لم يأتِ بعد أوان المقايضات…!
جريدة البناء اللبنانية-
علي بدر الدين:
لم يكن رئيس الحكومة المعلقة جلساتها نجيب ميقاتي، بعد خروجه من اجتماع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، مضطراً أو بحاجة للجوء إلى «عقد» حاجبيه، وتجهّم وجهه، وتسريع خطواته، ورفضه الإجابة على سؤال عما دار في الاجتماع وما أنتجه، ربما تكون محاولة إيحائية منه، بأنّ ما دار من نقاش لم يكن يتوقع حصوله، أو أنه يريد التستر على ما تمّ تداوله والاتفاق عليه، حتى لا يخرج إلى الإعلام والعلن ويفسد «طبخات» المقايضات والمبادلات والتحاصصات، أو أقله لم تعجبه «طبخة» منها لأنه لم يشارك فيها، وحصته منها لا تكفي ولا تشبعه هو وبيئته وجمهوره، خاصة أنّ الجميع يتحضّر ويتهيّأ للانتخابات النيابية الموعودة.
ربما بالغ الرئيس ميقاتي في حركته التي على ما يبدو أنه أراد منها توجيه أكثر من رسالة، لكلّ من يعنيهم الأمر من القوى السياسية والطائفية والمذهبية والسلطوية، وهم يحاولون تمرير صفقة من هنا، ومقايضة من هناك، وحصصاً دسمة هنالك، خاصة في ملف التعيينات التي تطبخ على نار هادئة، وبسرية تامة، والمطلوب ان تنضج قبل موعد الاستحقاق الانتخابي، حتى تفعل فعلها، ويكون مردودها وفيراً من «الأصوات» على الجميع خاصة، تلك المتردّدة والناقمة على مختلف قوى السلطة، ولا يمكنهم محاسبتها إلا في صناديق الاقتراع.
يسجل للرئيس ميقاتي أنه نجح في تظهير المشهد السياسي بتعابير وجهه ويده وخطواته التي تسابق الريح، مع أنها ليست من «عوايده» في السياسة والسلطة، وهو المعروف عنه هدوءه المبالغ فيه، وعدم استعجاله الأمور والحلول والنتائج، والشعب شاهد حيّ على كيفية تعاطيه مع انعقاد جلسات الحكومة، وإصراره على التمهّل وعدم دعوة مجلس الوزراء إلى معاودة جلساته، حتى تنتفي أسباب تعليقها، وهذا لن يحصل قريباً، او بعيداً، ربما إلى ما بعد الانتخابات النيابية إذا ما حصلت في موعدها، ومع حكومة جديدة، قد تكون من نصيب ميقاتي نفسه مكافأة له على «نجاحه» في رئاسة حكومة «معاً للإنقاذ» وإنجازها الباهر في عقد ثلاث جلسات منذ تأليفها، وإنجازات أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
نعم نجح ميقاتي، في كشف المستور والمخبّأ وألاعيب ووقف «خزعبلات» بعض مَن في السلطة وهو المستثنى منها مع أنّ حصته محفوظة، وإمرارهم لتسوية على شاكلتهم وتخدم مصالحهم، وترسخ تسلطهم، وتقدّم لهم دفعة جديدة على الحساب، سيدفع ثمنها الشعب حتماً، مما تبقى عنده، ومنافعها تعود لهذه القوى السياسية، التي لا ترى الا مصالحها وحمايتها، ولا همّ عندها إنْ انهار البلد وتفككت الدولة ومؤسساتها، وافتقر الشعب وجاع، وهو فعلاً كذلك وفق دراسات منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الدولية حيث وصلت نسبة الفقر في لبنان المتعددة الأبعاد إلى 82%.
إذن… لا مقايضات أو تسويات حول ملفات قانون الانتخاب والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت وأحداث الطيونة، والتعيينات القضائية، حتى لو كان لبعض الوقت، لأنّ السلطة ـ وميقاتي ركن من أركانها ـ لا تنام على ضيم، خاصة انها تلعب وحدها، ولا تعنيها زيارات الموفدين الدوليين، ولا حتى زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، ولا تحذيراته وشروطه ومطالبه وتهديداته بعدم المساعدة، إذا لم يطلق قطار الإصلاحات! أو لم تحصل الانتخابات النيابية. رغم ذلك، واجهته بالتحدي، وكادت أن تنجح بعقد تسوية في حضوره وبمنأى عنه، وهي باتت خارج السيطرة والقيود والضوابط والمسؤولية الوطنية، فكيف سيأمن لها المجتمع الدولي ويثق بها وهي «قاطعة الحبل» و»فلت ملقها ع الأخير».
بفضل «لا قرار» المجلس الدستوري في اجتماعه السابع والاخير واعتباره قانون الانتخابات النيابية نافذاً بتعديلاته، تمّ إطفاء فتيل مقايضة وسحبه من التداول، ولكنه حتماً سيفتح أبواباً جديدة وواسعة للاجتهادات القانونية والدستورية والسجالات السياسية والطائفية والإعلامية، وللشماتة وتسجيل الانتصارات والهزائم، التي لا تصيب إلا الشعب الذي يكتوي بنار الخلافات والصراعات على المصالح والتحاصص، على أمل خروج المنظومة الحاكمة من حلبة السلطة اليوم قبل الغد.