لبنان بين السيادة والمقاومة
موقع العهد الإخباري-
ايهاب زكي:
يتميز مفهوم السيادة بالتراكم التاريخي، حيث إنّه تطور منذ عصور اليونان القديمة، وصولاً للدولة المعاصرة، ورغم ذلك ما ازداد إلّا غموضاً، حتى أنّ البعض يخلط بين مفهوم السيادة والسلطة، أو بين مفهوم السيادة والاستقلال، وذلك لشيوع استخدام هذا الترادف على ألسنة السياسيين وخطاباتهم. ولكن بعيداً عن التعقيدات القانونية والغموض الفقهي لمفهوم السيادة، فالشائع هو الانطباع السياسي بمجرد سماع المصطلح، الذي يُفهم منه التعبير عن الحق المطلق للدولة، في ممارسة السلطة بالقهر المشروع داخلياً، وتحقيق مصالحها خارجياً.
أمّا في لبنان تحديداً، فللسيادة غرائب وعجائب، فقد يكون لبنان هو البلد الوحيد في العالم، الذي لم تُستخدم فيه السيادة لفظاً وفعلاً في موقعها قط، حيث إنّ السلطة فيه تفتقر لأدنى مظاهر السيادة، ولن نغوص في التاريخ لإثبات ذلك، ولكن فقط في الأيام الأخيرة، مظهر زيارة الوفد الحكومي اللبناني إلى سوريا، كان منافياً للسيادة، كما كان الامتناع عن الزيارة، حيث إنّ المنع بـ”فيتو” خارجي، والزيارة بقرارٍ خارجي.
أمّا على المستوى الداخلي، فالدولة التي لا تستطيع إقالة موظف حكومي، أو أن يقوم طرفٌ ذو حيثية دينية مثلاً بوضع الخطوط الحمراء في وجهها، لا يحق لها التشدق بالسيادة، كما أنّه حين تعجز سيادة الدولة عن حماية قضائها من التدخل الخارجي، أو حتى من “الفيتو” الداخلي، لا يحق لها التشدق بالسيادة.
وبنظرة سريعة على التاريخ القريب، سنجد أنّ الدولة صاحبة السيادة، بالنسبة لحركات التحرر، وحركات المقاومة والحركات الثورية في كثيرٍ من الأحيان، تكون هي الخصم، كما حدث مع دولة “فيشي” في فرنسا، إبان الحرب العالمية الثانية مثلاً، أو كما حدث مع الثورة الكوبية، أو على افتراض السيادة لدى السلطة الفلسطينية، بالنسبة للمقاومة المسلحة.
ولكن المفارقة في لبنان رغم عجائب السيادة وغرائبها، ورغم أنّه حزب القوة القادرة، إلّا أنّ حزب الله أكثر الأطراف تمسكاً بسيادة الدولة، وأكثر الأطراف حرصاً على تظهير دور الدولة، ويعتبر الدولة ضمانة بقاء لبنان.
وبعيداً عن الدجل السياسي، تُعتبر أعمال حزب الله سيادية بامتياز، حيث إنها تتطابق مع القانون تماماً، ولا تتعارض مع السياسة التنفيذية للدولة اللبنانية إطلاقاً، فالحكومة اللبنانية وهي الجهة التنفيذية، تقوم بتقديم بيانها الوزاري لمجلس النواب، والذي على أساسه تحوز الثقة وتصبح شرعية، واعتادت الحكومات المتعاقبة على تضمين بياناتها معادلة “شعب.جيش.مقاومة”.
وبما أنّ الحكومة اللبنانية تحوز الثقة على هذا الأساس، فهي تُقر بهذه المعادلة لحماية لبنان، وحماية لبنان هي أمرٌ مطلق، من كل أطراف العدوان ومن كل أشكاله، والحصار الذي يتعرض له لبنان، هو أحد أشكال العدوان، بل قد يكون أشدّ وأقسى من الاعتداء العسكري المباشر، وعليه، بعيداً عن المناكفات السياسية ضيقة الأفق، تكون مسارعة حزب الله لكسر الحصار، هي واجبٌ كلفته وكفلته السيادة اللبنانية.
إنّ حزب الله حين يمارس السياسة من منظور أخلاقي، يعتبرها وسيلة مثلى لتحقيق أقصى مصلحة شعبية أو وطنية، وليس باعتبارها غاية للتكسُّب، وتحقيق مصالح شخصية أو مآرب خارجية، وهذا بعكس من يعتبرون أنّ تضحية الحزب بأمواله، وتحدّيه للقوة الأعظم، انتهاك للسيادة.
إنّ حزب الله يواجه مؤامرة، تديرها أعتى الإمبراطوريات القديمة والحديثة، وكذلك يواجه الشعب اللبناني تلك المؤامرة على شكل عقوباتٍ جماعية، لتمسكه بحق الحماية وحق الدفاع، والحق في أن يكون سيداً في وطنه وعليه.
وهذه المواجهة طويلة الأمد، يسجل فيها حزب الله انتصارات على امتداد ساحاتها، حتى حين دخوله الساحة الاقتصادية من زاوية كسر الحصار، سجل انتصاراً اقتصادياً وسياسياً، ويمكن اعتباره نصراً عسكرياً أيضاً، فامتناع العدو عن التعرض للسفينة الإيرانية تحت طائلة التهديد، يعتبر نصراً عسكرياً، لأنّه يؤكد على قوة الردع.
حسب التركيبة اللبنانية، لا يمكن توقع سلوكيات حكومية خلافاً لما يحدث، والمقاومة لا تعيش في الأوهام، بل هي شديدة الواقعية في الحركة كما في السكون، ولكن أعداء حزب الله يعتبرونها حكومته، بينما يعتبرها أنصار الحزب حكومة أمريكية، أمّا ماذا يعتبرها حزب الله وحلفاؤه المحليين، الحقيقة لا أعرف، ولكن كمراقبٍ من الخارج أظنّه يراها حاجة لا بد منها، حيث يعتبرونها المظلة الوحيدة لكل لبنان، لذلك فهي ليست حكومة حزب الله، ولا يجب أن تكون حكومة أمريكا.