مؤتمر 4 آب لدعم لبنان: مقرراته ومفاعيله والاستفادة الفعلية
موقع العهد الإخباري-
د.محمود جباعي:
انعقد يوم 4 آب مؤتمر باريس الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ماكرون في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت من أجل تقديم مساعدات انسانية عاجلة لبلد يعيش أسوأ وأكبر أزمة اقتصادية في تاريخه. وقد شارك فيه العديد من الدول الكبرى وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة بالاضافة الى عدد من الدول العربية.
مقررات المؤتمر
وقد قرر المجتمعون دعم لبنان بمبلغ يصل بالمجمل الى 370 مليون دولار تصل كمساعدات انسانية للشعب اللبناني خلال فترة سنة. وركز المؤتمر على أن معظم هذه المساعدات سيحصل عليها المتضررون من انفجار مرفأ بيروت بالاضافة الى بعض العائلات الفقيرة على ان يتم توزيع هذه المساعدات مباشرة من قبل الدول المانحة الى مستحقيها دون مرورها بالجهات الرسمية اللبنانية التي تفتقر الى المصداقية بنظر المجتمع الدولي. وهذا مؤشر اضافي على فقدان الثقة بالنظام السياسي اللبناني من قبل معظم الجهات الدولية.
مفاعيله الاقتصادية والاجتماعية
بالنظر الى كيفية تقديم المساعدات يلاحظ أن المساهمة الكبرى ستأتي من فرنسا بقيمة 100 مليون دولار وكذلك من الولايات المتحدة بنفس القيمة على أن تقدم الدول الأخرى أرقامًا متفاوتة لتصل القيمة الى 370 مليون دولار خلال فترة الـ 12 شهرًا القادمة. الملفت أن المساهمة العربية قليلة جدًا ولا تتعدى كونها مساعدات رمزية وهو ما يؤكد عدم وجود قرار عربي ولا سيما خليجي بمساعدة لبنان حاليًا من أجل الخروج من الأزمة ويرسخ فكرة عدم وجود رضى أو غطاء سعودي للمساهمة في حل أزمة لبنان المالية بسبب الحسابات السياسية والاقليمية التي يفضلها العرب على مصلحة الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمات خانقة في شتى المجالات والقطاعات.
المانحون أكدوا أن هذه المساعدات ستقدم الى قطاعات التعليم والتربية والقطاع الغذائي والصحي إضافة الى حوالي تأمين 500 الف لقاح جديد ضد كورونا. والواضح ان هذه المساعدات تهدف فقط الى تحسين مستوى التنمية البشرية لبعض العائلات اللبنانية لتمكينها من مواجهة الازمة المعيشية الخانقة التي تسببت بها الازمة المالية وايضًا مواجهة الخسائر التي حصلت جراء الدمار الكبير بعد انفجار المرفأ الذي أودى بحياة 214 شهيدًا وأدى لاصابة حوالي 6500 شخص بجروح وخلف دمارًا كبيرًا في الممتلكات والمباني والمصالح الاقتصادية وساهم في اقفال عدد كبير من المؤسسات والشركات التي تعمل في المرفأ نفسه أو في الأماكن المحيطة به وما نتج عن ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة لدى العاملين فيها.
حجم الاستفادة العامة من مقررات المؤتمر
يعتبر هذا المؤتمر خطوة جيدة من المجتمع الدولي الذي يصرح دائمًا بأنه يقف الى جانب لبنان لمنع الانهيار الشامل، ولكن بالتأكيد لا يعتبر كافيًا للمساهمة في خروج لبنان من أزمته المالية، لذلك لا يمكن التعويل على هكذا مساعدات ضئيلة في عملية التعافي الاقتصادي والمالي الذي يحتاجه لبنان فورًا، لأن حجم الانهيار أصبح كبيرًا في كافة القطاعات الحيوية من محروقات وكهرباء وأدوية ومستلزمات الصحة والغذاء وانهيار نقدي كبير لسعر صرف العملة الوطنية وتراجع العملات الأجنبية وما خلفه هذا الانهيار من تقهقر في القدرة الشرائية لمعظم العاملين في لبنان بقطاعيه العام والخاص.
لذلك، مبلغ 370 مليون دولار لا يقدم أي حلول لهذه المشاكل المذكورة؛ فهذا المبلغ سيفيد مجموعة محددة من اللبنانيين بشكل فوري وعاجل وهذا أمر جيد بالتأكيد وتشكر عليه الدول المانحة إلا أن لبنان يحتاج الى ما بين 5 الى 8 مليارات دولار سريعًا من أجل القيام بالاصلاحات المطلوبة داخليًا ودوليًا ومن أجل ترميم اقتصاده للانطلاق من جديد من حالة الانهيار والركود الى حالة عودة التعافي والنمو الاقتصادي. علمًا أن المانحين قد أكدوا استمرارهم في دعم لبنان بشرط تأليف حكومة انقاذ تنفذ المبادرة الفرنسية وتقوم باصلاحات اقتصادية بنيوية يطلبها صندوق النقد الدولي في عدة مجالات اقتصادية ومالية وايضًا نقدية. لذلك يعتبر المدخل الوحيد والاساسي بالنسبة للمجتمع الدولي لمساعدة لبنان بمبالغ أكبر هو تشكيل حكومة. وقد أبدوا تأييدهم شخص دولة الرئيس مقاتي في هذا الشأن. لذا اصبح لزامًا على الساسة اللبنانيين المعنيين بتشكيل الحكومة الاسراع في تشكيل حكومة وخاصة بعد اتهام الرئيس الفرنسي لهم بشكل علني بالمماطلة وحملهم نتيجة الفشل الذي وصفه بالتاريخي والأخلاقي، وأكد أنه لن يكون هناك شيك على بياض للنظام السياسي اللبناني وأي مساعدات كبرى لن تأتي إلا من خلال تنفيذ كامل شروط وبنود المبادرة الفرنسية.
من هنا وبناء على كل ما تقدم يبقى السؤال الأهم هل سينجح الزعماء اللبنانيون بتشكيل حكومة تحصل على الرضى العربي والدولي من اجل انقاذ لبنان من أزمته الحالية، أم أن الحل سيتأخر حتى تنضج تسوية اقليمية دولية تنعكس ايجابياً على لبنان وتسمح بتشكيل حكومة مصحوبة بمساعدات مالية كافية تمكن البلد من حل ازماته شرط تغيير النمط الاقتصادي والمالي القائم؟