لقاء الأسد ببوتين.. إدلب بين الحلّ القريب واللاحلّ المؤجّل
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
بات واضحاً أنَّ دمشق، برضا روسيا أو من دونه، لم تعد تتحمّل استمرار الوضع الحالي في إدلب والشمال السوري عموماً، لأن بقاءه على هذه الحال سيزيد من صعوبة الحل النهائي.
في قراءةٍ سريعةٍ لحديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال استقباله المفاجئ للرئيس السوري بشار الأسد (الإثنين الماضي)، يمكن أن نلمس بوضوح ملامح التطورات المحتملة في سوريا، وفي مقدّمتها حسم قضية إدلب، بالاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أو من دونه.
الرئيس بوتين الّذي قال وهو يخاطب الرئيس الأسد “إن المشكلة الرئيسية تكمن في تواجد القوات الأجنبية في مناطق معينة من البلاد من دون قرار من الأمم المتحدة، ومن دون إذن منكم، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي، ولا يمنحكم الفرصة لبذل أقصى الجهود لتحقيق الاستقرار والأمن في البلاد، والمضي قدماً في طريق إعادة الإعمار بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بإدارتكم”، حدَّد هدف المرحلة القادمة بوضوح، وهو التواجد التركي في الشمال السوري، والأهم من ذلك الحماية التركية لإدلب، بمن فيها من الإرهابيين من مختلف الجنسيات والنماذج والأشكال.
أقوال الرئيس بوتين هذه سبقتها معلومات صحافية تركية تحدثت عن خلافات جدية بين القيادات العسكرية التركية وقادة الفصائل المنضوية تحت راية ما يسمى “الجيش الوطني السوري” في العديد من مناطق الشمال السوري، وهو ما يفسر رفض هذه الفصائل استقبال إرهابيي درعا الذين جاؤوا إلى المنطقة.
وتتحدَّث المعلومات أيضاً عن توتّر جدي بين الجيش التركي وفصائل مختلفة في إدلب، ومنها “حراس الدين” و”سرية أبو بكر الصديق”، بعد مقتل 3 عساكر أتراك نتيجة هذا التوتر. ويبدو واضحاً أنه سيستمر مع الحديث عن العديد من السيناريوهات، ومنها:
1 – استمرار التوتر بين الجيش التركي وهيئة تحرير الشام (النصرة) وبعض الفصائل المتحالفة معها مع حديث الإعلام التركي عن مشاورات بين الطرفين للاتفاق على مصير هذه الفصائل في إدلب ومستقبلها خلال المرحلة القريبة القادمة، مع اقتراب موعد العمل العسكري السوري/الروسي باتجاه إدلب.
2- في إطار المشاورات المذكورة، طرح الصحافي سادات أركين، وهو معروف بعلاقاته مع القيادات العسكرية، العديد من التساؤلات عن مستقبل الإرهابيين في إدلب، وقال: “ماذا ستفعل تركيا بهم؟ هل ستحتضنهم أو أنهم سيبقون في إدلب رغماً عن الرفض التركي، لتتحول المنطقة إلى أفغانستان ثانية؟”.
وأشار الصحافي أرك آجار أر بدوره إلى “مساعي أنقرة لنقل إرهابيي إدلب من غير السوريين إلى أفغانستان بعد الاتفاق مع طالبان حول هذا الموضوع، وبوساطة قطرية”، ليضيف أن “موسكو وبكين تراقبان هذا الموضوع عن كثب، لأن معظم هؤلاء من مواطني الصين (الإيغور) وروسيا (الشيشان)، والبعض منهم من مواطني الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان، مع المعلومات التي تتحدث عن التركيز على هذا الموضوع خلال مناقشات قمة شانغهاي في العاصمة الطاجيكية”.
3 – أحزاب المعارضة والإعلام المعارض لا يخفيان قلقهما من احتمالات استمرار تعنّت الرئيس إردوغان في موقفه في إدلب وحمايته المسلحين فيها، باعتبار أنَّهم ورقة مهمة في مجمل حساباته ومساوماته مع كلِّ الأطراف الإقليمية والدولية، مع استمرار الخلاف الروسي/الأميركي حول الوضع شرق الفرات، فلم يعد المسؤولون الأتراك يتحدثون عن هذا الموضوع إرضاء لواشنطن التي كان إردوغان يتّهمها باستمرار بدعم وحدات حماية الشعب الكردية؛ الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي.
وقال الأميرال المتقاعد توركار أرتورك “إنَّ إردوغان سيفعل كلّ شيء للتمسّك بورقة إدلب، وسوف يسقط مشروعه العقائدي في سوريا في حال خسرها. وبهزيمته هناك، ستسقط كلّ أحلامه في المنطقة، وهو ما لن يتحمّله بسهولة بعد خسارته في مصر وتونس والمغرب، وقريباً في ليبيا”.
4- أن يتخلّى إردوغان عن حلفائه في إدلب والشمال السوري عموماً، في إطار صفقة قد تتفق عليها موسكو وواشنطن، يتم فرضها على كلّ الأطراف الإقليمية، وهو الموضوع الذي بدأ الإعلام التركي يتحدث عنه، مع الإشارة إلى احتمالات أن يستغلّ إردوغان أزمة النازحين السوريين من جديد، في حال اقتحم الجيش السوري إدلب والمناطق الأخرى التي سينسحب منها الجيش التركي ويترك عشرات الآلاف من المسلحين فيها تحت الضغط الأميركي/الروسي، واحتمالاته ما زالت ضئيلة.
5 – السيناريو الأخير والأكثر رواجاً هو أن لا يبالي إردوغان بكل ما يقال أو سيقال عن إدلب وسوريا عموماً، ويستمر في موقفه الرافض لأي عمل عسكري سوري/روسي مشترك، ولو كلفه ذلك التصدي لمثل هذا العمل، كما فعل في شباط/فبراير 2020، إذ قصف الطّيران الروسي مواقع الجيش التركي، وقتل 34 عسكرياً تركياً في 28 شباط/فبراير المنصرم، فردت أنقرة بقصف مقرّ الضباط السوريين بطائرات مسيّرة، وقتلت 10 منهم، فاتصل الرئيس بوتين بإردوغان، ودعاه إلى اجتماع عاجل في موسكو في 5 آذار/مارس، وجعله ينتظر على باب صالة الاجتماع لعدة دقائق، من دون أن يساهم اتفاق موسكو الجديد في تحقيق أي تقدم في أزمة إدلب، حالها حال اتفاقية سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر 2018، والتي دفعت أنقرة بعدها الآلاف من قواتها إلى المنطقة.
هذه السيناريوهات صادفت المعلومات التي تحدثت قبل يومين من لقاء بوتين- الأسد عن اتصالات مكثفة بين موسكو وواشنطن في ما يتعلَّق بالملف السوري، بما في ذلك الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، في إطار اتفاق شامل بين دمشق و”قسد” والكرد.
وتبذل موسكو مساعي مكثّفة لتحقيقه عبر الاتصالات واللقاءات المكثّفة مع قيادات “قسد”، وكان آخرها لقاء بوغدانوف (الأربعاء) مع القيادية في “مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، إذ أشار بيان الخارجية الروسية إلى “تأكيد الجانب الروسي على موقفه المبدئي الداعم لتسوية جميع القضايا التي تعرقل استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا بالكامل، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، مع الإشارة إلى أهمية مواصلة الحوار بين “مجلس سوريا الديمقراطية” ودمشق، بهدف التوصل إلى اتفاقات تستجيب للتطلعات المشروعة لجميع المواطنين السوريين، وتراعي خصوصيات المناطق والتعددية الإثنية والثقافية للمجتمع السوري”.
أمّا اتصالات موسكو المتكرّرة مع “تل أبيب”، فقد كانت كافية، وبمؤشرات أميركيّة، للضغط على “إسرائيل” وإجبارها على وقف عدوانها المتكرر على سوريا. يفسر ذلك تخلّي الجميع عن إرهابيي درعا، وتهرّب “إسرائيل” التي هدَّدت وتوعدت كالعادة باستهداف السفن التي جاءت بالنفط الايراني إلى سوريا، وبالتالي الصهاريج التي نقلت هذا النفط ومشتقاته إلى لبنان براً، في تحدٍ تاريخيٍ من “حزب الله وحلفائه” لـ”إسرائيل” وحليفاتها.
وفي جميع الحالات، ومع الرهان على أحد السيناريوهات المحتملة، فقد بات واضحاً أنَّ دمشق، بالرضا الروسي أو من دونه، وبعد حسم ملفّ درعا المعقد والخطير، لم تعد تتحمّل استمرار الوضع الحالي في إدلب والشمال السوري عموماً، لأن بقاءه على هذه الحال سيزيد من صعوبة الحل النهائي للأزمة، ما لم يجعله مستحيلاً، وهو الاحتمال الذي قال مقربون من الكرملين إنه تمت مناقشته بأدقّ التفاصيل في قمة موسكو، إلى جانب العديد من القضايا، وأهمها حديث الرئيس بوتين “عن ضرورة التفكير بنهج وأسلوب جديد” أوصى به الرئيس الأسد، “لترتيب البيت السوري من الداخل. ومن دونه، فإنّ الحلّ في إدلب، وفي سوريا عموماً، سيبقى مؤجلاً إلى أجل ليس قريباً”.