ما الأمراض التي ستخلّفها النفايات بعد معالجتها؟
لم يكن وزير الصحة وائل أبو فاعور ليدُق جرس الإنذار من تفاقم أزمة النفايات منذ أيام لولا بلوغ السيل الزبى. بصريح العبارة أشار الى أننا وصلنا الى المحظور. المخاطر الصحية ازدادت مع “أول شتوة”، والآتي سيكون أعظم إذا لم تنفّذ خطة النفايات التي تجتاح الشوارع منذ 17 تموز الماضي، والتي ستترك حتى بعد علاجها “إرثا” صحياً وبيئياً ثقيلاً. وفق مقربين من وزير الصحة، أكثر ما يخشاه الأخير الخطر الكيميائي الذي ستتركه النفايات على المدى البعيد، والذي سيولّد السرطان، التشوهات الجينية، الزهايمر، الفشل الكلوي.
ترصد وزارة الصحة بأجهزتها المختلفة الآثار الصحية لآفة النفايات. تترقّب ما قد ينجم عنها وتتخّذ سلسلة اجراءات وقائية، لكن ما لا يمكن ضبطه حسب مصادر معنية بالملف، هو ذاك الخطر الكيميائي الذي عبّر عنه أبو فاعور بالمحظور، والذي سيترك آثاراً مباشرة على المدى البعيد تطال المياه الجوفية والتربة عبر تسرب عصارة النفايات وتلوث النباتات والأسماك والمواشي بالفيروسات، ما يؤدي الى تسرب المعادن الثقيلة الى جسم الإنسان مسبّبةً العديد من الأمراض.
النفايات والسيول
وفيما تتعاظم المخاوف من الخطر الكيميائي لتكدس النفايات، تُخفّف مصادر وزارة الصحة من التهويل الذي نشهده في وسائل الإعلام حيال الخطر الجرثومي. وفق حساباتها، لم تلحظ الوزارة حتى الساعة أي ارتفاع بنسبة الأمراض الانتقاليّة. التحذيرات من انتشار وباء الكوليرا جراء النفايات غير منطقية. هذا المرض لا يولد من العدم، والخوف يكمن في إمكانية انتقاله من الخارج. كما تُعلّق المصادر حول ما يُشاع عن انتشار مرض الطاعون جراء البراغيث التي تحملها القوارض والحشرات، لتعود وتؤكّد أنّ التهويل في هذا الإطار في غير محله أيضاً. كما تُخفّف المصادر من هول ما حُكي عن فيروسات معوية وإسهالات حادة، لافتةً الى أنّها موجودة أصلاً في لبنان، لا تولدها القمامة بل تُساهم في تفاقمها في حال لم نحافظ على النظافة الشخصية. وهنا تُشدّد وزارة الصحة على جُملة توصيات لتجنب الميكروبات والجراثيم قدر الإمكان: غسل اليدين على الدوام، الحفاظ على محيط المنزل وداخله خال من الحشرات والقوارض، عدم ترك الأغذية مكشوفة.
ما تقوله مصادر وزارة الصحة يُكرّره اختصاصي الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمان البزري. بنظره، لانتشار النفايات بالطريقة المخزية التي شاهدناها على جوانب الطرقات وتكدسه في الحاويات آثار صحية وغير صحية لا تُحمد عُقباها. وفق البزري، ترتبط سلامة الإنسان والمجتمعات السكنية بمدى صلاحية البنى التحتية لأي بلد. برأي البزري، تسرب سوائل النفايات الى باطن الأرض واختلاطها بالمياه الجوفية، يُنتج حكماً خطراً كيميائياً. ويوضح البزري أنّ النفايات العُضوية تحمل مليارات ومليارات البكتيريا التي يُسمح لها بالتكاثر فتتسرب سوائل النفايات بميكروباتها الى المياه الجوفية مسببة التلوث الزراعي وخطر انتشار السلمونيلا والإيكولاي. كذلك، يتخوّف البزري من خطر انتشار الميكروبات عن طريق الطبقة المعدمة التي تلجأ الى التفتيش داخل النفايات عن مواد لإعادة تدويرها ما يزيد من نسبة التقاط الأمراض ونقلها الى الأماكن السكنية المكتظة.
أمام هذا الواقع المزري والذي بات يبني مداميكه على أشلاء الدولة، ينبغي على الحكومة المسارعة بإعلان حالة طوارئ بيئية، حسب ما يؤكّد الخبير البيئي حبيب معلوف. وفق قناعاته الإدارة البيئية في هذا البلد غير سليمة وكل ما يقوم به السياسيون بعيد كل البعد عن المعايير البيئية. برأي معلوف، دخلنا في حالة طوارئ ضمن معايير إدارة الكوارث، وأمام الدولة حلان ليسا مثاليين لكنهما أقل ضرراً من الحلول الأخرى المتداولة. الأول يكمن في إعادة فتح مطمر الناعمة كونه المكان المجهّز لاستقبال النفايات، شرط القيام بعمليات الفرز والتدوير، والثاني تحويل المكبات العشوائية الى مطامر صحية.