كم تبلغ تكاليف المعيشة الشهرية للأسرة اللبنانية؟
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
تُحاصر الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية لبنان الذي بات ساكنوه يعيشون من قلّة الموت. الأزمة التي صُنّفت عام 2021 -وفق البنك الدولي- كإحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم تتفاقم يومًا بعد يوم. دائرة الفقر تتوسّع و70 بالمئة من العائلات اللبنانية باتت تحتاج مساعدة للاستمرار. الكثير الكثير من المتطلبات والكماليات شُطبت من قاموس كثر حتى باتت المعيشة تقتصر على الأساسيات الملحّة. القدرة الشرائية تراجعت ما يفوق الـ90 بالمئة ما رفع كلفة المعيشة نحو 800 بالمئة، وفق ما يؤكّد لموقع “العهد” الإخباري الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين.
يُجري شمس الدين جردة حساب بسيطة تُبيّن المستوى الذي ارتفعت فيه تكلفة المعيشة. وفق حساباته، تحتاج أي أسرة مكوّنة من أربعة أشخاص -أي متوسط عدد أفراد الأسرة اللبنانية- الى نحو 23 مليون ليرة شهريًا كحد أدنى للعيش في ضوء ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية لغالبية الشعب اللبناني. طبعًا هذا الرقم يصلح لحياة بعيدة كل البعد عن الرفاهية.
وفي التفاصيل، تذهب الكلفة الأكبر -وفق شمس الدين- الى السلّة الغذائية التي تسجّل 8 ملايين ليرة شهريًا، تليها تكلفة السكن. هنا يشير شمس الدين الى أنّ وضع رب الأسرة يكون مريحًا في حال كان مالكًا للمنزل الذي يقطن فيه، أما اذا كان مستأجرًا فهو بحاجة بالحد الأدنى الأدنى الى مليوني ليرة في القرية وما بين 5 الى 10 ملايين ليرة في المدينة. كما يحتاج المعيل الى مليوني ليرة بدل فاتورة اشتراك مولّد كاستهلاك متدنٍّ جدًا، ومليون ليرة للمواصلات، فضلًا عن مليوني ليرة بالحد الأدنى بدل تعليم لتلميذين، ومليون ليرة للألبسة والأحذية. مجموع الكلفة يصبح 14 مليونًا ما عدا تكلفة السكن التي قد تصل الى حدود التسعة ملايين لتصبح الكلفة 23 مليون ليرة لتأمين حياة عادية بالحد الأدنى بعيدًا عن رفاهية العيش.
ويشير شمس الدين الى أنّ التكاليف الأخرى قد ترتفع حسب كل عائلة. فقد تصل تكلفة السلة الغذائية الى 20 مليونا اذا ما أضيفت اليها اللحوم والخضار والفواكه. وتكلفة السكن قد تصل الى حد الـ20 مليونا خصوصًا أن العديد من المالكين باتوا يطلبون “الفريش دولار” من المستأجر. كما أن فاتورة الكهرباء قد ترتفع مع ارتفاع التعرفة الرسمية لكهرباء الدولة، وكذلك المواصلات مع ارتفاع أسعار المحروقات.
يؤكّد شمس الدين أنّ كلفة المعيشة حكمًا سترتفع في القادم من الأيام مع ارتفاع الدولار الجمركي وارتفاع الأسعار. يوضح أنّ أكثر من 70 بالمئة من اللبنانيين لا يتعدى دخلهم الكلفة المذكورة (23 مليونا)، وعليه فإنّ 70 بالمئة من اللبنانيين بحاجة الى مساعدة لمواجهة أعباء الحياة.
ولا يخفي شمس الدين أنّه وفي خضم الواقع الحالي، ثمّة سؤال نردده جميعًا: كيف تستمر الأسر وسط الغلاء الفاحش؟ ومن أين تأتي بالأموال لتؤمّن حاجاتها؟! يوضح أن ثمة أسرًا كثيرة تخلّت عن الكماليات، كما جرى بيع الكثير من الممتلكات كالذهب، فيما يعتمد جزء من الأسر على “حوالات” الخارج، اذ ثمة حوالى مليون شخص يتلقون تحويلات من الخارج من أقارب لهم، فضلًا عن أنّ البعض لديه أعمال خاصة والبعض يعمل في مؤسسات ويحصّل راتبه أو جزءًا منه بالدولار.
وحول الزحمة التي تشهدها المطاعم والفنادق، يوضح شمس الدين أنّ الاقتصاد في تراجع وثمّة إغلاق لجزء كبير من المؤسسات، الأمر الذي جعل الضغط يتوزّع على الموجود ما جعل الصورة تظهر على هذا النحو من الازدحام في الأماكن التي تعد من الكماليات. وفق شمس الدين، صحيح أن نسبة الإشغال في الفنادق مرتفعة لكن ثمّة إغلاق لحوالى 13 فندقًا من الفنادق الكبيرة في لبنان، وعليه توزّع الضغط على الفنادق المتبقية. تمامًا كما هو الحال بالنسبة للمطاعم، حيث إنّ إقفال جزء كبير منها دفع الرواد الى التوجه الى الجزء المتبقي ما سبّب ضغطًا عليه.
الأسمر: لرفع الرواتب الى حد الـ20 مليون ليرة
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ الاتحاد العمالي أجرى دراسة حول ما يجب أن تكون عليه الرواتب محتسبًا كلفة المعيشة وفق سعر صرف 37 ألف ليرة، فتبيّن أنّ راتب العامل يجب أن لا يقل عن 20 مليون ليرة. أما اليوم وفي ظل التلاعب الحاصل بسعر صرف الدولار فإن الراتب يجب أن يتراوح -وفق تقديرنا- ما بين الـ20 والـ25 مليون ليرة ليغطّي كلفة المعيشة اذا ما استثينا السكن أو ما اذا كان الدفع وفقًا للايجار القديم.
وعليه، يشدّد الأسمر على أنّ الاتحاد باشر تحركاته لإعادة النظر بالرواتب وطرحنا رقم الـ20 مليونا رغم علمنا المسبق أنّ هذا الرقم صعب التحقيق. وفق الأسمر يتذرّع فريق أصحاب العمل بالتضخم وإفلاس المؤسسات. لا مشكلة بالنسبة لهم في دفع المواطن 850 ألف بدل صفيحة البنزين وبدل السلع الاستهلاكية المسعّرة اعتباطيًا، لكن عندما يصل الأمر لحقوق العامل يصبح الحديث عن التضخم سيّد الموقف.
ويلفت الأسمر الى أننا طالبنا الدولة التي هي أول صاحب عمل برقم العشرين مليون ليرة لعمال القطاع العام وتوصلنا الى مضاعفة الرواتب ثلاث مرات لكن حتى الآن لم تأخذ هذه الزيادة طريقها الى التنفيذ بانتظار التطبيق، أما في القطاع الخاص فعقدت لجنة المؤشر عدة اجتماعات وطالبنا بهذا الأمر بانتظار استكمال الاجتماعات للوصول الى نتيجة.
ولا يخفي الأسمر أنّنا أمام واقع مزرٍ. الدولة تلجأ الى طبع العملة للقيام بواجباتها. أما في القطاع الخاص، فجزء من الهيئات الاقتصادية مفلس وآخر يعاني أوضاعًا اقتصادية صعبة خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. أما الصناعيون الكبار والمؤسسات التجارية الكبيرة و”المولات” وأصحابات الصناعات الغذائية والدوائية فكل هؤلاء يجنون أموالًا بالدولار، وعليه، نعمل على المواءمة بين كل هذه الجهات لإعطاء العامل اللبناني راتبًا مقبولًا بعيدًا عن إصدار مراسيم غير قابلة للتنفيذ لأن الزيادات التي طرأت مؤخرًا لم تأخذ طريقها للتنفيذ في الكثير من الأماكن، وكذلك الحال بالنسبة لزيادة بدل النقل الذي لم ينفذ، ما دفعنا الى العمل على مسألة الضمان لتأمين ضمانة للعامل اللبناني.
ويلفت الأسمر الى أننا ولكي نعوّض على العامل النقص الحاصل في الرواتب عملنا على سلة تتضمن (غلاء المعيشة، بدل النقل، التعويضات العائلية، المنح المدرسية، وتحويل تعويض نهاية الخدمة الى معاش تقاعدي). وهنا يلفت الأسمر الى أنّ الأمور تسير نحو الحلحلة في ثلاث قضايا (بدل النقل، زيادة التعويضات العائلية التي جرى إقرار مضاعفتها أمس الخميس ثلاث مرات بطلب من الاتحاد، والمنح المدرسية) لتبقى المشكلة عالقة لناحية بدل غلاء المعيشة وتحويل تعويض نهاية الخدمة الى معاش تقاعدي، على أمل أن تسلك هاتان النقطتان طريقهما نحو الحل قريبًا للتعويض على العامل اذا لم يتمكن من الحصول على راتب الـ 20 مليون ليرة، يختم الأسمر.
الشؤون الاجتماعية: ليس باليد حيلة
أمام هذا الواقع تتجه الأنظار الى وزارة الشؤون الاجتماعية والدور الذي تلعبه لمساعدة العائلات المحتاجة. مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية تلفت في حديث لموقعنا الى أنّه يغيب الدور البارز للوزارة في هذا الصدد بسبب نقص التمويل. ثمّة 25 بالمئة من الأسر ترزح تحت خط الفقر فيما ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية ضئيلة والمساعدات التي تصل اليها ليست بالقدر الكافي.
وعما تقوم به من مبادرات، تستحضر المصادر في هذا الصدد المساعي التي بذلت في برنامج الأسر الأكثر فقرًا الذي يستهدف 75 ألف أسرة، تتلقى كل واحدة منها مبلغ ما بين 90 الى 145 دولارًا شهريًا. وتلفت الى أنّ ثمّة مشروعًا جديدًا يجري العمل عليه يستهدف المعوقين ما بين 18 الى 28 سنة سيستفيد منه 14 ألف معوق لبناني.
في ختام حديثها، تلفت المصادر الى أن المبادرات في هذا الصدد قد تكون “خجولة” فأوضاع المواطنين مزرية، لكن ليس باليد حيلة.