل هذا الحلف الإقليمي في الاتجاهات الاقتصادية العالمية، وبالنظر إلى أن شنغهاي منظمة متنامية (من حيث العضوية وقضايا التعاون)، فلا شك أنه في المستقبل غير البعيد يمكن رؤية شنغهاي في صفوف المنظمات المهمة الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو مجموعة السبع.
التطور الاقتصادي السريع للصين في العقود الأخيرة، والذي أدى إلى تقصير التكهنات حول الوقت الذي تستغرقه لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم من خلال تجاوز الولايات المتحدة، قد اجتذب انتباه مختلف الدول لتعزيز شبكة التجارة والتعاون الاقتصادي مع بكين.
وهذا في حد ذاته يجعل إيران، مع موقع جيوسياسي مهم واستراتيجي في مركز الاتصال البري لشرق العالم وغربه وإمكانية الوصول إلى المياه المفتوحة، بوابة اتحاد شنغهاي لمعظم دول غرب آسيا والخليج الفارسي وشمال إفريقيا.
في السنوات الأخيرة، أصبح تطوير العلاقات الاقتصادية مع شرق آسيا وخاصةً الصين إلى جانب الهند، ومن ناحية أخرى التحرك نحو تقليل الاعتماد على الغرب وتعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية مع روسيا، نهج السياسة الخارجية للعديد من الدول العربية، وخاصةً دول الخليج الفارسي.
وبينما كانت العلاقات الصينية الإيرانية محط اهتمام المحللين في السنوات الأخيرة، إلا أن الواقع هو أنه في منطقة الخليج الفارسي، تعمل السعودية والإمارات على تطوير العلاقات مع بكين أيضاً.
على سبيل المثال، في عام 2019، وقعت الإمارات اتفاقية تعاون استراتيجي مع الصين، وتحدثت وسائل الإعلام عن اتفاق بين الصين والسعودية لتطوير برنامج الرياض النووي.
العلاقات التجارية المتنامية للصين مع هذه الدول، هي بوابة بكين لدخول المنطقة بجدية أكبر، مع تضاؤل أهمية نفط منطقة الخليج (الفارسي) بالنسبة للولايات المتحدة.
وبالنظر إلى هذه الحقيقة، تجدر الإشارة إلى أنه مع عضوية إيران في منظمة شنغهاي، فإن أي عضوية جديدة تخضع الآن لموافقة إيران. من ناحية أخرى، فإن الجهود المبذولة لتوسيع مستوى التعاون بين دول العالم ومنظمة شنغهاي، ستمهد الطريق لتعزيز العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع هذه الدول.
تسهيل دخول إيران إلى منظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات الاقتصادية الكبرى
الجانب الآخر الأقل وضوحاً لعضوية إيران في شنغهاي، بوصفها أكبر منظمة اقتصادية إقليمية في العالم، بامتلاكها لثلث مساحة اليابسة في العالم، و 42 في المئة من سكان العالم، و 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، و 21 في المئة من احتياطيات النفط في العالم، و 46 في المئة من إجمالي احتياطيات الغاز في العالم، يعود إلى تسهيل عضوية إيران في المنظمات الاقتصادية المهمة الأخرى في العالم، مثل منظمة التجارة العالمية.
لقد تقدمت إيران لعضوية منظمة التجارة العالمية (WTO) لسنوات عديدة، وتمت الموافقة سابقاً على عضوية إيران كعضو مراقب، لكن طلب العضوية الدائمة لإيران لم ينجح لأسباب مختلفة.
في هذه الأثناء، وبغض النظر عن مسألة العقوبات الأمريكية وعرقلتها لعضوية إيران، هناك قضية عدم امتثال الهياكل الاقتصادية الإيرانية لقوانين منظمة التجارة العالمية، وعدم وجود أرضيات للانضمام إلى هذه المنظمة.
في غضون ذلك، ستؤدي عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون حتماً إلى تعزيز قدرات البنية التحتية، وإصلاح الهياكل لجعل الاقتصاد أكثر تنافسيةً، وإعادة هيكلة القوانين على أساس الامتثال لمتطلبات شنغهاي، وسيؤدي هذا في النهاية إلى استعداد إيران للإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
تعزيز قوة محور المقاومة
المحور الآخر لأهمية عضوية إيران في شنغهاي، يعود إلى تعزيز محور المقاومة في المنطقة.
كان محور المقاومة، الذي يضم حلفاء إيران المقربين في العراق وسوريا ولبنان واليمن، القوة الأكثر نفوذاً في منطقة غرب آسيا على مدى العقد الماضي، والعنصر الحاسم في إعادة ترتيب هندسة نظام علاقات القوة في المنطقة.
إن ما قامت به هذه القوة ضد أهداف وبرامج الولايات المتحدة التدخلية والمزعزعة للاستقرار، وخاصةً في دعم الكيان الصهيوني، دفع الأعداء إلى محاولة ضرب قوة محور المقاومة بشتى الطرق الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية.
وبعد الفشل في ضرب محور المقاومة في المجال العسكري – الأمني، عقب نجاح القوات المتحالفة مع المقاومة في سوريا والعراق في مواجهة الإرهاب التكفيري الذي افتعلته الجبهة الغربية – العربية – العبرية، أصبحت الضغوط الاقتصادية هي الجبهة الرئيسية الجديدة للحرب ضد المقاومة.
وبالتالي، فإن الحد من تأثير الضغوط الاقتصادية الغربية على إيران، كما يمكن أن يكون أحد آثار عضوية إيران في شنغهاي، فمن خلال تسهيل التعاون مع أطراف محور المقاومة الأخرى مع شنغهاي(بالنظر إلى دور هذه القوى المناهض للغرب، وهو أمر مهم لروسيا والصين)، يمكن أن يؤدي إلى تحصين محور المقاومة أمام الضغوط الاقتصادية.
الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون وقعت على برنامج متعدد الأطراف للتعاون التجاري والاقتصادي في سبتمبر 2003، لتحديد أهداف التنمية، ووضع تدابير محددة، والاستفادة بقوة من إمكانات التعاون.
وقد تعاونت جميع الأطراف بنشاط في مجالات الاقتصاد والتجارة والمالية والطاقة والنقل والاتصالات والزراعة. وخلال هذه الفترة، أصبحت الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون أحد أهم المجالات ذات الأولوية للاستثمار الأجنبي الصيني.
من ناحية أخرى، فإن التعاون الأمني بين أعضاء شنغهاي، كأحد الأهداف الرئيسية لهذه المنظمة، سيساعد محور المقاومة على مواجهة التهديدات الأمنية والانفصالية والإرهابية، كقضايا تدرسها منظمة دولية كبيرة.
وفي هذا الصدد، صادقت الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في قمتها الأولى على اتفاقية شنغهاي لمكافحة الإرهاب والانفصال والتطرف، والتي تحدد بوضوح الحرب ضد “القوى الثلاث” على أنها المهمة الأساسية لمنظمة شنغهاي للتعاون.
ومنذ ذلك الحين، وقعت الدول الأعضاء على وثائق تعاون أمني أخرى، مثل اتفاقية منظمة شنغهاي للتعاون لمكافحة الإرهاب، واتفاقية التعاون لمكافحة المخدرات، والاتفاقية المشتركة لمكافحة الجريمة.
وهكذا، فقد توسَّع تعاون منظمة شنغهاي تدريجياً وتعزَّز بسرعة في مجالات أوسع، بما في ذلك الأمن الاستراتيجي، الأمن الدفاعي، أمن إنفاذ القانون، أمن المعلومات، محاربة المخدرات، مكافحة غسيل الأموال، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
على سبيل المثال، بين عامي 2011 و 2015، تمكن مسؤولو منظمة شنغهاي للتعاون من منع 20 هجوماً إرهابيا مخططاً، ومنع 650 عملية إرهابية ومتطرفة. كما دمرت 440 معسكراً لتدريب الإرهابيين، و 1700 عضو من أعضاء المنظمات الإرهابية الدولية.
كما تم القبض على أكثر من 2700 شخص من أعضاء الجماعات المسلحة غير الشرعية والمتواطئين معهم والأشخاص المشتبه في قيامهم بأعمال تخريبية، بينما كان 213 من هؤلاء الأشخاص مرتبطين بمنظمات إرهابية أو متطرفة، وأصبح العديد منهم مطلوبين أيضاً على قائمة المشتبه بهم.