لا تتبادلوا القبلات مع العقرب
صحيفة الديار اللبنانية-
نبيه البرجي:
لماذا اختارت «طالبان» تركيا لادارة، وتشغيل، مطار كابول؟
وأي دور يمكن أن يضطلع به رجب طيب اردوغان حين يضع قدميه (لا قدماً واحدة) في تلك الدولة التي تتصل بشرق وغرب، كما بجنوب ووسط، آسيا، لتغدو، جيوستراتيجياً، أكثر حساسية بكثير من اذربيجان، الحاضرة التركية، وربما «الحاضرة الاسرائيلية»؟
ومن هو جهاز الاستخبارات الذي ثابر، طوال السنوات الأخيرة، على تزويد هبة الله أخوندزادة بأقراص مدمجة تحتوي على الترجمة الباشتونية لمؤلفات حسن البنا وسيد قطب، وهي الأقراص التي ما لبثت أن شاع تداولها بين أقطاب الحركة على أطراف قندهار وغيرها؟
أحمد شاه مسعود جونيور، نجل «أسد بانشير» أحمد شاه مسعود، لاحظ أن زعيم الحركة بات عاشقاً للأغاني، وللمسلسلات، التركية، وحيث الدبلجة للغتين الباشتونية والدرية الفارسية التي يستخدمها نحو 77 % من الأفغان.
لاحظ أيضاً أن مستشارين أتراك استقروا في فنادق في كابول لمساعدة النظام الجديد (القديم) على اعادة بناء المؤسسات العسكرية، والأمنية، والادارية. هذا يستدعي السؤال حول ما يجول في رأس الرئيس التركي بالعربة العثمانية التي تتنقل بين شرق وشمال وجنوب المتوسط، كما بين آسيا الوسطى والقوقاز، في تقاطع سريالي بين مصطلحي «العالم التركي «و»السلطنة العثمانية» بجذورها السلجوقية وحتى… الحثية!
المعلومات الديبلوماسية تؤكد أن قادة من التنظيم الدولي لـ»الاخوان المسلمين» حلوا ضيوفاً على قندهار. هؤلاء يرون في أفغانستان نقطة الانطلاق نحو دولة الخلافة، وبتسلسل تكتيكي أكثر ديناميكية. من هنا السعي لارساء علاقات عملانية، بين «طالبان» و»تنظيم الدولة الاسلامية» (ولاية خراسان)، كون الطرفين ينتميان الى حالة فكرية واحد دأب أيمن الظواهري، وكان اليد اليمنى لأسامة بن لادن، على تسويقها من كهوف تورا بورا…
مسعود دعا الى «عدم تبادلات القبلات مع العقرب». قادة «طالبان» يظهرون براغماتية خادعة في هذه المرحلة الضائعة والتي تستدعي الكثير من الجهد لتركيز السلطة، ولتفادي، قدر المستطاع، مساعدة دول مثل روسيا والصين وايران لـ»الجماعات المتمردة» لنشر الفوضى في مناطق محورية من البلاد. من هنا كان فتح قنوات التواصل مع الدول الثلاث التي لا تستطيع الا النظر بارتياب الى تلك الظواهر الراديكالية.
حين يكون المشهد الأفغاني ضبابياً الى ذلك الحد، وينبئ بتداعيات دراماتيكية على بلدان الشرق الأوسط، يلاحظ كيف أن الديبلوماسية التركية، وبضوء أخضر أميركي، بدأت بالدخول الى أكثر من بلاط عربي لطالما شكك بالنوايا العثمانية، وبعدما راهن اردوغان على «الاخوان المسلمين»، كونهم النيوانكشارية التي تفتح أبواباً كثيرة أمام الباب العالي.
على ضفتي الأطلسي كلام عن «الحقبة الأفغانية»، ومن الشرق الأدنى الى الشرق الأقصى. الخطوط الساخنة بين الضفتين شغالة على مدار الساعة. كيف يمكن توظيف تلك الحالة في الصراع الأمبراطوري المرتقب على المسرح الآسيوي بتضاريسه التاريخية، والثقافية، وحتى… بتضاريسه الميتولوجية؟
الكلام أيضاً على أولوية الدور التركي على «الدور الاسرائيلي». ليس فقط لأن اللغة، أو الاتنية، التركية موجودة بكثافة هناك، وانما لأن «الدولة العبرية» تعاني من وضع عصبي حاد قد يكون مرضياً بتأثير صواريخ حزب الله» التي تدق على أبوابنا»، كما رأى ناحوم بارنيع، وهي الهاجس الوجودي لهيئة الأركان، ناهيك عن «المطرقة النووية» في يد آية الله خامنئي…
ماذا في الرأس التركي الموجود، بتغطية أميركية و»اسرائيلية»، في سوريا وفي العراق، وأيضاً في اذربيجان وأفغانستان. التوقعات بأن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة مثيرة من خلط الأوراق. كيف سيكون اللعب، وما هي قواعد اللعبة، بعدما حدث تعديل (صارخ) في هوية، ورؤية، اللاعبين؟
المشهد أكثر تعقيداً من أن يحتمل دخولاً في الاحتمالات. جو بايدن أعطى الأولوية للعملية الديبلوماسية، ليشير، أخيراً، الى «خيارات أخرى».
ما حدث في أفغانستان، وما يمكن أن يحدث، وضع المنطقة أمام مفترق. تابعوا، بقلق، ما يقوم به اللاعب العثماني بالقبعة الأميركية!!