كواليس لعبة الدولار: المصرف المركزي والمضاربون الجدد
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
في ظل غياب الحلول أو حتى الأفق العملية لها، يواصل الدولار تحليقه في السوق السوداء ليصل كل مرة إلى أرقام قياسية جديدة حيث بلغ منذ عدة أيام رقم ٢٥٨٠٠ ليرة للدولار الواحد. ومن ثم عاد إلى تقلباته لينخفض تارة ومن ثم يرتفع تارة أخرى في إطار ممارسة لعبة المضاربة والصرافة لتحقيق أرباح كبيرة. وارتفاع الدولار بشكل مستمر لن يحقق لهؤلاء الأرباح المرجوة فربح المضاربين ومن وراءهم يأتي من التقلبات السريعة للدولار، وبالتأكيد هذه التقلبات ليست صدفة وإنما يتحكم بها صاحب الأمر وملك السوق السوداء من خلال ضخه لليرة في الأسواق لامتصاص السيولة النقدية بالدولار مما يرفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة ومن بعدها يعمد إلى ضخ جزء من الدولارات المسحوبة حتى يتم تخفيض سعره على أساس ارتفاع الطلب الوهمي على الليرة، فينخفض السعر بنسبة معينة ليعود أصحاب اللعبة لشراء ما باعوه بأضعاف مضاعفة على السعر الأدنى. اذًا، هي لعبة الدولار والمضاربة تتحكم برقاب الناس في مستوى محدد من سعر صرف الدولار وتقدر هذه النسبة بما بين ٤ و٥ آلاف ليرة حاليًا.
١- المصرف المركزي والمضاربين الجدد
كنا قد فصلنا سابقًا دور ومسؤولية مصرف لبنان في عملية التفلت النقدي المقصودة والممنهجة لإطفاء الخسائر لذلك يُدخل المركزي كل مرة لاعبين جددًا إلى ميدان المضاربة لخدمة مصالحه. وهذه المرة أدخل شركات تحويل الأموال omt بعد عقده لاتفاق معها على سحب الدولار مسلحة بكميات هائلة من الليرة اللبنانية يقدمها لها المصرف المركزي لتتكمن من المضاربة بكميات كبيرة لسحب الدولار في كل مرة حسب سعر محدد مما مكنها من سحب ما يقارب ٥ ملايين دولار يوميًا على كامل الأراضي اللبنانية لتساهم وحدها في رفع سعر الدولار بين ٢ الى ٣ الاف ليرة للدولار الواحد.
اللاعب الآخر هو جمعية المصارف متمثلة بالمصارف التجارية حيث سمح لها المركزي بالتدخل لسحب ما تحتاجه من دولارات من تحويلات الزبائن والنسبة الكبيرة من السوق السوداء مما ساهم أيضًا في رفع سعر صرف الدولار، وكذلك اجبار المصرف المركزي أصحاب المحطات على دفع ١٠ بالمئة من ثمن صفيحة البنزين بالدولار ليساهم ذلك أيضًا بدخول مضارب آخر جديد إلى السوق الموازية.
كل هذه العوامل الأخيرة ساهمت في تفلت سعر صرف الدولار من ٢٠ الف الى ما يقارب الـ ٢٦ الف ليرة واذا استمرت من دون ضوابط من الممكن أن تساهم في مزيد من التدهور والمضاربة على سعر صرف الليرة اللبنانية.
وهنا لا يمكننا أن نهمل الحديث عن الواقع السياسي ولكن الواضح اليوم أن التأثير السياسي أصبح قليلًا جدًا على سعر الدولار، لأن التفلت النقدي الحاصل أصبح بعد كل هذه الأزمة مرتبطًا بالتدهور النقدي والاقتصادي والمالي ومرتبط بعوامل المضاربة النقدية في الأسواق التي خلقها مصرف لبنان بشكل ممنهج.
٢- ارتفاع الدولار يرفع سعر المحروقات مما ينعكس كوارث معيشية على المواطن
كلما ارتفع سعر الدولار كلما ارتفع الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية مع تحليق أسبوعي في أسعار المحروقات على الرغم من تراجع نسبي في أسعار النفط عالمياً في المرحلة الحالية.
بفعل التضخم المالي الجامح الذي وصل الى أرقام قياسية على الصعيد العالمي تحولت الطبقة الوسطى في لبنان إلى طبقة فقيرة.
الفقراء اليوم أضف اليهم أصحاب الدخل المتوسط وكل من يتقاضى راتب بالليرة اللبنانية أصبحوا في خطر معيشي حقيقي بفعل تفلت أسعار السلع والمحروقات وتحليق الدولار فرواتبهم لا تكفيهم ١٠ أيام اذا قمنا بحسبة بسيطة لتكاليف الحياة في لبنان بحدها الأدنى وفقًا لما يلي:
١- السلة الغذائية تتراوح بين ٣٥٠٠٠٠٠ ليرة و ٤٠٠٠٠٠٠ ليرة شهريًا كمعدل وسطي.
٢- ايجار منزل مليونا ليرة كمعدل وسطي.
٣- فاتورة مولد كهربائي ١٢٠٠٠٠٠ ليرة كحد ادنى.
٤- فاتورة دواء عادية لا تقل عن ٦٠٠ الف ليرة شهريا وقد تصل إلى ٣ ملايين ليرة حسب طبيعة المريض في كل عائلة.
٥- قسط مدرسي للولد الواحد ٦٠٠ الف ليرة شهرياً كمعدل وسطي.
٦- فاتورة النقل لتلميذ واحد ٤٠٠ الف شهرياً كمعدل وسطي.
7 – مصروف مدرسي لتلميذ واحد ٣٠٠ الف ليرة كمعدل وسطي.
واذا أضفنا إلى هذه الأرقام بعض المصاريف الضرورية الأخرى فيتبين لنا حجم الكارثة التي يعيش فيها معظم اللبنانيين بفعل هذا الانهيار النقدي والتدهور الحاصل في سعر الدولار. وفي ظل عدم قدرة الدولة على تصحيح الأجور لا يمكن أن يستمر سعر صرف الدولار بتحليقه المستمر بل يمكن ضبطه إلى حدود معقولة مع إعطاء بطاقة تموينية وليست تمويلية تمكن أصحاب الحاجه من استعمالها في عدة مجالات كالبنزين والدواء وغيرهما وتكون مضبوطة بمنصة حقيقية تتأكد من وصول الدعم الى محتاجيه.