قمم الرياض وإختبار بيروت
موقع العهد الإخباري-
ايهاب زكي:
في تغييب القاهرة وبغداد ودمشق، تدّعي الرياض أنّها عاصمة القرار العربي، وهذا ما حاول الإعلام السعودي تكريسه في قمم الرياض الثلاث، قمة سعودية صينية، وخليجية صينية، وعربية صينية، وقيل في ذاك الإعلام، أنّ محمد بن سلمان أمسى قائد الدفة من المحيط إلى الخليج بلا منازع، تزكيةً أو اضطراراً، وبما أنّ هذا الإعلام يمتاز بالكذب والفوقية والحماقة، والأهم أنّه يمتاز بالببغائية الرسمية الحديدية أو المنشارية بالأحرى، فإنّ أخباره وتحليلاته واستنباطاته، تشبه كل شيء إلّا السياسة.
كذلك هي ادعاءاته بأنّ بذور التمرد لدى ابن سلمان تجاه الولايات المتحدة، أصبحت بيدراً وافر القمح غزير الغلال، هي القَحْل والمَحْل والسراب عينه، ويُقال قديماً في الأمثلة الشعبية “ممّ تعرف الكذبة؟ قال من كبرها”، واستقلالية ابن سلمان وسيادية قراراته ومملكته هي أكبر من كذبة، وخصوصاً في انعقاد هذه القمم ومفاعيلها.
لم يكن في القمة ما يشي بأنّ الإدارة الأمريكية تشعر بالاستفزاز، أو تشعر ببروز قرنَي التحدي النجدّي، بل على العكس تماماً من ذلك، حيث نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين “أنّ زيارة الرئيس الصيني للسعودية حيوية وبالغة الأهمية”، كما غاب عن القمة كل ما له علاقة بالقضايا المركزية والسياسية عموماً، واقتصر الأمر على الجانب الاقتصادي، وهذا ما حاول بالضبط إعلام النفط ترويجه، من أنّ الاقتصاد أولاً.
ولكن بما أنّ حكام الرياض يكذبون في ادعاء الاستقلالية والسيادية ومناطحة واشنطن، فإنّ الزاوية الأكثر عقلانية للنظر إلى هذه القمة، هي زاوية ما اختُلقت مملكة آل سعود من أجلها، وهي خدمة المصالح الأمريكية ومن ضمنها المصلحة ببقاء الكيان المؤقت، مقابل ديمومة العرش وحمايته، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقات الاستراتيجية الصينية الإيرانية، كذلك على ضوء العلاقات الروسية الإيرانية التي تشبه التحالف في بعض المواضع، وسياسة الاستقطاب الأمريكي عبر الرياض تجاه موسكو.
إنّ إغراق الصين في علاقاتٍ مغرية اقتصادية مع السعودية ودول الخليج، قد تكون في ظنّ الولايات المتحدة، دافعاً للصين للتنصل من علاقاتها مع إيران وشراكاتها الاستراتيجية، وبالتالي أضرارٌ بالغة ستصيب الجانبين، خصوصاً إذا أخذنا البيان الختامي للقمة بعين الاعتبار، عن جزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، وكذلك عن الاتفاق النووي، ما دفع إيران لاستدعاء السفير الصيني في طهران، لتقديم احتجاجٍ رسمي.
والحقيقة إنّ المقال ليس للإسهاب في هذا الجانب من القمم وسعودتها، ولكنه للإضاءة على الكذب المطلق والكاشف، عن السيادية والاستقلالية، في كيفية التعامل السعودي مع الملف اللبناني وأزماته المفتعلة سعودياً، لمصالح صهيو ــ أمريكية بأيدٍ محلية، وقد يكون الملف اللبناني هو الكاشف الأكبر عن التبعية السعودية المطلقة للولايات المتحدة.
وبما أنّ القمم يتم تقديمها باعتبارها عنواناً للتحدي السعودي للإدارة الأمريكية، فإنّ أفضل ما يمكن أن يبرهن عن ذلك، هو إعطاء الضوء الأخضر للصين، للبدء بتنفيذ مشاريعها الجاهزة التخطيط في لبنان، من كهرباء وطرق وجسور وأنفاق وغيرها، حيث سينجح ابن سلمان في تحدي الولايات المتحدة، في الموضع ذاته والتحدي ذاته الذي فشل فيه رئيس دولةٍ عظمى، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
إنّ انسداد الأفق الاقتصادي في لبنان، هو انسدادٌ مفتعلٌ سياسياً، وذلك بإرادةٍ أمريكيةٍ صرفة دولياً، وبفعلٍ سعوديٍ إقليمياً، وبأيدٍ داخلية محلية، وهذه هي البيئة الأكثر خصوبة، لإظهار قرنيّ التحدي النجديّ للشيطان الأكبر، وبانزياح هذه الغمة الاقتصادية عن لبنان، ستنزاح بالطبيعة بعض غمةٍ عن سوريا، وهذا يرفع نسبة التحدي أكثر، كما يرفع منسوب الاستقلالية والسيادية أعلى.
لكن الحقيقة أنّ هذا من المستحيلات وأحلام اليقظة، فلا ابن سلمان يتحدّى أمريكا، ولا الساسة أصحاب القرار في لبنان، يتحدون ابن سلمان ومن خلفه أمريكا، وهذا بعكس لو كان لبنان واقعاً تحت الاحتلال الإيراني، لانعقدت الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، مع الصين وروسيا وإيران، دون الحاجة لبطولاتٍ مزيفة، يكتبها النفط على أوراقٍ من دماء الشعوب وضنك عيشهم، فبعد انعقاد قمة الرياض العربية الصينية، إن لم تبدأ المعدات الصينية الدوران في بيروت اليوم قبل الغد، فإنّ هذه القمم مجرد وسيلة أمريكية قيد التجريب لاستهداف إيران بمحورها، وعلى الجانب الصيني مجرد فرصة استثمارية غير منقوصة، أمّا النفط فليكذب كيفما شاء عن سيادياته واستقلالياته وتحدياته وألعابه النارية.