كيف تحولت امريكا من “الهيمنة” إلى “المنافسة”؟
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
هناك مستجدات تتخطى نطاق الأحداث لتصل الى نطاق التوازنات والحقائق السياسية الجديدة والتي ينبغي بلورتها ووضعها في عناوين كبرى كي تتمكن الجماهير سواء جماهير المقاومة أو غيرها من الجماهير، من التعاطي مع الأحداث بشكل دقيق وملائم لجوهرها وحقيقتها.
وهذه العناوين الجديدة، شكلت المقاومة محورا لها، بحيث تشكلت الحقائق إما نتيجة لصمود المقاومة وصدها للهجوم والعدوان، وإما لمبادرتها وشجاعتها وجرأتها في فرض معادلات جديدة وقواعد اشتباك عسكرية وسياسية واقتصادية على حد سواء.
وهنا يمكننا رصد هذه المستجدات وصياغة عناوينها مع شرح توضيحي مختصر، كما يلي:
العنوان الأول: تحولت أمريكا من موقع الهيمنة على المنطقة ولبنان إلى موقع المنافسة ومحاولة اقتسام النفوذ
لا شك أن المسار الجديد الذي دشنته المقاومة والمتمثل في كسر الحصار واستجلاب سفن الوقود من ايران، كان بمثابة ضربة كبرى لمشروع الهيمنة الأمريكي.
ومسارعة السفيرة الأمريكية للاعلان عن سماح الولايات المتحدة باستئناف مشروع خط الغاز العربي لإدخال الغاز والكهرباء الى لبنان، لم يكن ردًا على مجرد سفينة للمازوت جلبتها المقاومة، لأن مشروع خط الغاز العربي هو مشروع استراتيجي كبير، ويتطلب استئنافه وقتًا كبيرًا قد يصل لعدة شهور تقترب أو تزيد عن العام، وفقًا للميزانيات وحالة الخطوط المتضررة من الحرب في سوريا:
1- خطوة المقاومة لم تكن استجلاب مجرد سفينة، وانما تدشين مسار اقتصادي استراتيجي مقاوم للحصار والمذلة والهيمنة.
2- امريكا لا تستطيع منع الخطوة وبالتالي انتقلت لمنافستها عبر مشروع تتصور انه بديل، وهو ما يدل على الانتقال من الهيمنة للمنافسة ومحاولة اقتسام النفوذ!
وهنا وكما انتقلت امريكا من عرش القطب الأوحد للعالم الى قطب منافس في عالم متعدد الاقطاب، فهي انتقلت ايضا في المنطقة الى مجرد قطب منافس.
العنوان الثاني: تفتت التفوق الاسرائيلي عبر مطرقة الاعجاز والابداع المقاوم
قد شهد العدو الاسرائيلي ضربات نوعية اعجازية متعاقبة أكدت للجماهير وصف المقاومة الشهير للعدو بأنه “أوهن من بيت العنكبوت”، وأزالت الحواجز النفسية التي حاول العدو وضعها عبر دعاياته والتي ساعده بها خنوع الأنظمة وبعض النخب.
ولا شك ان انتصارات المقاومة في لبنان كانت تدشينا لهذا التفتت، ثم ألهمت انتصارات المقاومة في لبنان كل حركات المقاومة وهو ما تم تتويجه في عملية “سيف القدس” وما الحقته بالعدو من خسائر على مستوى دفاعاته وقبته الوهمية بوصول الصواريخ البدائية للعمق، وترك قوس التساؤل مفتوحا حول ما يمكن ان تفعله الصواريخ الدقيقة!
الا أن العمليات الفردية الملهمة والاعجازية كان لها وقع كبير في تعميق الأمل وتسريع وتيرة الايمان بقرب التحرير، وتأتي على رأس هذه العمليات، مشهد البطل الفلسطيني الذي أطلق النار على القناص الصهيوني من كوة في الجدار، والذي قال السيد نصر الله إنه مشهد تاريخي، ثم توجت بالعملية الاعجازية لستة من الأبطال الأسرى والذين نجحوا في الإفلات من الأسر في عملية النفق التي أدهشت العالم وقلبت كيان العدو رأسا على عقب.
ولا يقلل أبدا من حجم البطولة ووقع ما حدث من القاء للقبض على أربعة من أبطال العملية، فقد دخلوا التاريخ وكتبوا سطرًا جديدًا من سطور فضيحة العدو وأساطيره الكاذبة ودعاياته الفارغة، ولا شك أن هذه الابداعات والبطولات الفريدة تساعد على تفتيت التفوق الاسرائيلي في الامكانيات والأسلحة مضافًا اليهام التواطؤ الدولي والخيانات العربية.
العنوان الثالث: الانكشاف الاستراتيجي
قد اعلنت امريكا بأكثر من طريقة وفي أكثر من منبر، أنها لن تحارب نيابة عن أحد وأن على أتباعها عدم الاعتماد عليها في صراعاتهم بما يشكل حرجًا أو عبئًا أو توريطًا يخالف الأولويات الأمريكية الراهنة.
وهو ما يشكل تبعات استراتيجية خطيرة لدى أتباع أمريكا، تبدأ من الخلل في نظرية الأمن والتي اعتمدت كليًا على الدعم والحماية الأمريكية، مرورًا بالترتيبات الاقليمية ومستجداتها بعد هذا الانكشاف، ناهيك عن معارك تم فتحها ولم تغلق، وسياسات تم اتباعها ولم تعدل!
نحن اذًا أمام معطيات جديدة ومعادلات مستحدثة وتوازنات عصفت بقوانين اللعبة القديمة والتي شهدت حصارًا واستهدافًا للمقاومة، وهو ما يقود الى انتقال المقاومة ومحورها الى موقع المبادرة والتدشين العملي لمرحلة جديدة تشهد انطلاقًا تدريجيًا للوفاء بعهد المقاومة طرد أمريكا من المنطقة وزوال “اسرائيل”.