ما تداعيات إلغاء ’براءة الذمة’ من صندوق الضمان؟
موقع العهد الإخباري ـ
فاطمة سلامة:
“لكل إنسان بوصفه عضواً في المجتمع حقٌّ في الضمان الاجتماعي..”. مقولة شهيرة نصّت عليها المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. في لبنان، وتحديداً في السادس والعشرين من أيلول عام 1963، أبصر قانون الضمان الاجتماعي النور. الصندوق الوطني للضمان كان على رأس مخرجاته. الأخير، ومنذ ذلك الحين بات متنفساً لمليون و370 ألف مواطن لبناني، أي ما يقارب ثلث الشعب. تقديمات بالجملة تستفيد منها شرائح كبيرة من المجتمع، تحتل الطبابة جزءاً كبيراً منها. اليوم، تُواجه مؤسسة الضمان الاجتماعي خطراً يؤثّر على ديمومتها، بتوقيع القوى السياسية. خطر يكمن في المادة 19 التي أدخلت على مشروع موازنة العام 2018. فحوى المادة يوجب ضرورة إلغاء النص المتعلّق ببراءة الذمة للمؤسسات المنتسبة الى صندوق الضمان، ما يُشكّل كارثة تهدّد مستقبل الضمان الاجتماعي بأكمله وتعرّض الصندوق للإفلاس، وفق ما يؤكّد المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي لـ”العهد”. فما هي براءة الذمة؟.
براءة الذمة مستند يصدر عن إدارة الضمان الاجتماعي يفيد بأن المؤسسات قد سدّدت مستحقاتها للضمان، وهو الأمر المطلوب في معظم المعاملات الإدارية. بمعنى آخر، يتوجّب على كل صاحب عمل طبيعي أو معنوي من أشخاص القانون الخاص الحصول من الصندوق، على براءة ذمة تثبت تسديده الاشتراكات وسائر الموجبات المالية. إنها الوسيلة الوحيدة التي تجبر صاحب العمل على تسديد متوجباته الى الضمان. هذه المتوجبات تتحوّل الى رأسمال صندوق الضمان الذي يُقدّم من خلاله التقديمات والضمان الصحي وغيره. وفق حسابات كركي، “إنها الأداة الأساسية لتحصيل أموال الضمان، وإلغائها يُهدّد الأمن الاجتماعي”.
لا يستطيع كركي أن يتصوّر لبنان يوماً واحداً بلا ضمان. إنّه المتنفّس الوحيد للطبقة العاملة. يأسف مدير صندوق الضمان لإعادة نغمة “إلغاء براءة الذمة” بعد طرحه العام الماضي، واضطرار القوى السياسية الى سحبه من مجلس النواب تحت الضغط. “عين القوى السياسية ضاقت حتى في الضمان، واستكثرته على الشعب اللبناني”. أكثر من ذلك، تتهرّب الدولة من دفع متوجباتها للعام 2017، والتي تبلغ 403 مليارات ليرة، أضف اليهم 200 مليار ليرة بدل كسورات عن الماضي، أي ما يقارب 600 مليار ليرة لا يزالون في ذمة الدولة. إهمال الدولة عن دفع حقوق الضمان، يفتح الباب -وفق كركي- أمام أجراء القطاع الخاص للتهرب من دفع المتوجبات عليهم للضمان، وبالتالي، فتح شهية حيتان المال أمام استغلال المؤسسة.
أكثر ما يُقلق كركي هو الخطر الداهم على استدامة مؤسسة الضمان، والذي يهدد ثلث الشعب. يُشدّد على ضرورة المحافظة على براءة الذمة، لا بل العمل على تسهيل الحصول عليها، وهو ما قامت به مؤسسة الضمان العام الماضي، خصوصاً بعد خطر الإلغاء الذي واجهته في موازنة العام 2017. وفق كركي، جرى القيام بجملة تسهيلات للتخفيف من الانتظار على أصحاب العمل، حيث تمّ إعطاء 36 ألف براءة ذمة في المناطق، لتسريع الحصول عليها خلال نصف ساعة، فضلاً عن إنجاز تقارير التفتيش لبراءات الذمم بسرعة قياسية.
يؤكّد كركي أنّ مشروع الحكومة بإلغاء براءة الذمة من موزانة العام الماضي ما كان ليسقط لولا التحرك الفعال الذي قمنا به بالتعاون مع الإتحاد العمالي العام ورقابة مستخدمي الضمان، وهي الخطوة التي يستنكرها رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر بقوة، واصفاً إياها بالخطيرة. برأيه، الضمان يشكل مظلة أساسية يحتمي بها العمال والموظفين، والغاء براءة الذمة يُعرّض الصندوق للإفلاس. ولأجل حماية الضمان يعلن الأسمر الإضراب العام المفتوح والفوري. وقد كشفت مصادر لـ”العهد” أنّ حراكًا واسعًا يُقام في سبيل تراجع الحكومة عن ديمومتها، وفي هذا الصدد، تلقّى الأسمر اتصالا من وزير المال علي حسن خليل الذي أكد حرصه على ديمومة مؤسسة الضمان ومستقبلها، واعداً إياه بالعمل لحل القضية”.