لماذا يُتّهم الحريري بإضعاف الرئاسة الثالثة؟ الصلاحيات والدستور.. والحكومة الباقية
صحيفة السفير اللبنانية ـ
نبيل هيثم:
حلحلة العقدة الحكومية الحالية تتطلّب واحداً من أمرين لا ثالث لهما:
الأول، تخلّي رئيس الحكومة عن رغبته باعتماد آلية تتيح له إدارة الحكومة واتخاذ قرارات في مجلس الوزراء وكرئيس حكومة كامل الصلاحيات والمواصفات، وبالتالي تسليمه بالأمر الواقع الحالي لحكومة الـ24 رئيساً، والعودة الى استئناف العمل الحكومي وفق «الآلية الإجماعية» التي اعتمدت منذ رحيل ميشال سليمان عن قصر بعبدا.
الثاني، قبول الوزراء المسيحيين بما يريده رئيس الحكومة، وبالتالي تراجعهم عن إصرارهم الحالي على «الآلية الإجماعية» التي أعطتهم بالممارسة ما يعتبرونها قوة حضور وصلاحيات استثنائية، وفرصة للشراكة الكلية بالقرار، والقدرة على التسهيل والتعطيل!
«المتعصّبون» للرئاسة الثالثة وجدوا في اعتماد آلية الـ»24 رئيسا»، خطأ قاتلاً ومسًّا مباشرًا بموقع رئيس الحكومة وصلاحياته، وكسراً للطائف ومخالفة للدستور. يقول «المتعصبون»: كان يجب التقيّد بأحكام الدستور: المادة 62 التي تنيط، في حال خلوّ سدة الرئاسة، صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء. والمادة 56 المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية حول القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء. والمادة 65 المتعلقة بصلاحيات مجلس الوزراء. وبالتالي كان يجب عدم إخضاع هذه الصلاحيات الى تفسيرات أو الى آليات «معطِّلة» على شاكلة الآلية التي ولدت «24 رئيساً».
«تيار المستقبل» على رأس الحكومة، وكان حتى ما قبل انتفاضة تمام سلام على صيغة الـ»24 رئيساً»، يغطي تلك الصيغة التي ثبت تعطيلها لمسار العمل الحكومي. و»المتعصبون» يضعون «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري قي قفص الاتهام بالتسبُّب في إضعاف موقع الرئاسة الثالثة وتكبيل رئيس الحكومة، وربطاً بذلك يسأل «المتعصبون»:
ماذا لو كان «تيار المستقبل» خارج السلطة؟ ألم يكن ليقيم الدنيا ولا يقعدها على أي خلل يصيب موقع رئاسة الحكومة؟ فكيف اذا كان الخلل تخفيض رتبة رئيس الحكومة الى رتبة وزير؟
حتى لو كانت هناك نية لإطاحة صيغة الـ»24 رئيساً» فهل ثمة إمكانية لذلك، بعدما اشتمّ البعض، ومنهم ميشال سليمان كـ»رئيس كتلة وزارية»، رائحة الصلاحيات والقدرة على التحكم والتعطيل؟
إذا كان صحيحاً أن سعد الحريري بصدد فرض صيغة عمل حكومية جديدة، ولكن كيف؟ وإذا كان صحيحاً ما يُقال إنه يراهن لتحقيق ذلك على دعم جدي ومباشر من العهد السعودي الجديد، ألم يكن أكثر التصاقاً بالعهد الملكي السابق ومع ذلك لم يتغيّر شيء في المعادلة القائمة؟
برغم الكلام عن حلحلة، فإن أفق التعطيل الحكومي مفتوح؛ ألا يعني ذلك دخول الوضع الحكومي في ما يشبه حالة تصريف الاعمال؟
تمام سلام، وكما ينقل عنه، مستاء مما بلغته حكومته. وقد أسرّ مؤخراً لبعض زواره بما مفاده: «أنا ضنين أكثر من المسيحيين على موقع رئاسة الجمهورية، ولطالما ناديت بالتعجيل بانتخاب الرئيس، وفي كل جلسة لمجلس الوزراء أسجل رفضي للفراغ وأدعو لإنهاء الوضع الشاذ».
يضيف سلام: «أردناها حكومة تنتج وتقرر بلا خلافات او مزايدات او عراقيل، وأساساً لم نسعَ في مجلس الوزراء لأن نكون بدائل عن رئيس الجمهورية».
هنا يلفت مقربون من سلام «المعطِّلين» الى ان كل ما يقرره مجلس الوزراء، بوجود رئيس الجمهورية او عدمه هو الذي يُعمل به في النهاية حتى ولو اعترض رئيس الجمهورية على ذلك (المادة 56 دستور – مهلة الـ 15 يوماً). ما يعني أن تطبيق النص الدستوري بحذافيره يفقد المعطِّلين هذه الورقة، حتى ولو كانوا يعتبرون أنفسهم «رؤساء».
وينقل عن سلام: «من الأساس لا نريد الصدام مع احد، بل اردت ان يحصل توافق. وبعمل الحكومة لم يكن الإجماع هو الآلية بل التوافق ولا شيء غير ذلك. لا أستطيع أن أقبل او استمر او اكمل بهذا التعطيل، خاصة ان هناك إيحاءات تقول بأنّ الحكومة باقية لسنة أو سنة ونصف، (معنى ذلك أن انتخابات رئاسة الجمهورية في خبر كان)، أنا أتمنى أن يُنتخَب رئيس اليوم قبل الغد، ولكن إن صحّت الإيحاءات فهل نبقي الحكومة مكبلة ومعطلة؟! كل وزير يعتبر نفسه رئيساً للجمهورية ويعطل.. أنا لا استطيع ان استمر هكذا».
يتابع سلام، بحسب زواره: «الآلية التي كانت قائمة لا مجال لأن تبقى قائمة، اريد صيغة تريّح العمل الحكومي، وتمكننا من اتخاذ قرارات. بالأمور الأساسية انا وعدت بأنني لن أقوم بما قد يؤدي الى خلل يمكن ان يمس بالوضع اللبناني، وفي الاصل هذه الامور لا آخذها الى مجلس الوزراء، مثل موضوع البحرين سواء مع أو ضد ما يجري فيه، فطرحه يفجّر مجلس الوزراء، وكذلك موضوع مشاركة حزب الله في الأزمة السورية. لذلك اريد ان تكون الحكومة مرتاحة، والتوافق حول كل الامور هو الاساس.. وانا مصرّ على التوافق». (يوضح مقربون أن التوافق هو الهدف، ولكن إن لم يتوفر ذلك، فالنص الدستوري يحدد آلية عمل مجلس الوزراء وكيفية اتخاذ القرارات، سواء بالثلثين للأمور الاساسية او بالنصف زائداً واحداً للامور العادية).
يشكو سلام قائلا: «للأسف مَن يقولون إنهم معي في ضرورة إطلاق عمل مجلس الوزراء، يعرقلونني».