كيف يمكن للصين أن تقضي على الدولار؟
موتُ الدولار آتٍ, وربما تكون الصين هي من يضغط على الزناد. ما ستقرؤونه في هذه المقالة مفهوم لمجموعة صغيرة جداً من الأمريكيين. الآن, يشكل الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية للكوكب. إذ يتم معظم التجارة الكونية بالدولارات الأمريكية, كما أن النفط كله تقريباً يُباع بالدولارات الأمريكية. كما أن أكثر من 60% من احتياطات التبادل الأجنبي هي بالدولارات الأمريكية, حيث إن الدولارات الأمريكية التي يتم استخدامها خارج الولايات المتحدة أكثر من الدولارات المستخدمة داخلها.
وكما سنوضح أدناه, أعطى هذا للولايات المتحدة بعض الميزات الاقتصادية الهائلة, ولا يفهم معظم الأمريكيين مدى اعتماد مستوى عيشهم الحالي على بقاء الدولار كعملة احتياطية للعالم. وللأسف, وبفضل التهور في طباعة العملة من قبل “الاحتياطي الفدرالي” ومراكمة الدين من قبل الحكومة الفدرالية, فإن وضع الدولار بصفته العملة الاحتياطية للعالم يتعرض الآن لخطر كبير.
كما ذكرت أعلاه, تقوم البلدان في كافة أرجاء العالم باستخدام الدولار الأمريكي في التجارة فيما بينها. وقد ولدَ ذلك طلباً كبيراً على الدولارات الأمريكية وحافظ على القيمة العالية للدولار. كما يعني أيضاً أن بمقدور الأمريكيين استيراد الأشياء التي يحتاجونها بأسعار أرخص بكثير من الأسعار التي كانوا سيدفعونها لولا ذلك.
تجمع البلدان الأكثر تصديراً مثل السعودية (النفط) والصين (أشياء بلاستيكية رخيصة في “وولمارت”) أكواماً ضخمة من الدولارات الأمريكية. وبدلَ الجلوس على كل هذه الأموال, غالباً ما تقوم هذه البلدان المصدرة بإعادة استثمار معظم هذه الأموال في سندات مالية قليلة المخاطر يمكن تحويلها بسرعة إلى دولارات عند الضرورة. ولفترة طويلة, كانت تعتبر سندات الخزينة الأمريكية الطريقة الأمثل لذلك, مما ولدَ طلباً كبيراً على الدين الحكومي الأمريكي وساعد في الحفاظ على تدني نسب الفائدة بشكل كبير. ففي كل سنة, يتم إقراض كميات هائلة من المال يتم إرسالها خارج البلد للخزينة الأمريكية بمعدلات فائدة متدنية للغاية.
أفاد الاقتصاد الأمريكي كثيراً من قدرة الحكومة الفدرالية على استدانة الأموال بهذا الشكل الرخيص, لأن معدل الفائدة على 10 سنوات من سندات الخزينة الأمريكية يؤثر على آلاف من معدلات الفائدة الأخرى عبر نظامنا المالي. فعلى سبيل المثال, مع ارتفاع المعدل على 10 سنوات من سندات الخزينة الأمريكية في الأشهر الأخيرة ارتفعت المعدلات على رهون البيوت الأمريكية.
إن كامل طريقة حياتنا في الولايات المتحدة يعتمد على استمرار هذه اللعبة. علينا أن نجعلَ بقية العالم يستخدمون عملتنا ويقرضونها إياها مرة أخرى بمعدلات فائدة متدنية جداً. لكننا حشرنا أنفسنا في الزاوية عبر تكديس الكثير من الديون. وليس بمقدورنا أن نتحملَ ارتفاع معدلات الفائدة بشكل كبير.
فعلى سبيل المثال, إذا ارتفع معدل الفائدة الوسطي على دين الحكومة الأمريكية إلى 6% (وقد كان أعلى من ذلك في عدة أوقات في الماضي), فسوف ندفع أكثر من تريليون دولار سنوياً فقط كفائدة على الدين الوطني.
لكن الحكومة الفدرالية لن تكون الوحيدة التي ستعاني. فكروا فقط في الأثر الذي ستتركه معدلات الفائدة الأعلى على سوق العقارات.
قبل عام من الآن, كان معدل الفائدة على الرهون العقارية لمدة 30 سنة مستقراً عند 3.31%. الدفعة الشهرية على رهن عقاري لمدة 30 سنة وبقيمة 300,000 دولاراً هي 1315.52 دولاراً.
فإذا ارتفعَ معدل الفئدة إلى 8%, فإن الدفعة الشهرية على رهن عقاري لمدة 30 سنة وبقيمة 300,000 دولاراً ستصبح 2201.29 دولاراً.
هل يبدو معدل 8% جنونياً بالنسبة إليكم؟
يجب ألا يبدو كذلك. فقد كان معدل 8% يبدو عادياً في سنة 2000.
هل بدأتم تفهمون اللعبة؟
نحن بحاجة لأن تقوم بلدان أخرى باستخدام دولاراتنا وشراء ديوننا بحيث نستطيع أن نتمتع بمعدلات فائدة منخفضة جداً بحيث نتمكن من شراء أشياءَ كثيرة رخيصة من هذه البلدان.
لسوء الحظ, يدفع السلوك الغريب للاحتياطي الفدرالي والحكومة الأمريكية في السنوات الأخيرة بقية العالم لفقدان الثقة في عملتنا. وبشكل خاص, تقود الصين الدعوة إلى عالم “منعتق من الهيمنة الأمريكية”.
المقطع التالي مأخوذ من مقالة حديثة منشورة على موقع “فرانس 24”:
“طيلة عقود عديدة أفادت الولايات المتحدة من الأرصدة الحرة التي تساوي تريليونات من الدولارات من دور الدولار الذي يشكل الوحدة الاحتياطية الكونية.
ولكن مع خوف الاقتصاد الكوني من احتمال تخلف الولايات المتحدة عن إيفاء الديون الشهر الماضي, والذي تم تجنبه عبر وصول واشنطن إلى صفقة تقضي برفع سقف ديونها, دعت الوكالة الإخبارية الصينية الرسمية ‘جينهوا’ إلى عالم ‘منعتق من الهيمنة الأمريكية’.
كما أنها حثت على تأسيس ‘عملة احتياطية عالمية جديدة … بدلاً من هيمنة الدولار الأمريكي’.”
لكن لماذا يجب على بقية دول العالم أن تستمع إلى الصين؟
تسهم الصين الآن في التجارة الكونية أكثر من أي بلد آخر, بما في ذلك الولايات المتحدة.
كما أن الصين الآن المستورد رقم واحد للنفط في العالم.
في هذه المرحلة, تستورد الصين نفطاً من السعودية أكثر مما تستورد الولايات المتحدة.
تتمتع الصين الآن بقدر من القوة الاقتصادية على المستوى الكوني, ويريد الصينيون من بقية العالم أن تبدأ بالتخفيف من استخدام الدولار الأمريكي وتتجه إلى استخدام عملتهم.
النص التالي مأخوذ من مقالة حديثة نشرت في “ڤانكوڤر صَن”:
” بعد ثلاث سنوات من سماح الصين للإيوان بالبدء في التجارة في سوق هونغ كونغ, تتحضر المصارف والمستثمرون حول العالم للدخول في ما تسميه ‘شركة نومورا القابضة’ بأكبر ثورة في سوق العملة الذي يساوي 5.3 تريليون دولار منذ ابتداع اليورو في سنة 1999.”
وفي السنوات القليلة الأخيرة شاهدنا الارتفاع الدراماتيكي للاستخدام الكوني للإيوان.
إن الاستخدام العالمي للإيوان في ارتفاع مع فتح ثاني أكبر اقتصاد في العالم لأسواقه الرأسمالية. ففي الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة, تم تحديد حوالي 17% من تجارة الصين العالمية في العملة, بالمقارنة مع أقل من 1% في سنة 2009, تبعاً ﻠ “دويتش بانك إيه جي”.
لا يزال الدولار بالطبع ملكاً حتى الآن, لكن هذه المكانة تترنح بفضل مجموعة كبيرة من اتفاقيات العملة الدولية. فعلى سبيل المثال, وقعت الصين مؤخراً اتفاقية عملة كبيرة مع “البنك المركزي الأوروبي”.
سوف تسمح صفقة التبادل هذه بمزيد من التجارة والاستثمار بين المناطق باليورو والإيوادون الحاجة إلى الانتقال إلى عملة أخرى مثل الدولار الأمريكي أولاً, كما قالت كاثلين بروكس, مديرة الأبحاث في “فوركس.كوم”.
قالت بروكس: “إنها طريقة لتشجيع التجارة الأوروبية والصينية, لكنها لا تتم بالدولار الأمريكي. العملية أشبه بالتخلص من الوسيط, فبشكل مفاجىء تختفي المخاطر المرتبطة بالدولار الأمريكي.”
وكما كتبت في مقالة سابقة, رأينا توقيع مجموعة من الاتفاقيات المشابهة في كافة أنحاء العالم في السنوات السابقة: الصين وألمانيا/الصين وروسيا/الصين والبرازيل/الصين وأستراليا/الصين واليابان/الهند واليابان/إيران وروسيا/الصين وتشيلي/الصين والإمارات العربية المتحدة/الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا.
ولكن هل تسمعون أي شيء عن هذا في الإعلام الرسمي؟
بالطبع لا.
لأنهم يفضلون التركيز على آخر فضائح النجوم.
الآن, إن الابتعاد الكوني عن الدولار يتم بحركة بطيئة لكنها ثابتة.
وفي مرحلة ما, سوف يتسبب حدث ما بتسريع هذه العملية.
وعندما يحصل ذلك, سوف يتراجع الطلب على الدولارات الأمريكية والدين الأمريكي وسوف ترتفع معدلات الفائدة بشكل كبير.
وفي حال ارتفاع معدلات الفائدة بشكل كبير, سيؤدي ذلك إلى خلق فوضى كبيرة في النظام المالي الأمريكي برمته. الآن, هناك حوالي 441 تريليون دولار موجودة من مشتقات معدل الفائدة. إنها قنبلة مالية موقوتة لم يشهد لها العالم مثيلاً.
هناك أربعة بنوك أمريكية “أضخم من أن تفشل”, ويمتلك كل منها أكثر من 40 تريليون دولار من التعرض الكامل للمشتقات. ويتكون القسم الأكبر من تلك المشتقات من مشتقات معدل الفائدة. وفي حال كنتم تتساءلون عن هذه البنوك فهي: “جي بي مورغان تشيس”, “سيتيبانك”, “بنك أمريكا”, و “غولدمان ساكس”.
من شأن ارتفاع كبير في معدلات الفائدة أن يدمر تلك البنوك ويتسببَ في كارثة مالية ويجعلَ أزمة 2008 تبدو أشبه بنزهة في الطبيعة.
في الوقت الحالي, يبدو زعيم التجارة العالمية راضياً باستخدام الدولار في معظم تعاملاته الدولية. كما تبدو الصين راضية أيضاً بدينها للحكومة الأمريكية البالغ أكثر من تريليون دولار.
لكن إذا تغير هذا الوضع في يوم من الأيام, فإن نتائج ذلك على الاقتصاد الأمريكي ستكون كارثية وسوف يشعر كل مواطن أمريكي بهذا الألم.
إن مستوى العيش الذي نتمتع به جميعاً اليوم يتوقف بشكل كبير على الصين. وبمقدور الصينيين أن يهووا على رؤوسنا بالمطرقة في أية لحظة يشاؤون, وهم يعلمون ذلك.
المصدر: موقع قناة العالم – “غلوبل ريسيرتش” ترجمة: د. مالك سلمان