كتاب: هل ما جرى ويجري في سورية (ثورة) أم (مؤامرة)؟ (الحلقة الرابعة)
كتاب: هل ما جرى ويجري في سورية (ثورة) أم (مؤامرة)؟
(صباح الخير يا عاصمة الأمويين.. صباح الخير يا عاصمة الحمدانيين.. صباح الخير يا بلاد الشام.. صباح الخير يا وطني العربي الكبير).
من تأليف سعادة سفير الجمهورية العربية السورية في العاصمة الأردنية عمان اللواء الدكتور بهجت سليمان…
الحلقة الرابعة
-1-
(مبادرة قطريّة)!!!!.. ماشاء الله ..أولاً: متى كان لـ(قطر) مبادرة؟! كل ما جرى أو يجري أو يمكن أن يجري تسويقه على أنّه مبادرة قطريّة، لا يعدو كونه مبادرة (صهيو_أمريكية) تُكلّف قطر بتقديمها وتسويقها.. ولكنّ الأهم أنّ أصحاب هذه المبادرة، يريدون أن يحقّقوا بالدبلوماسيّة، ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب الكونيّة التي لازالت رحاها دائرة على سوريّة، لا بل أسوأ… إنّهم يريدون (محاصصة طائفيّة) على غرار لبنان (1943) ومازال، وعلى غرار عراق (بريمر) بعد الـ (2003) والتي يسمّونها (ديمقراطيّة توافقيّة) تُوزّع مفاصل الدّولة على أساس طائفي ومذهبي.. وهذه العمليّة تفخّخ الدولة وتضع الأسس الملغومة والمسمومة لتراكم الاحتقانات الطائفيّة والمذهبيّة بحيث تنفجر كل عقدٍ أو عقدين من الزمن، بما يؤدي إلى قيام حرب أهليّة داخل الوطن، تَقتل مئات آلاف المواطنين.. أليس هذا ما يسعى إليه الآن، المحور الصهيو_أمريكي وأذنابه ؟؟ ولأنه فشل فيه، فهو يريد تحقيقه بمبادرات خبيثة وسرطانيّة مثل (مبادرة قطر)، لتحقق أغراضها ولو بعد عقد أو عقدين من الزمن ؟!…
-2-
من الصعب جداً، على أيّ مثقف، أن يكون مع السلطة، إلا إذا كان جزءاً منها.. لأنّ شبق المثقف للسلطة (مهما ادّعى العكس وتصنّع الزهد)، تجعله ينتهز أيّ فرصة أمامه، للمشاركة في تحطيم أيّ سلطة – بغضّ النظر عن ماهيّتها، سلبية كانت أم إيجابية – طمعاً منه في أن يكون جزءاً عضوياً من السلطة الجديدة.. والمثقف لا يريد أن يحكمه أحد، لأنه فوضوي بطبعه، بل يريد أن يتحكّم هو بالآخرين، بحكم نرجسيته، مع تغليف هذه النرجسية، بكلمات سامية ومبدئية وإنسانية وأخلاقية وغيرية، واستخدامها ديكوراً تجميلياً، لنزعة الشبق والنرجسية والتحكم، المتأصّلة لديه، وكل مثقف فعلي، يحمل في داخله (روبسبيير) أي – جلاداً، وضحية، في آن واحد – ويظهر على حقيقته، عندما يستحوذ على السلطة. أمّا أنصاف المثقفين وأرباعهم وأشباههم – وهم الأكثرية في الربوع العربية – (وهم واجهة المليشيات السورية المسلّحة المقيمة في الخارج من أمثال (غليون) و (ميشيل كيلو) وأشباههم).. ولو كانوا يعتبرون أنفسهم مثقفين كباراً، ولا يُشَقّ لهم غبار.. لكن الحقيقة، أنّ هؤلاء يقلّدون المثقف الفعلي، ولكن بدون إيجابياته، ويضيفون لمثالبه البنيوية، مثالب لا تحصى، من غير أن يقدّموا شيئاً يذكر، مما تقدمه إبداعات المثقف الحقيقي.. فكيف بـ (مثقف) يؤلّف كتباً، ثم يمارس عكسها، ولا يكتفي بذلك، بل يجري استخدمه بيدقاً (للناتو) وواجهة (للقوى الظلامية التكفيرية)!! وكيف لآخر، بعد أن وصل إلى أرذل العمر، يغادر وطنه، ليتسكّع على الأبواب، من أجل قبوله بيدقاً، في خدمة أعداء الوطن والشعب، بدلاً من أن (يناضل) من داخل الوطن!!! هذه هي عيّنات ونماذج الكثير من هؤلاء المثقفين (للأسف الشديد).
إنّ محاولاتهم الدائبة لاصطناع مواقف رومانسية إنسانية، يرتدونها قناعاً على وجوههم، وأقلامهم، لا تسعفهم كثيراً، لأن المهم ليس ما تقوله ألسنتهم، بل ما فعلته وتفعله أيديهم.. وما فعلته أيديهم لم يعد يخفى على أحد.. لقد تعرّوا حتى من ورقة التوت، حتى لو ظنوا أنفسهم (أنبياء) و (معصومين).
-3-
لم يكتف الشاعر الداغستاني الرائع والمبدع ( رسول حمزاتوف ) بقوله: (إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل عليك نيران مدافعه). بل قال أيضاً: (سموم الأفعى، يمكن أن تكون ترياقاً، إذا كانت في أياد ماهرة… وعسل النحل، يمكن أن يكون سماً، إذا كان في أياد حمقاء )… كم نحن بحاجة، إلى معالجة السلبيات، وتلافي الأخطاء، والتعلم منها، بل وتصويب الحيدانات، التي وقعت عبر مسيرة النضال الوطني والقومي، وهذه المعالجة، حق وواجب… وهذا لا يقلل من عظمة هذه المسيرة، ولا من عظمة إنجازاتها.. مهما كان حجم الأخطاء التي انتابتها.. ولا يكفي أن يقدم أحدنا، كشفاً، بالآمال والأهداف التي يود تحقيقها، بل أهم ما يحتاجه الوطن، هو أن نبين كيفية تحقيق هذه الآمال والأهداف، وإمكانية تحقيقها، والخطوات الكفيلة بذلك، وأن لا تحجب عنا، شجرات الأخطاء، رؤية الغابة، وأن لا نقع (في شبر ماء) وأن نشمّر عن سواعد الجد والعمل، كل في مكانه، مهما كان حجم هذا المكان، صغيراً أم كبيراً.
-4-
يتمنى السوريون على الرئيس الفرنسي القادم، أن يأخذ بعضاً من صفات ( ديغول) الذي رفض أن يكون ذيلاً للسياسة الأميركية، وأعطى فرنسا حجمها الذي تستحقه… وأن يتخلص من جميع العقد والتراكمات والترسبات التي تحكمت بساركوزي وجاك شيراك، اللذين توهما القدرة على وضع سورية (في جيبهما) بالتحايل أو بالقوة، انطلاقاً من (عقدة سورية) التي سيطرت عليهما، والتي تقود بعض الرؤساء للاعتقاد بأن سورية لازالت مستعمرة فرنسية، وأنّ من حق فرنسا أن تهيمن على سورية، إما عبر احتوائها بالسياسة الناعمة، أو بالانتقال إلى العداء الصارخ لسورية، في حال فشل سياسة الاحتواء… ولأنّ سورية ترفض سياسة الاحتواء، وترفض أن يكون أحد في الدنيا وصياً على قرارها، انتقل هؤلاء إلى خانة العداء الصارخ… الأمر الذي أضر بمصالح البلدين والشعبين السوري والفرنسي، ذلك أن سورية هي بوابة الشرق، وفرنسا هي بوابة أوربا.
-5-
إذا كنت تريد تعلم (الديمقراطية والحرية والسيادة) (مجاناً وبدون معلم) ما عليك إلا اللجوء إلى فلاسفتها المعاصرين، وما أكثرهم: (سمير جعجع) (وليد جنبلاط ) (الحريري الصغير:سعد) (أحمد فتفت ) (خالد الضاهر) دون أن تنسى المرور على داعيتها الجديد في صيدا ( أحمد الأسير) وصولاً إلى شيخ (القاعدة) الجديد (الإمام الأكبر أيمن الظواهري)… وإذا لم تكتفوا بذلك، فما عليكم إلا الذهاب إلى الإعلام السعودي(الاسكندينافي النموذجي والمثالي) وخاصة مدير فضائية (العربية) العبيرية، والمرشد الروحي لجريدة (الشرق الأوسط) الصهيوني الجديد (العلامة الفهامة: عبدالرحمن الراشد) وتابعه (قفة) المدعو (طارق الحميد) الذي قد يصلح في بعض الأحوال، لإدارة جريدة حائط في مدرسة ابتدائية… ولكي ترسّخ ما تعلمته من هؤلاء (الأعلام) لابدّ أن تستكمله بالتعلم من (شمعون بيريز) و(أفيغدور ليبرمان) و (بيبي نتنياهو) و (يهود باراك) و (شاؤول موفاز) هؤلاء الأعلام الذين لا ينامون الليل من حرصهم على جلب وترسيخ الديمقراطية في سورية… وأمّا آخر أعلام وفلاسفة الديمقراطية، الذين جاؤوا إلى لبنان، لتعليم الجميع، (أصول تطبيق الديمقراطية في سورية) فهم: (جفري فلتمان) سفير الليكود الصهيوني في وزارة الخارجية الأمريكية.. و(جو ليبرمان) مندوب المحافظين الجدد لخدمة إسرائيل والصهيونية العالمية… إنها فرصة لا تفوّت لـ:( محبّي الديمقراطية ) في سورية ولبنان وما حولهما !!!!!!!! ( طبعاً من غير أن ننسى كيف (التمّ المتعوس على خايب الرجا) كما يقول المثل العامي، عندما جاء هؤلاء لشدّ عصب بيادقهم من عبيد وأرقاء (١٤) آذار، وإعطائهم حقناً متلاحقة من الأوهام، لكيلا ينهاروا كلياً ، بعدما نجحت سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، في المعركة الأولى الأكثر خطورة، في الحرب الكونية الصهيو- أميركية المعلنة على سورية، وانتقلت إلى المعركة الثانية.
-6-
عندما يلتحق ( مسؤول ) سابق بالمعارضة السورية في الخارج.. أو عندما يلتحق بها، بعض حواشي وأتباع وأزلام المتنفذين في سورية (من الذين أمضوا معظم حياتهم، وهم يلعقون أحذية أصغر مسؤول سوري) هؤلاء تنطبق عليهم تماماً، المقولة العامية (مزبلة، وزادت قفة)… أي، كل ما في الأمر، أنّ الروائح العفنة والكريهة، لتلك (المزبلة) تزداد عفونة وقبحاً، وتفضح حقيقة أصحابها التي حرصوا على إخفائها، سنين طويلة، وهي أنهم لا يصلحون للسلطة ولا للمعارضة الحقيقية، بل يصلحون للارتهان والعمالة والدونية والذيلية… وعندما كانوا بالسلطة أو من أذناب السلطة، كانوا هم أساس الفساد ومديروه ومدبروه وأربابه وعبيده… وعندما احتضنتهم أو تحتضنهم المعارضة، بعد أن انكشفوا على حقيقتهم، فهذا يؤكد الماهية المسمومة والملغومة والمأفونة لتلك المعارضة التي تستقوي بأمثال أولئك المارقين.
-7-
يقول (فولتير): (التشاؤم سهل، لأنه من عمل المزاج، أمّا التفاؤل فصعب، لأنه من عمل الإرادة) ذلك أن قدر سورية وخيارها، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، أن تفتدي الأمة العربية، من دماء أبنائها، ومن لقمة عيشها، وأن تضحّي دفاعاً عنها وحماية لها، وحفاظاً على سيادتها وكرامتها واستقلالها… ولذلك دفعت سورية وتدفع الأثمان الغالية للحفاظ على هذه الأمة وبقائها واستمرارها، عزيزة كريمة مستقلة مصانة، مهما تكاثر الطامعون، وتسابق الغازون، ومهما انزلق البعض من بني جلدتها، في التآمر عليها، لصالح الأعداء التاريخيين للأمة… هذا هو مبعث التفاؤل التاريخي للأمة وشرفائها، الذين لا يستسلمون لمزاجهم، بل يصنعون التاريخ وفق إرادتهم الصلبة والراسخة، كرسوخ جبل الشيخ وجبل قاسيون.
-8-
لقد أثبت الإنسان – في كثير من الأحيان- أنه أكثر حَيْونة من الحيوان بآلاف المرات… كما أثبت الحيوان – دائماً – انه أكثر إنسانية من الإنسان بآلاف المرات… ذلك أن الحيوان يعتدي على غيره، عندما يجوع ويبحث عن لقمة عيشه، وأمّا عندما يشبع ويرتوي، فإنه يستريح قريراً هادئاً، دون أن ينال من أحد… أمّا الإنسان، فعلى العكس، كلما ازداد شبعاً، ازداد جشعاً وطمعاً، وازدادت تجاوزاته وجرائمه. وفي الصراعات الدنيا والدونية، يستنفر الإنسان أحط أنواع الغرائز لديه، ويتسابق مع أقرانه من المخلوقات البشرية، لضرب المثل في اقتراف أسوء أنواع الجرائم والخطايا الفظيعة… وفي المعارك النبيلة، وحدها، كالحروب الوطنية والمبدئية والدفاع عن القضايا الكبرى، يستخرج الإنسان من أعماق أعماقه، مختلف الدوافع النبيلة، والعناصر الراقية والرفيعة، لا بل يتنافس فيها، مع أقرانه الآخرين، في استخراج وتقديم أفضل ما يختزنه الوجدان البشري.
-9-
كم هما موضوعيتان أهم جريدتين أردنيتين، (الرأي ) و(الدستور)!!!!! تطالعنا هاتان الجريدتان المحترمتان، صبيحة كل يوم، تقريباً، على صفحاتها الأولى، بما تمارسه السلطة في سوريه من (قتل) لشعبها (وهذه هي الكلمة الكودية، لإخفاء وتمرير الحرب الكونية، التي أعلنها على سورية، المحور الصهيو- أميركي وأذنابه) وذلك نقلاً عن (بقّال) مقيم في لندن، يسمّى بقّاليته: (المرصد السوري لحقوق الإنسان) صار هو المرجع الأول في العالم، لأخبار سورية… وأما جريمة العصر الأكبر في تاريخ سورية، التي قام بها الإرهابيون الظلاميون التكفيريون التدميريون، في دمشق، يوم الخميس (١٠-٥-٢٠١٢) وأودت بخمسمئة ضحية، بين شهيد وجريح، فلم تجد هاتان الجريدتان الموضوعيتان ( جداً !!!!) أي حاجة أو ضرورة أو سبب أو مبرر، لذ كر كلمة واحدة في صفحاتهما الأولى، عن مجزرة دمشق ؟!؟! أليس هذا ما يقتضيه النهج (الموضوعي) لهاتين الجريدتين الموضوعيتين تجاه سورية؟!؟!؟.
-10-
كلما تساقطت جيوب الإرهابيين والظلاميين القتلة، في محاولاتهم الفاشلة، لإيجاد مناطق معزولة (وليس عازلة) داخل الوطن، تكون قاعدة ومنطلقاً لاستجلاب واستدعاء قوى الاستعمار الجديدة؟ من أجل تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في سورية، عبر نصف القرن الماضي.. أقول كلما تراكمت خيباتهم في هذا المجال ، انتقلوا إلى أسلوب الإغارات والكمائن، في مواجهة القوى الأمنية وقوات الجيش والقوى الاجتماعية الحية الأخرى… والتفجير والتفخيخ والاغتيال وهذا الأسلوب مؤلم، نظراً للدماء والخسائر التي يتكبدها السوريون من عسكريين ومدنيين، ولكن هذا الأسلوب، غير فعال ولا قيمة له، في موازين القوى القائمة، المندرجة في سياق الحرب الصهيو- أمريكية- العثمانية- الوهابية، القائمة على سورية، لا بل سوف تصل هذه الحرب بأصحابها إلى الفشل الذريع لمخططاتهم الاستعمارية الصهيونية الجديدة.. وأما سورية، شعباً وجيشاً وقيادة (وقائداً) فسوف تخرج من هذه الحرب – ليس ضعيفة ولا منطوية على ذاتها، كما يأمل أعداؤها – لتكون منارة الأمة العربية بكاملها، بل وقائدة حركة التحرر العربية الجديدة، التي ستعيد للأمة العربية، دورها الذي يليق بها تحت الشمس (ألم يقل طاغور شاعر الشرق الأكبر: الرياح التي لا تقتلعني من الأرض ، تزيدني قوة).