مؤتمر جنيف ـ 2 في ظلّ القرار 2118: هل يُعقد وكيف؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
العميد د. أمين محمد حطيط :
بعد القرار 2118 تصاعد الحديث حول مؤتمر جنيف ـ 2 الذي يتوخى منه ان يكون مدخلاً أو إطاراً لحلّ سياسي للازمة الدولية التي تتحرك اطرافها على الساحة السورية. واشتد التجاذب حول هذا المؤتمر بين من يراه مكاناً لترجمة انتصاره الدفاعي في الحرب الكونية التي شنت عليه و بين من يحاول ان يتخذه مكاناً لتعويض خسائره في المواجهة ليكون المعبر له الى سلطة أو موقع لا يخوّله له حجمه التمثيلي او هويته أصلاً.
وبعد ان اكد القرار 2118 على مجموعة من القواعد آخذاً بالاعتبار الواقع القائم ومسلّماً بالشرعية السورية أحرج الفريق الذي عجز عن تحقيق اهدافه بقوة الإرهاب وبالبترولار وبالكلمة الكاذبة الملفقة التي تصدرها اجهزة الاعلام المجافية للحقيقية وهو الفريق الذي كان طموحه يرمي الى وضع اليد على سورية وانتزاعها من موقعها السياسي وجعلها مجال نفوذ استراتيجي له فالقرار 2118 ـ وهو اول قرار يصدر عن مجلس الامن في ظل انطلاق النظام العالمي الجديد المستعيد للتوازن الدولي اكد بصورة صريحة او ضمنية على مجموعة من القواعد ينبغي ان ينعقد المؤتمر في ظلها أهمها:
التمسك بوحدة سورية وسيادتها وقرارها المستقل وبالدولة المدنية العلمانية فيها والتأكيد على أن الشعب السوري هو صاحب القرار النهائي في اختيار نظامه وحكامه وبالتالي لا يكون هناك مجال لتجاوز ارادته هذه ما يعني ان المؤتمر لن يكون مكاناً لإنتاج سلطة انتداب على سورية تتجاوز ما هو قائم فيها من دستور وانظمة وقوانين.
ان الحكومة السورية القائمة هي الحكومة الشرعية التي تمثل سورية والتي يتم التعاطي معها دولياً وبالتالي لا مجال للحديث عن عزل او إقصاء او تجاوز لها في أي حلّ سياسي يتم البحث عنه.
وفي هذه القاعدة تسفيه لكل المواقف التي اتخذها العرب بجامعتهم المنحرفة عن مثياقها او بأنظمتهم التي قاطعت سورية كما لكل مواقف الغرب وفي طليعتها موقف اميركا التي لطالما ردّدت وادّعت ان «لا شرعية للرئيس السوري».
إن الحل السلمي هو الحل الذي يعتمد للخروج من الازمة وبالتالي يكون على من يدعي السعي إليه ان يسلك طرقه عبر التوقف عن الاحتكام للسلاح وسلوك سبيل التفاوض والحوار.
ان الاطراف السورية المدعوة الى المؤتمر يجب ان تمثل الشعب السوري تمثيلاً كاملاً وبالتالي لا يمكن اختزال الشعب بمجلس او هيئة او تنظيم يفرض عليه من الخارج وليس له قاعدة شعبية كما لا يمكن قبول احد من غير السوريين شريكاً في حوار وطني يبحث او يقرر مصير سورية او اي شأن يتعلق بها وفي هذه القاعدة تسفيه لكل ما قامت به جبهة العدوان على سورية من تعيين سابق لمن ادعت بأنه يمثل الشعب السوري المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني .
ومع هذه القواعد المكرّسة بقرار دولي حصل على إجماع مجلس الامن وبات يعبّر حقيقة عن ارادة الشرعية الدولية والمجتمع الدولي الحقيقي هل سيكون انعقاد مؤتمر جنيف -2 ممكناً؟ خصوصاً مع وجود فئة واسعة من المتضرّرين منه ومن الحل الآتي على تلك الأسس؟ ثم ما هي الوسائل التي يمكن اللجوء اليها في ظل التوازنات الدولية الجديدة لإرغام هذا الفريق او ذاك على التقيّد بهذا الاطار الدولي للحل؟.
لا شك بأن المشهد القائم يبرز واقعاً معقداً نتيجة حجم الأطراف الاقليمية والدولية الخاسرة او المتضررة من جهة ووجود الجماعات المسلحة من غير السوريين من جهة ثانية ويكفي ان نتوقف عند أمرين:
الاول يكمن في صعوبة اختيار من يواجه الحكومة السورية على طاولة التفاوض والحوار. إذ ان الاطراف المناهضة لها التي يستسهل البعض اطلاق تسمية «المعارضة» عليها لا تستجيب لهذه التسمية إذ يمكن أن نميّز بين فئات ثلاث يمكن ان تُدعى واحدة منها فقط الى المؤتمر بشكل يسير وهي المعارضة الوطنية المشكلة من سوريين حصراً وهي التي ترفض العمل المسلح وترفض الارتهان للخارج او التدخل الخارجي وتبتغي اعادة النظر في النظام السياسي القائم بغية الاصلاح و التطوير من دون المّس بالكيان السياسي القطري لسورية. اما الفئة الثانية فهي الفئة المناهضة للنظام والمتمسكة بالكيان السوري وهي تدرك ضيق قاعدتها الشعبية لذلك لن تجد مصلحة كبيرة لها في الحضور رغم تذبذب بعض اطرافها حول هذا الامر لأنها تدرك أن الاحتكام للشعب لن يمكّنها من الوصول الى السلطة منفردة او من احتلال موقع مؤثر فيها وهي تجد في العمل المسلح السبيل الافضل لفرض نفسها بالقوة واقامة الحكم الاستبدادي على منوال الدول الاقليمية التي ترعاها مثل السعودية وغيرها.
وتبقى الفئة الثالثة وغالبيتها من غير السوريين ممن يرفضون الكيان السوري والدولة المدنية العلمانية فيه ويسعون لإقامة دولة الخلافة الاسلامية العالمية التي تتخذ من سورية قاعدة انطلاق لها. وهم لا يرون في الديمقراطية وحرية الشعب في اختيار حكامه سبيلاً ملائماً لأهدافهم لذلك يعتبرون العمل المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق الاهداف تلك.
وبالعودة الى الواقع الميداني وعلى ضوء ما تقدم نرى ان من يستحق الدعوة الى المؤتمر والحضور من «المعارضة» ليس له وزن او تأثير في الميدان المسلح ومن يملك القوة المسلحة وينظم الجماعات الارهابية لا يستحق ان يكون ممثلاً في المؤتمر وبالتالي فإن انعقاد المؤتمر لن يكون له تأثير مباشر على اعمال العنف التي يمارسها المسلحون والارهابيون في سورية.
الثاني يتعلق بمدى التزام دول الجوار السوري ودول الخليج وتالياً كل الدول الاعضاء في الامم المتحدة بصنع بيئة ملائمة لانعقاد المؤتمر ونجاحه عبر الامتناع عن القيام بكل ما يؤجّج الصراع والاقتتال بما في ذلك وقف التسليح والتدخل في الشأن السوري وتسهيل دخول المقاتلين والجماعات الارهابية الى سورية ووقف الاعلام التحريضي اي بصيغة اخرى تجفيف مصادر العنف والارهاب التي تضرب سورية.
وهنا تكمن الصعوبة في تطبيق ذلك خصوصاً في ما يتعلق بتركيا والاردن والسعودية. اذ لا يمكن ان نتوقع ان تُقدم تلك الدول من تلقاء نفسها على القيام بعمل يكرّس خسارتها في حرب انخرطت فيها ضد سورية لثلاثين شهراً ونيف. فكيف يكون الحل؟
من أجل ذلك لا نرى انعقاد مؤتمر جنيف -2 أمراً ممكناً قبل أن تُذلّل هذه العقبات ثم اننا لا نرى فائدة من انعقاده إن لم يكن فيه احترام للقواعد المنطقية أصلاً والتي جاءت عبر القرار 2118 بشكل مباشر او غير مباشر ثم ومع هذه القواعد نرى ان صيغة المؤتمر بذاتها يجب ان يُعاد النظر فيها وبما انه مؤتمر دولي فيجب ان يعالج الجانب الدولي من الشأن السوري فقط اما الجانب الداخلي الوطني فينبغي ان يُترك للسوريين وفقاً لما يستفاد من القواعد اعلاه وعلى هذا الاساس نرى ان يكون مؤتمر جنيف للدول فقط وتتمثل سورية بحكومتها وتكون وظيفة المؤتمر صنع بيئة ملائمة لحوار سوري- سوري آمن لذلك يجب ان تُدعى اليه كل دولة تدخلت او اثرت في الازمة السورية من اجل الالتزام بتجفيف مصادر العنف والارهاب والمساهمة في خطة محاربتها في سورية ثم تشكيل مظلة رعاية لحوار سوري- سوري ومواكبة للمرحلة الانتقالية التي يُعاد خلالها تشكيل السلطة وفقاً لما يتفق عليه المتحاورون السوريون ويقرّه الشعب السوري وفقاً للاصول من دون ان يشكل المؤتمر سلطة وصاية على سورية بأي شكل من الاشكال وعلى اي حال لا زلنا نعتقد بأن المؤتمر هذا لم يظهر في افق الحقيقة بعد و يبقى للميدان ولدور الجيش السوري فيه لإخراجه من عالم الظن الى عالم اليقين.