لماذا وافقت «8 آذار» على 8 ـ8 ـ8؟ سباق بين الحكومة الجامعة والفوضى «الجامحة»
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عماد مرمل:
ليس معروفاً كم سيارة مفخخة يجب أن تنفجر بعد، حتى يدرك البعض في لبنان ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة توافقية، أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، لأن الوقت الضائع منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يرتب كلفة عالية ـ بفوائد يومية مرتفعة ـ على كل المستويات، لاسيما على الصعيد الامني.
ليس معروفا كم سيارة مفخخة يجب أن تنفجر بعد، حتى يدرك المعاندون أن الساحة الداخلية، المكشوفة والمهترئة، لم تعد تحتمل المزيد من النزف والصدأ، وأن لعبة عض الأصابع يجب أن تتوقف فوراً، لأن أصابع اللبنانيين العاديين هي العالقة بين الأنياب.
وإذا كانت الحكومة الجديدة المفترضة لن تأتي بالعجائب والمعجزات، ولن تملك عصا سحرية لمعالجة ما تراكم من أزمات في زمن الفراغ والانكشاف الأمني والسياسي، إلا ان مجرد ولادتها في اعقاب انتظار طويل ومرير سيترك أثراً إيجابيا، من شأنه أن يساعد في امتصاص أي حوداث أمنية، والحد من خسائر الإقامة على خط التماس السوري.
لقد تواضعت تطلعات اللبنانيين تحت ضغط الهاجس الأمني والضائقة الاقتصادية، بحيث أصبحت العودة الى البديهيات هي أقصى طموحهم في الوقت الحاضر. صاروا يريدون فقط أن تتشكل الحكومة من دون أن تتسبب بعوارض جانبية، وأن تكون قادرة على الانعقاد كل أسبوع، وأن تنجح في تنظيم الخلاف ونقله من الشارع الى طاولة مجلس الوزراء ما دام أنه من المتعذر إيجاد حل له حالياً.
وبرغم هذا السقف المنخفض والمفرط في الواقعية، لا يزال تأليف الحكومة الجامعة أسير المناورات السياسية الهادفة الى تحسين شروط المشاركة، في ظل حسابات متناقضة لفريقي «8 و14آذار» اللذين يتهيب كل منهما تحمل مسؤولية إفشال المسعى التوافقي، تماما كما أنهما يترددان في تسديد فاتورة التسوية المفترضة التي تتطلب تنازلات متبادلة يحاولان حصرها قدر الإمكان، لتقليص تكاليف الانتقال من الزوايا الحادة الى منتصف الطريق.
من وجهة نظر فريق «8 آذار»، لم يكن باب الفرصة الأخيرة ليفتح امام التوافق لو لم يبادر الى خفض سقفه من 9-9-6 الى 8-8-8، «الأمر الذي يؤكد حرص هذا الفريق على الاستقرار ويثبت حسن نيته»، كما يقول قيادي بارز فيه.
ويعتبر القيادي نفسه أن قبول قوى «8 آذار» بـ8-8-8 يدلّ على مرونتها وواقعيتها، ويشير الى أنها ليست أسيرة قوالب جامدة، داعيا الى التوقف في هذا الاطار عند البراغماتية التي أبداها «حزب الله» بموافقته على هذه المعادلة، خلافا للانطباع الذي يروجه خصومه حول تشدده المزعوم.
ويشير القيادي الى أن الموافقة على معادلة 8-8-8 تعبّر عن رغبة حقيقية لدى قوى «8 آذار» في تجنّب المواجهة والفتنة في الداخل، واستعدادها لتقديم تنازلات بقدر معين لملاقاة الطرف الآخر في منتصف الطريق.
ويلفت القيادي الانتباه الى أن «8 آذار» انطلقت في موقفها المرن من الاعتبارات الآتية:
ــ التحديات الأمنية المتفاقمة مع تلاحق عمليات التفجير والاغتيال، والتي تحتّم تحصين الساحة الداخلية، ليس فقط بالتدابير الأمنية وإنما بالحصانة السياسية.
ــ سحب أي ذريعة لتشكيل حكومة أمر واقع.
ــ تجنب الانزلاق الى صدام سياسي عنيف قد تكون له انعكاسات على الشارع المحتقن.
أما «حزب الله» الذي يتجاهل حتى الآن انطلاق جلسات المحكمة الدولية على قاعدة أنه هو الذي يختار متى يتكلم ومتى يصمت، ولا يتحرك برد الفعل او وفق توقيت الآخرين، فإنه يعتبر أن تنازله عن معادلة 9-9-6 تكتيكي وليس إستراتيجياً، لكنه يكفي في الوقت ذاته من أجل إيجاد أرضية للتسوية.
بالنسبة الى الحزب، كان طرحه منذ البداية هو تشكيل حكومة جامعة تحقق المشاركة، فيما كانت «14 آذار» تسعى الى إقصائه عن الحكومة وتطالب بانسحابه من سوريا كممر إلزامي لأي شراكة. من هنا، يرى الحزب أنه استطاع تكريس جوهر طرحه وتثبيته، مع سقوط محاولة استبعاده وإقرار الفريق الآخر ببعديه الداخلي والإقليمي بمبدأ المشاركة في حكومة جامعة، من دون ربط ذلك بوقف التدخل العسكري لـ«حزب الله» في سوريا، ولا مانع إن تطلّب الإخراج او المخرج تنازلات تخدم الهدف الأساسي ولا تؤذيه.
ولئن كان «حزب الله» قد تجاوب مع تدوير الزوايا العددية للحكومة، إلا انه يرفض استباق التأليف بأي نقاش مبكر حول توجهات البيان الوزاري، وبالتالي هو يعارض تقديم التزامات او ضمانات في ما خص مصير معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، ومستقبل إعلان بعبدا، لاسيما أنه يلمس من طريقة مقاربة «14 آذار» لهذا الجانب نوعا من الابتزاز.
ومع ذلك، يبدو الحزب مقتنعاً بأنه إذا توافرت قوة الدفع المطلوبة داخلياً ودولياً، فإن التأليف التوافقي سيُنجز أولا، ومن ثم يبدأ البحث في البيان الوزاري الذي سيخضع بدوره لمنطق التسوية وديناميته.