كيف ستكون الحرب بين واشنطن وبكين: نقل المعركة إلى الداخل الأميركي؟
موقع الخنادق-
مريم السبلاني:
حافظت العلاقات الأميركية-الصينية على مستوى معين من الهدوء الحذر طيلة العقود الماضية التي تلت حرب فيتنام، حيث شهدت وقوف الصين بوجه الولايات المتحدة بشكل مباشر -وصل عدد الجنود الأميركيين داخل الأراضي الفيتنامية عام 1968 إلى 525 ألفاً-. في حين وصل التوتر بين الجانبين إلى أعلى مستوياته أخيراً، وبتوقيت مدروس أُريد منه توريط بكين التي تدرك ان الحرب مع واشنطن، هي حرب قائمة مؤجلة تنتظر نضوج اللحظة الدولية المؤاتية.
تختلف الآراء حول شكل الحرب المتوقعة بين الطرفين. وبينما ينظر بعض المحللين الاستراتيجيين إلى المواجهة بشكلها المُستحدث الذي ترجم أساليب بعيدة عن الحل العسكري، كنظام العقوبات المشددة، -خاصة وان الصين قوة اقتصادية عملاقة- يرى البعض الآخر، ان العزوف عن خيار الاشتباك المسلح أمر غير محسوم، حتى لو كان بالوكالة، تماماً كما يجري في كييف، حيث تقف روسيا اليوم، بوجه المحور الغربي على الاراضي الأوكرانية. وبالتالي، تتجه الأنظار نحو تايوان، الخاصرة الرخوة التي تضع فيها الولايات المتحدة نابها.
يقول الخبير في مركز تقييم الإستراتيجيات والميزانيات في واشنطن (يعمل كمحلل استراتيجي مهني لدى وزارة الدفاع الاسترالية)، روس باباج، ان “اندلاع حرب كبيرة في المحيطين الهندي والهادئ صار محتملاً الآن أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية… الشرارة الأكثر احتمالا هي غزو الصين لتايوان”.
في تشرين الأول/ اكتوبر عام 2021، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، على ان “توحيد تايوان مع الصين يجب أن يتحقق”. وهذا ما دفع بالولايات المتحدة مجدداً للنظر إلى مصالحها الاستراتيجية الحيوية في تلك المنطقة على أنها على المحك. اذ ان التقدم الملحوظ الذي حققته بكين خلال السنوات الماضية لم يقتصر على النمو الاقتصادي فحسب، بل على المستويات العسكرية والأمنية والصناعية مجتمعة، إضافة لشبكة علاقاتها الآخذة بالتمدد بين مختلف دول العالم.
يأتي الخطر الذي تتلمسه واشنطن من خسارة تايوان، من ان ذلك سيقوض موقع الولايات المتحدة الاستراتيجي في غرب المحيط الهادئ، وربما يقطع وصولها إلى أشباه الموصلات الرائدة عالميًا والمكونات الهامة الأخرى المصنعة في تايوان. وهو الأمر الذي يفسر تصريح الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنهم قد ألزموا أنفسهم بالدفاع عن الأخيرة.
ويشير باباج في إطار الحديث عن شكل المواجهة القادمة، إلى ان الحرب مع الصين لن تشبه أي شيء يواجهه الأميركيون على الإطلاق. لقد اعتاد المواطنون الأميركيون على إرسال جيشهم للقتال بعيدًا عن الوطن. لكن الصين هي عدو من نوع مختلف – قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية قادرة على إثارة الحرب في الوطن الأميركي…أنا مقتنع بأن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة خطيرة ، ويجب أن يصبح مواطنوها أكثر وعياً بها”.
تعد العقوبات الاقتصادية الشاملة على بكين هي الورقة الأولى التي ستستخدمها واشنطن في حال وصول الأمور إلى ذروتها. اذ ان العملاق الاقتصادي العالمي الذي يشق طريقه بحزم إلى كل الدول، لديه الكثير ليخسره. واذا ما تم اللجوء إلى استخدام الخيار العسكري -بغض النظر عن مدى اتساع رقعته الجغرافية، واذا ما كانت ستشمل كل البلاد- فستكون البنى التحتية الصناعية الصينية على رأس بنك الأهداف.
بالمقابل، لا تعد بكين مسلوبة الارادة، اذ انها تمتلك سلاحاً مهماً يتمثل بسيطرتها على سلاسل التوريد والشحن. يعتمد الاقتصاد الأميركي بشكل كبير على الموارد الصينية والسلع المصنعة، بما في ذلك العديد من التطبيقات العسكرية، ويعتمد المستهلكون الأميركيون على الواردات الصينية الصنع ذات الأسعار المعتدلة لكل شيء من الإلكترونيات إلى الأثاث إلى الأحذية. يتم نقل الجزء الأكبر من هذه البضائع على متن السفن على طول الممرات البحرية التي تسيطر عليها المصالح التجارية الصينية التي هي في النهاية مسؤولة أمام الدولة الطرف في الصين.
وبقراءة سريعة على التقرير الذي نشرته صحيفة ذا نيويورك تايمز في 27 شباط/ فبراير الفائت، يبدو واضحاً اصرار باباج تقديم الصين على انها خطر موصوف تهدد الولايات المتحدة وقد باتت تمتلك من القوة ما تستطيع به ان تغير موازين القوى القائم خلال فترة وجيزة على ضوء التقدم الذي حققته بكين. حيث اعتبر التقرير ان السيناريو العسكري وحده مخيف: من المحتمل أن تشن الصين هجوماً جوياً وبحرياً وسيبرانياً خاطفاً للسيطرة على أهداف استراتيجية رئيسية في تايوان في غضون ساعات، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة وحلفاؤها.
تايوان أكبر بقليل من ولاية ماريلاند. إذا كنت تتذكر مدى سرعة سقوط أفغانستان وكابول في أيدي طالبان في عام 2021، فستبدأ في إدراك أن السيطرة على تايوان يمكن أن يحدث بسرعة نسبيًا. اذ تمتلك الصين أيضًا أكثر من 1350 صاروخًا باليستيًا وصواريخ كروز تستعد لضرب القوات الأمريكية والقوات المتحالفة في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين والأراضي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ. ثم هناك الصعوبة المطلقة التي قد تواجهها الولايات المتحدة في شن حرب على بعد آلاف الأميال عبر المحيط الهادئ ضد خصم لديه أكبر قوة بحرية في العالم وأكبر قوة جوية في آسيا. بحسب رؤية باباج.
ثمة من يقول ان القادة العسكريين الأميركيين يفضلون خوض حرب تقليدية. لكن الصين مستعدة لشن نوع أوسع بكثير من الحروب التي قد تصل إلى عمق المجتمع الأميركي.
على مدى العقد الماضي، نظرت الصين بشكل متزايد إلى الولايات المتحدة باعتبارها غارقة في أزمات سياسية واجتماعية. شي جين بينغ، الذي يفضل دائما أن يقول إن “الشرق ينهض بينما الغرب آخذ في التراجع”، من الواضح أنه يشعر بأن أكبر نقاط ضعف الولايات المتحدة تكمن في جبهتها الداخلية. ويعتقد باباج، أن الصين مستعدة لتوظيف ذلك من خلال حملة متعددة الجوانب لتقسيم الأمريكيين وتقويض واستنفاد إرادتهم للانخراط في صراع طويل الأمد. وهو ما يسميه الجيش الصيني تفكك العدو.
ولا تأتي هذه السردية ضمن فلك الدعاية الاعلامية لمحاولة التأثير على الرأي العام المحلي والعالمي. بل ان الانقسام داخل المجتمع الأميركي غير محدود بالملفات السياسية وصراعات النفوذ بين الحزبين اللذين يتاجران بالقضايا التي تهم الأميركيين كالاجهاض والتعليم والمهاجرين… بل ان هناك أصوات مطالبة بعدم اعتبار الصين كتهديد وجودي للولايات المتحدة لما سيترتب على ذلك من تبعات. وقد برز ذلك خلال جلسة الاحاطة بشأن الصين في مجلس النواب الأميركي، في 28 شباط/ فبراير الفائت، حيث دخل متظاهرون إلى القاعة يرفعون شعار “الصين ليست عدواً”.