لا زالوا يُشوّهون سُمعة الشِّيشان
موقع إنباء الإخباري ـ
الدكتور أمين شمس الدين داسي*:
لا زالت وسائل الإعلام ومن ضمنها الغربية تنشر استنتاجاتها الخاصة المشوهة، والتي تستهدف الشيشان وروسيا في أنها تشارك بالارهاب.
أشارت صحيفة “دايلي ميل” البريطانية إلى أن منفذ عملية عيد رأس السنة 2017 في اسطنبول هو على الأرجح من أفغانستان أو الشيشان، أو تركستان الشرقية، منطقة غرب الصين تقطنها غالبية مسلمة. والأمثلة على ذلك كثيرة.
أما وسائل الإعلام المحلية التركية فقدأوضحت أن منفذ الهجوم ينتمى إلى تنظيم “داعش”، وتعتقد بانتمائه إلى كتائب تركستان الشرقية، فرع داعش. ويعتقد الأتراك بأنه مواطن إحدى جمهوريات آسيا الوسطى.
مع أننا نسلم بأن الإرهابيين قد يكونون من أية ملة، وقد يكونون كذلك من أصول أوروبية، إلا أنهم في الحقيقة الخارجين عن ملتهم، لا دين ولا ضمير ولا هوية لهم. علما بأن روسيا هي التي تتصدى للإرهاب بحق وحقيق، والشيشان الوطنيون بأنفسهم قضوا على هذه الآفة الخطيرة في بلادهم في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، ولا يزالوا يساهمون في ذلك على أرض الشام، لإنقاذ أخوتهم في الدين والإنسانية من براثن هذه الوحوش.
والشيء الذي يندى له الجبين أن ترى البعض من المتعصبين من شيشان المهجر، الموزعين في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط بما فيه تركيا (وهم لحسن الحظ قلة)، الذين ألقوا عاداتهم وتقاليدهم واسلامهم المتسامح عرض الحائط، ولم يعودوا يهتمون بها، واتجهوا صوب التعصب والتطرف مفسرين الدين بما يتفق وهواهم، لأنك لو اتجهت صوب العقلاء لوجدت تفسيرا مغايرا لتفسيرهم. المتعصبون باسم الدين ابتعدوا عن العادات والتي أصلا لا تخالف تعاليم الإسلام المتسامح. الشيشان من جذورهم لم يُعادوا جيرانَهم بسبب الدين أو المعتقد، أبدا، علما بأنهم اعتنقوا خلال تاريخهم المذاهب والمعتقدات الرئيسة المعروفة، السماوية منها وغير السماوية، واحترموا معتنقيها ولا يزالون، ولا فرق بينها عندهم إلا بالتقوى وحسن الجوار والصدق والأمانة، وما إلى ذلك من معان إنسانية سامية.
أما فيما يخص الحروب القوقازية الدامية مع روسيا فلم تنشأ سوى في العصور الحديثة، التي انتبه فيها الغرب إلى موقع القوقاز الاستراتيجي وثرواته الطبيعية الهائلة، والتي أراد الاستحواذ عليها بشتى الوسائل والسبل. واخترق منطقة القوقاز عملاؤهم، ينشرون الحقد والضغينة على جيرانهم الأقوياء الروس تحت شعارات قومية وأخرى دينية كالجهاد المقدس. فالطامعون كانوا دولا أوروبية والامبراطورية العثمانية المجاورة والفرس، وكل من أجل مصلحته استفز شعوب القوقاز الشمالي للقيام ضد روسيا، مما دفع الأخيرة للدفاع بحزم عن مصالحها في المنطقة، ذات الحدود المشتركة فيما بينها، وكانت النتيجة أن سيطرت على هذه البلاد، وحصلت على سواحل لها على البحر الأسود.
لم ينته الصراع عند هذا الحد. فروسيا مترامية الأطراف، وغنية بمكامنها ومواردها الطبيعية، جعلت عيون الطامعين بها لا يغمض لها جفن، بحيث استطاعوا تفكيك بلاد السوفييت، وخلق بؤرة حرب جديدة في منطقة شمال القوقاز، وتحديدا في الشيشان ومناطق من الداغستان تحت راية الاستقلال، وتداخلت الأمور، ووجد زعماء التمرد الدعم العسكري والمادي والمعنوي من زمرة يلتسين والصهيونية المسيطرة آنذاك على الكرملين (أمثال بيريزوفسكي) رأت فيه فرصة سانحة لإبعاد النظر عن السلب والنهب التي قامت به لتركة النظام السوفييتي. ولا ننسى دعم الغرب ومنظمات ممولة دولية وعربية مشبوهة (رابطة الإسلاميين العالمية، منظمة الإغاثة الدولية الإسلامية، المجلس العالمي الأعلى لشؤون المساجد، الرابطة الدولية للمساعدات الخيرية “طيبة”، صندوق إبراهيم الإبراهيمي، الرابطة الدولية للدعوة الإسلامية، الرابطة العالمية للدعوة الإسلامية/ السودان.. الخ)، وتغلغل بما يعرف بالوهابية والمرتزقة إلى بلاد الشيشان، أيضا باسم الإسلام “الأنقى” وضد المشركين. انتهى الصراع بتعاون شيشاني- روسي بالقضاء على التمرد، وطرد المرتزقة أو قضي عليهم، وفشل حلم الوهابية في إقامة “الامبراطورية الوهابية” التي تمتد من الشرق الأوسط وحتى آسيا الوسطى وكازاخستان، وغير ذلك من مخططات الغرب، الذي هو جزء لا يتجزأ من مؤامرة دولية ضد روسيا وعلى حساب الشعوب القوقازية وغيرها.
كفاكم تآمرا على الشعب الشيشاني، الذي تحمل صعقة كاملة من الإرهاب الدولي في بلاده، ومستعد للمساهمة بمكافحته في أي بقعة من الأرض، إرهاب موجه ضد روسيا الاتحادية وهدمها، والتفرقة بين شعوبها. علما بأن للشيشان اليوم حسب دوقواخا عبد الرحمانوف، رئيس برلمانها السابق، دوراً في العملية السياسية الكبرى في العالم. وعلى لسان الدكتور في العلوم السياسية، الكسندر دوغين “بلاد الشيشان ليست جزءا من روسيا فحسب. فهي من حيث موقعها الجيوسياسي، ومن حيث تكوينها العرقي، ومن حيث تاريخها، تعتبر فضاءً مهما في منطقة شمال القوقاز، وهو الفضاء الأهم لروسيا الاتحادية. إن الصمود الجيوسياسي العام لكل روسيا ، يقاس بمدى استطاعة الشعب الشيشاني التأقلم بشكل متكامل مع الحياة العامة لروسيا الاتحادية”. من هنا أهمية شمال القوقاز لروسيا، ومن هنا أهمية استقرار شمال القوقاز لشعوبها ولكامل روسيا الاتحادية. وما على روسيا أيضا إلا أن تأخذ على كامل مسؤوليتها الحفاظ على هذه الشعوب وحمايتها وتنمية ثقافاتها وإرثها القومي، وتطورها وازدهارها على طريق السيادة والحرية.
* كاتب وباحث في الشؤون والقضايا الشيشانية من الاردن.