لندن وواشنطن ودعوتهما لزرع العملاء ضد روسيا والصين
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
في عام 1941 قررت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفيلت بدء الاشتراك في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء البريطانيين والفرنسيين، فقامت بشن حرب مباشرة على الجيش الياباني في ذلك العام في المحيط الهادئ، وكان عدد اليابانيين الذين يقيمون في الولايات المتحدة كمواطنين أميركيين أكثر من 90 ألفاً ممن ولدوا وترعرعوا كمواطنين فيها، والبقية هم 30 ألفاً من المقيمين، وعند اندلاع الحرب بين واشنطن وطوكيو قررت إدارة روزفيلت نقل جميع اليابانيين من أماكن وجودهم وأجبرتهم أطفالاً ونساءً ورجالاً على ترك ممتلكاتهم وبيوتهم وحملتهم إلى معسكرات مغلقة بالأسوار في عدد من ضواحي الريف والمدن ومنعتهم من الخروج وحظرت عليهم الاتصالات مع الخارج بل وفصلتهم بشكل منهجي بعضهم عن بعضٍ في المعسكرات نفسها فتحولوا إلى سجناء وأسرى، وكان المبرر لهذه العملية الوحشية التي رواها اليابانيون بعد انتهاء الحرب ووثقتها إدارة روزفيلت في سجلات البيت الأبيض ووزارة الدفاع هو اتهامهم بالتجسس لمصلحة وطنهم الياباني.
وكان هذا الإجراء الوحشي يدل على أقصى وحشية عنصرية تتخذها السلطات الأميركية بحق مواطنين أميركيين من أصول غير بيضاء آسيويين، وبقي هؤلاء اليابانيون في تلك السجون – المعسكرات حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي أوقاتنا هذه بدأت أجهزة مخابرات الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا، بابتزاز المواطنين الروس وغير الروس من الدول الحليفة لروسيا، لتجنيدهم ضد روسيا وحلفائها لمصلحة واشنطن ولندن في الحرب الأوكرانية عن طريق تعريضهم لضغوط وتهديدات غير مبررة، ففي 20 تموز الجاري كشفت مجلة «أنتي وور الأميركية» في تحليل نشره أحد أعضاء هيئة تحريرها وهو ديف ديكامبو أن رئيس المخابرات العليا البريطانية المعروفة باسم «إم 16» ريتشارد مور «طلب من الروس علناً التجسس لمصلحة الغرب والتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية».
وقال في دعوته أثناء مقابلة أجرتها معه مجلة «بوليتيكو» نشرت في 19 تموز الجاري: «إنني أدعو الجمهور الروسي القيام بما قام به نفسه في السنة والنصف الماضية عدد من الروس حين تعاونوا معنا، فأبوابنا مفتوحة لهم دوماً والأسرار التي يطلعوننا عليها ستظل في مأمن لكي نعمل معا».
ولن يكون من المستبعد بعد هذه الدعوة العلنية الموجزة العامة أن تحاول السلطات البريطانية ابتزاز الكثيرين من المواطنين البريطانيين من أصل روسي سراً وعلناً واستخدام كل الوسائل الممكنة بهدف تجنيدهم كجواسيس ضد شعوبهم وأهلهم، وإضافة إلى ذلك كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إي» قد بدأت هي الأخرى بمحاولات لتجنيد الروس حتى داخل روسيا نفسها وليس بين المواطنين الأميركيين من أصل روسي فقط، لتحقيق الهدف ذاته وهذا ما كشفه دي كامبو حين ذكر في مقاله أن «المخابرات الأميركية بدأت منذ فترة تبث وتنشر أشرطة فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي وبلغات متعددة تحدد فيها الطرق والتعليمات التي يمكن لمن يرغب في العمل معها باستخدامها للاتصال بواسطة وسائل تكنولوجية مشفرة يصعب تعقبها من أي قوة معادية». ويضيف دي كامبو إن «رئيس المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز قال في شهر تموز الجاري إن الحرب في أوكرانيا شكلت فرصة هائلة لعمل المخابرات الأميركية ولن نسمح بإضاعتها ونحن الآن نستخدم وسائل التواصل الاجتماعية لهذا الغرض، وكان أول شريط فيديو عن طريق تليغرام هو تشجيع الروس على تعلم طرق الاتصال بنا بشكل آمن وبواسطة شبكة يصعب اختراقها».
ويقول دي كامبو إن بيرنز يزعم أن وكالته تلقت مليونين من التواصل معها في الأسبوع الأول لهذا البرنامج.
لكن الجميع يعرف بموجب ما يقوله معظم خبراء الجاسوسية عبر التاريخ أن هذه الطريقة هي «سلاح ذو حدين» تتيح لكل أجهزة مخابرات استخدامها ضد بعضها وخاصة من أجل النجاح في زرع جواسيس مزدوجي المهام ويعملون ضد المصلحة الأميركية التي ترغب في تجنيدهم، وهذا ما جعل المخابرات الروسية سواء في عهد الاتحاد السوفييتي أو في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتفوق على المخابرات الأميركية حين تمكنت في إحدى المرات من تجنيد الضابط الكبير في وكالة المخابرات الأميركية ألدريش ايمز الذي كان المسؤول الأعلى عن قسم التجسس المختص بالاتحاد السوفييتي في الثمانينات ولم يكتشف إلا عام 1994 وقد حوكم وصدر بحقه حكما بالحبس المؤبد دون أي إمكانية للعفو أو التخفيض.
ويبدو أن الحرب الغربية على روسيا والصين بلغت درجة لم يعد يستثن فيها الغرب أي وسيلة يمكن استخدامها ضد هاتين الدولتين وحلفائهما وبأقذر الطرق وأشدها وحشية على غرار ما فعل ضد المواطنين الأميركيين من أصل ياباني.