كيف نقول ثورة؟
موقع إنباء الإخباري ـ
سارة مهنا:
اجتاحت البلاد العربيّة مؤخراً موجة من النهضة الضميرية فهبت الواحدة تلوَ الأخرى تطالب بخلع الأنظمة التي حكمت البلاد إلى أن نبتت لها الجذور، فاختار كل شعبٍ ميداناً للتظاهر وتفجير الغضب، موحدين صدحات، “الشّعب يريد اسقاط النظام”.
17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 أطلقت ثورة الياسمين التونسية عبيرها، تضامناً مع الشّاب محمد البوعزيزي الذّي قام بإضرام النار في جسده بسبب “بطالته”. أدى ذلك إلى اندلاع شرارة المظاهرات في يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر 2010 وخروج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. ونتج عن هذه المظاهرات التي شملت مدن عديدة في تونس سقوط العديد من القتلى والجرحى التونسيين، ولم نسمع بشيشانيين أو فلسطينيين ولا بالدعوة للجهاد المقدس في تونس، ولم ينعقد جنيف بفرعيه، بل و أجبر الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014، بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية تخفيضاً طفيفاً. لكن الاحتجاجات توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ وأسقط النظام التونسي من قبل التونسيين.
17 شباط/ فبرير 2011 ثارت ليبيا على عقيدها المعمر ﻓﻲﺍﻟﺤﻜﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮﺩ “معمر القذافي”، حيث انطلقت في يوم 15 شباط/ فبراير إثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله، وتلتها يوم 16 شباط/ فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام بمدينة البيضاء فأطلق رجال الأمن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين فأشعلوا الغضب في قلب الشعب المكبوت منذ عقود، فكانت الثورة في البداية عبارة عن مظاهرات واحتجاجات سلمية. لكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بمعمر القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة. وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا فيه قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي، وفي اليوم العشرين انتفضت مدينة طرابلس وأفلح شباب العاصمة بإسقاطها وخلع نظام القدافي الظالم، فأسقطوا بذلك سنوات من الظلم واحتكار الثروات وطار الكتاب الأخضر بعيداً. ومع أن الدّم الذي دُفع من أجل اسقاط القذافي كان كبيراّ الا انه لم يتلوث بدماء غريبة.
25 كانون الثاني/ يناير 2011 زأرت مدينة الأهرام زئير الليث المتوحش، فامتلأ ميدان التحرير بالملايين من المصريين المطالبيين بإزالة الرئيس حسني مبارك، وقد جاءت الدعوة للثورة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، فأمُّ الدنيا لم تعد تجد ما يقيت جوع أبنائها في ظل تزايد أرصدة حسابات رئيسها المليارية. أدت هذه الثورة إلى تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في 11 شباط/ فبراير 2011 ففي السادسة من مساء الجمعة أعلن نائب الرئيس عمر سليمان في بيان مقتضب تخلي الرئيس عن منصبه فزغردت المصريات فرحاً وعمّت الأفراح أحياء مصر الفقيرة والغنية.
26 شباط/ فبراير 2011 كتب تلاميذ سوريا المتأثرون بموجات إسقاط الأنظمة، على جدران مدرستهم عبارات تنادي بالحرية. فخرج الناشطون يطالبون بالأصلاح، فحوّلها المتربصون منذ سنوات إلى اسقاط نظام، وانطمرت أصوات الاصلاحيين عميقاً في الخنادق المحفورة منذ زمن في أحياء المدن السّورية. لا لسنا ننكر أن ما حدث في جمعة الكرامة كان ثورة سلميّة وأن الدم الذي سقط كان سورياً، ولكن هل حافظ السوريون على ثورتهم كما فعل أشقاؤهم؟! وفي أيٍ من الثورات التي حصلت استخدمت فيها ترسانات عسكرية متطورة ومجهزة في مخازن منذ عقود؟! ولأيّة مظاهرة عربية خرجت لفائف الوهابية تنادي بالجهاد المقدس وكأن الحاكم يهودي الأصل والنسب! فالقرضاوي والعرعور طمسوا قضية الأقصى من أجل ضرب الكأس مع اليهود.
الثورة لا تسمى ثورة وتنتصر إذا لم تكلل وتزين بدماء الشّهداء، شهداء الوطن، أصحاب هوية الوطن، ولكننا في سوريا لم نسمع إلا بشهداء الجيش النظامي ومرتزقة حلف الناتو الذي أبدع وتفنن في تنقيتهم من أصحاب الجرائم الكبرى في السجون العربية والغربية، وخاصةً اﻟﻤﺘﺴﻠﻔﻴﻦ الذين أتوا طمعاً بالحورية وجدول جهاد المناكحة الذي وضع بالدور والنظام، لتسقط القصير وتفضح المستور عن خنادق مدججة بالسلاح والعتاد ومدربين وضباط اسرائيليين واوروبيين استقدموا من أجل تدريب المرتزقة والمعارﺿﻴﻦ لاسقاط النظام.
نعم، قد يكون النظام السوري ارتكب جرائم بحق سوريين، ونعم قد يكون حكم سوريا طويلاً وبات يجب تغيره، ولكن النظام الذي انتخب ملكاً بالممانعة ضد التطبيع مع الاسرائيليين لا يمكن إسقاطه من عملاء يتدربون على أيدي ضباط الكيان الغاصب.
ثلاث ثورات عربية قاتلت وثارت بالسلاح الأبيض والسلاح الشرعي الخفيف فكان النصر وإسقاط النظام، ولكن ما حدث ﻓﻲ سوريا تجهيزٌ مسبق ومدروس لخلع نظام اعتبر منذ الأزل لقمة مرة في طريق أهداف سرية غربية باتت مكشوفة، ولكم الحكم في انتقاء الثورة ولا ثورة.