كتالونيا تواصل مسيرة التحدي الانفصالية في أجواء من التوتر باسبانيا
وكالة الأنباء الكويتية ـ
مدريد ـ من هنادي وطفة:
تعيش اسبانيا خلال هذه الفترة أجواء من الترقب والتوتر بعدما أعلن زعيم إقليم (كتالونيا) أرتور ماس اليوم عزمه المضي قدما باجراء الاستفتاء الشعبي على انفصال الإقليم عن اسبانيا عبر خطة بديلة بعد اعلان المحكمة الدستورية تعليقها قانون الاستفتاء.
ويأتي ذلك بعد ان كانت تقارير إعلامية قالت امس بان حكومة (كتالونيا) تعتزم الغاء الاستفتاء العام حول الانفصال عن إسبانيا والذي كان من المزمع إجراؤه في التاسع من شهر نوفمبر المقبل والبحث عن آليات بديلة ليتمكن الشعب الكتالوني من التصويت على مستقبله السياسي.
وقال وزير العدل الاسباني رافائيل كاتالا في تصريح صحفي اليوم ردا على ذلك القرار ان الحكومة الاسبانية ستطعن بذلك الاجراء البديل لدى المحكمة الدستورية في حال لم يتم تغيير صيغة الأسئلة التي ستطرح في “الاستفتاء البديل” مشيرا إلى ان الأسئلة بصيغتها الحالية لا تدخل ضمن صلاحيات الأقاليم ذلك الحكم المستقل.
وكان رئيس (كتالونيا) زعيم حزب الاتحاد والتقارب أرتور ماس أعلن العام الماضي عزمه اجراء استفتاء شعبي بشأن استقلال الاقليم عن اسبانيا في التاسع من شهر نوفمبر المقبل بطرح سؤالين هما “هل تريد ان تكون كاتالونيا دولة؟” وفي حال تم الاجابة بنعم يتم الاجابة عن السؤال الثاني “هل تريد ان تكون تلك الدولة مستقلة؟” في خطوة أثارت رفض واستهجان حكومة مدريد. وكانت تقارير إخبارية نشرت الليلة الماضية أفادت بأن زعيم كتالونيا سيقلع عن فكرة تنظيم الاستفتاء الشعبي في ضوء عدم شرعيته الدستورية ما دفع برئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي بالترحيب بتلك الفكرة قبل ان يطرح ماس خطته البديلة اليوم التي تواصل مسيرة التحدي للحكومة المركزية.
وقد أيدت اكثر من 800 بلدية في إقليم (كتالونيا) من أصل 947 أيدت الأسبوع الماضي اجراء الاستفتاء الشعبي لتقرير مصير الإقليم وذلك بعد ان كان أرتور ماس عين لجنة من سبعة مسؤولين للاشراف على التصويت وذلك رغم تعليق المحكمة الدستورية لقانون الاستفتاء. وليست مطالب الانفصال في (كتالونيا) بالجديدة غير انها اكتسبت زخما كبيرا منذ عام 2012 عندما فازت الأحزاب المؤيدة للاستقلال عن اسبانيا بشكل واضح في الانتخابات البرلمانية المحلية في وقت كانت تتجاوز فيها اسبانيا آثار أزمة اقتصادية غير مسبوقة. وساهمت تلك الأزمة المالية في تعزيز الشرخ بين (كتالونيا) واسبانيا في ضوء ارتفاع ديون الإقليم ومطالبة حكومة مدريد له بالحد منها ورفض رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي توقيع اتفاق ضريبي جديد يضمن للاقليم حق التصرف بعائدات الضرائب لمواجهة أزمة ديونه كما هو الحال في إقليم الباسك.
واتخذت تلك المطالب حلة رسمية في العام الماضي عندما أعلن رئيس حكومة (كتالونيا) زعيم حزب (الاتحاد والتقارب) عزمه اجراء استفتاء شعبي على استقلال الإقليم في شهر نوفمبر المقبل لتبدأ مع ذلك سلسلة من الأخذ والرد بين حكومة الإقليم وحكومة مدريد الرافضة بشكل قاطع للاستفتاء والتي اعتبرته انتهاكا واضحا للدستورية الاسبانية لسيادة إسبانيا.
ورغم ذلك فقد آثر أرتور ماس والأحزاب المؤيدة له الاستمرار قدما في تنظيم الاستفتاء رغم تعليق المحكمة الدستورية لقانون الاستفتاء عقب طعن قدمته الحكومة الاسبانية وذلك لمدة ستة أشهر على الأقل قابلة للتمديد كإجراء احترازي لدراسة القضية. ويرتكز الإقليم في مطالبه بالانفصال عن اسبانيا على اعتبارات عدة من أهمها الاقتصادية والثقافية والتاريخية في إشارة إلى تاريخ التنازع الطويل بين اسبانيا والاقليم من مئات السنين وبشكل خاص خلال فترة حكم الديكتاتور الجنرال فرانكو (1936-1975) الذي أعدم الالاف من أبناء كتالونيا ومن رموزها وقادتها السياسيين الذي دافعوا عن استقلال الإقليم.
وتعد (كتالونيا) أكبر إقليم ذات حكم مستقل يساهم في تمويل الدولة الاسبانية حيث يسهم وهو الذي يعد من أهم المناطق الصناعية في البلاد بنحو 8ر18 في المئة من الناتج القومي المحلي فيما يبلغ عدد سكانه 5ر7 مليون نسمة أي ما يمثل 16 في المئة من عدد السكان في اسبانيا وذلك في المركز الثاني بعد (الأندلس) التي يقطنها 18 في المئة من عدد السكان في البلاد وتسهم رغم ذلك بنسبة 13 في المئة بالناتج القومي المحلي.
وتعتبر مدينة (برشلونة) عاصمة الإقليم من أهم الموانئ الاسبانية على البحر الأبيض المتوسط ونقطة اتصال مهم مع العالم الخارجي اذ ينافس مطارها الدولي مطار العاصمة مدريد من حيث عدد المستخدمين بشكل متواصل في الفترة الأخيرة. ويستقطب الإقليم (كتالونيا) أكبر عدد من السياح الوافدين إلى اسبانيا سنويا ويشكل مرجعية ثقافية ورياضية مهمة حيث كانت (برشلونة) استضافت الألعاب الأولمبية في عام 1992 وهو الأمر الذي ساهم في إشهارها دوليا لتكتسب لاحقا مكانة ثقافية متميزة على الصعيد العالمي. وتقارن مساحة الإقليم بمساحة دول أوروبية أخرى مثل بلجيكا فيما يحتل معدل الدخل الفردي فيها المرتبة السابعة مقارنة ببقية البلدان في الاتحاد الأوروبي. يضاف إلى ذلك الاعتبارات التاريخية والثقافية واللغوية التي تشكل بدورها هاجسا لدى مؤيدي الانفصال عن اسبانيا لاسيما ان الإقليم يتمتع بلغة خاصة تكسبه هوية فريدة هي (الكتالانية) والتي تعد إحدى اللغات الرسمية الأربع المتداولة في اسبانيا.
ورغم ان الناتج القومي المحلي للاقليم والذي بلغ 194 مليار يورو في العام 2013 يعد من أهم العوامل المساندة للمطالب الانفصالية إلا ان بعض المحللين يرون ان (كتالونيا) قد تعاني من عقبات اقتصادية مهمة في حال انفصالها لاسيما بسبب هجرة عدد من الشركات والمصانع على اسبانيا لخروجها من منطقة اليورو وحرمانها من المساعدات الأوروبية.
وتخشى اسبانيا تأييد إقامة الاستفتاء الشعبي في (كتالونيا) لأن ذلك من شأنه إثارة مطالب إقليم (بلاد الباسك) الشمالي بانفصاله أيضا وهو الأمر الذي سيؤثر على فرنسا حيث ان الإقليم يمتد على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع قاطعا الحدود الغربية بين فرنسا واسبانيا في وقت قد يثير ذلك أيضا مطالب بالانفصال في شمالي إيطاليا أيضا. وتستمر تداعيات الإعلان عن الاستفتاء الشعبي قبل 25 يوما من الموعد المحدد لاجراء الاستفتاء على شكل “مشاركة شعبية” في مسلسل من التحدي بين (كتالونيا) وحكومة مدريد.