كيف تُصحَّح سقطة وزير الخارجية؟
جريدة البناء اللبنانية-
أحمد بهجة:
كان الأقدمون في لبنان يردّدون مثلاً معبّراً حين يسمعون عن الحروب والنزاعات الكبيرة، كانوا يقولون: «عند اختلاف الدول إحفظ رأسك».
لكن وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب، الذي كان يُعتبر خبيراً ودبلوماسياً محترفاً، سقط في الامتحان ولم يفعل ما قاله أولئك الأقدمون الذين تكوّنت خبراتهم بالفطرة وبنتيجة التجارب الكثيرة المؤلمة والمريرة التي مرّت عليهم.
لم يتبع بو حبيب تلك الحكمة، بل خالفها وأصدر بيانه المشبوه ضدّ روسيا بدفع من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المدفوع بدوره من سفيرة الولايات المتحدة في لبنان دوروثي شيا.
وإذا كانت المصالح الخاصة المعروفة للرئيس ميقاتي تجعله أسيراً لثروته وأسهمه وأرصدته الخارجية، وتسهّل عملية الضغط عليه لإصدار مواقف غبّ الطلب، فإنّ السؤال هو عن الوزير بو حبيب الذي خالف توجهات الذين أتوا به إلى الوزارة، أيّ رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، فهل هي لوثة الرئاسة إياها والتوهّم بأنّ مراضاة أميركا قد تجعله يوماً ما رئيساً للجمهورية؟
الأكيد أنّ هذا التوهّم هو في غير محله، لأنّ بو حبيب يجب أن يعرف قبل غيره أنّ الزمن تغيّر وأنّ الولايات المتحدة لم تعد هي الآمر الناهي في هذا العالم، وها هي تتخلى عن كلّ الذين خدموها، والأدلة على ذلك ممتدة من فلسطين ولبنان وسورية والعراق إلى اليمن وأفغانستان وكازاخستان وجورجيا، واليوم أوكرانيا وغداً…؟ هذا فضلاً عن صعود لافت لكلّ من روسيا والصين وإيران على مسرح السياسة الدولية والتأثير المباشر لهذا المحور الناهض على مختلف قضايا العالم…
أمام هذه الوقائع لا بدّ من طرح السؤال: أيّ مصلحة للبنان في إصدار بيان كالذي صدر عن وزير الخارجية؟ وما شأن لبنان لكي يكون له موقف سلبي أو إيجابي مع أو ضدّ؟ وهل سمع الوزير أيّ موقف مشابه من الدول العربية الأخرى حتى تلك الدائرة مثله في فلك أميركا؟
وإزاء الضرر الكبير الذي لحق بمصالح لبنان العليا، هل يجوز أن يبقى وزير الخارجية في منصبه بعد هذه السقطة التي لا تُغتفر؟ الأجدى أن يصحّح الوزير فِعلته بالاستقالة، كما فعل قبله وزراء لم يخطئوا لكنهم استقالوا حفظاً لمصالح لبنان، فكيف الحال مع بو حبيب الذي ارتكب الخطيئة الكبرى؟
وإذا كان الوزير ليس وحده المسؤول عن هذه الخطيئة، فلا بأس أن يستقيل معه كلّ مَن شاركه في ارتكابها، مهما كانت درجة مسؤوليته، لأنّ المسألة لا تتعلق بسجال داخلي بشأن الكهرباء مثلاً ولا بتمريكات على بعضنا البعض في قضايانا المتداولة في ما بيننا، بل هي مسألة استراتيجية، حيث تُرسم خرائط العالم من جديد، ويُعاد النظر في توازناته بدقة متناهية، ومن الضروري أن يكون المسؤولون عندنا على درجة من الوعي والمعرفة، حتى يقرأوا المشهد كما يجب، وأيضاً أن لا يكونوا من أصحاب المصالح الخاصة والضيّقة، حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات الصحيحة التي من شأنها أن تحفظ رأسنا في زمن اختلاف الدول…