كيف تتأهّب أمريكا لعُقوباتٍ جديدة خانقة على لبنان كرَدٍّ على ناقلات الإنقاذ الإيرانية؟
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عبد الباري عطوان:
المثَل العربي يقول “لا راحِمنا.. ولا تارك رحمة الله تنزل علينا” ينطبق بالكامِل على الحُكومة الأمريكية وطريقة تعاطيها مع الأزمات اللبنانية، وخاصَّةً أزمة المحروقات، وانقِطاع التيار الكهربائي عن كلّ البِلاد طيلة الأشْهُر الأخيرة الماضية.
نيد برايس، المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، خرج علينا بالأمس بتَصريحٍ استفزازي ينطوي على الكثير من العَجرفة والغُرور قال فيه: إنّ وقوداً من بلدٍ خاضعٍ لعُقوباتٍ عديدة مِثل إيران ليس حَلّاً مُستداماً لأزمة الطّاقة في لبنان، هذه لعبة علاقات عامّة برأينا، وليس مُحاولة لإيجادِ حَلٍّ للمُشكلة.
إذا كان وصول ثلاث ناقلات نفط إيراني إلى ميناء طرطوس السوري، ونقلها بالصّهاريج إلى لبنان، بمُبادرةٍ من السيد حسن نصرالله زعيم “حزب الله” وتجاوب سريع من السّلطات الإيرانية، لا يشَكل حَلّاً مُستداماً، فما هو الحل الأمريكي يا سيد برايس؟ أن يموت الشّعب اللبناني من الجُوع والحرّ في الصيف، والجُوع والبرد في فصل الشّتاء القارِس المُقبل؟
السيد حسن نصرالله كان صادقاً كعادته دائماً عندما قال أثناء استِقباله لحسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني الجديد “إنّ ايران حليفٌ قوي لا يخذل حُلفاءه” في إشارةٍ واضحةٍ إلى الولايات المتحدة التي لم تَخذِل حُلفاءها في لبنان فقط، وإنّما كلّ الشّعب اللبناني عندما فرضت حِصاراً تجويعياً عليه لسنواتٍ سواءً بشَكلٍ مُباشر أو عبر بعض الأنظمة العربية، أدّى إلى انهِيارها اقتصادياً وإفلاسها مالياً، وتدميرها خدماتياً.
المُتحدّث “المفَوّه” برايس يصِف هذه “الفزعة” الإيرانية النفطية لإنقاذ الشّعب اللبناني من الجُوع والحَر والمَرض بإرسال ناقلات المحروقات إلى لبنان هي مُجرّد “حملة علاقات عامّة”، وربّما ينطوي توصيفه هذا على بعض الحقيقة، لكنّ السّؤال هو: لماذا لم تقم إدارته بحملة علاقات عامّة مُماثلة، وبلاده أمريكا هي التي اخترعت علم العلاقات العامّة، وأوّل من درسه كاختِصاصٍ أساسي في جامِعاتها؟
التّطبيق الأمريكي “العملي” لعلم العلاقات العامّة يتمثّل في الحِصارات الخانقة، والمُدمّرة للشّعوب، وعلى رأسها الشّعب اللبناني، وقبله السوري، والإيراني، والفِلسطيني، وتوظيفها لإشعال فتيل الحرب الأهلية، وإلا لماذا لم تُبادِر هي، أو حُلفاؤها في الخليج الفارسي إلى قطع الطّريق على هذه “الفزعة” الإيرانية، والمُبادرة بإرسال المحروقات إلى لبنان ودُون أي تمييز طائفي، وتكسب بذلك عُقول وقُلوب الشّعب اللبناني؟
السيد أمير عبد اللهيان الذي “حرث” لبنان طُولاً، وعرضاً، أثناء زيارته له، والتقى مُعظم قِياداته، ابتداءً من سماحة السيد نصرالله ومُروراً برئيس الوزراء وانتِهاءً برئيس الجمهورية، أعلن عن تعهّد بلاده بإنشاء معمَلين لتوليد الكهرباء، وإعمار مرفأ بيروت فوراً، إذا طلبت الحُكومة اللبنانية، وهذا أفضل عرض للحُلول “المستدامة” لأزمات لبنان التي يتحدّث عنها الخواجة برايس وحُكومته، فهل قدّم “الحليف” الأمريكي أي تعهّدات مُماثلة غير التّهديد بفرض عُقوبات إضافية لمُفاقمة الأزمات اللبنانية الخانقة؟
أمريكا تُهَدِّد بالمزيد من العُقوبات، وإيران تتعهّد باستِمرار وصول ناقلات المحروقات إلى لبنان، في كسر “مُزدوج” لهذه العُقوبات، الأوّل على سورية التي تخضع لقانون “قيصر” سيء الذّكر، والثّاني المَفروض على لبنان، ممّا يظهر الفرق بين الحليف الشّجاع الذي ينحاز إنسانياً للشّعب الفقير المعدَم المحاصَر المجَوَّع ويهرَع لتوفير مُتطلّباته الحياتية الأساسية، والحليف الآخَر الذي يريد خنقه بالأزَمات حتى يلفُظ أنفاسه الأخيرة.
فُوجِئنا، وربّما مِثل الكثيرين غيرنا، بتصريحات السيد نجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان التي أطلقها بعد لقائه بغبطة البطرك الماروني بشارة بطرس الراعي وقال فيها: السعودية قبلتي السياسية.. وقبلتي كمُسلم.. شُحنات النّفط الإيرانية تُشَكل انتِهاكاً لسِيادة لبنان.
نحن لا نُطالب السيد ميقاتي بأن يتخلّى عن قبلته السعودية، واتّخاذ طِهران قبله له، ما عاذَ الله، ولكنّنا نتمنّى على قبلته هذه السياسية والدينية، التي تُعتَبر أكبر مُصَدّر ومُنتج للنّفط في العالم، أن تُبادِر بإرسال شاحنة واحدة فقط إلى مرفأ بيروت أو طرابلس مُحمّلة بالوقود إلى الشّعب اللبناني، وفي هذه الحالة سنكون من المُصلّين الواقِفين في الصّف الأوّل خلف إمامته هذه، ومِن أعلى الأصوات الدّاعية لها بالأمان، والازدهار، وطُول العمر.