«قمة شنغهاي»… لبنة جديدة في جدار النظام الدولي المتعدد الأقطاب
جريدة البناء اللبنانية-
بتول قصير:
شكلت قمة شنغهاي المنعقدة في سمرقند، انعطافة مهمة لمجريات السياسة الدولية العالمية. فالقمة الثانية والعشرون لمنظمة التعاون، هي بمثابة بداية حقبة جديدة في أنشطتها، إذ يأتي انعقادها بعد انقطاع دام ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا، وفي ظلّ العقوبات الغربية التي تواجهها روسيا بعد حربها الأخيرة على أوكرانيا. قمة يطمح أطرافها لتحقيق قائمة طويلة من الأهداف السياسية والاقتصادية.
فيما كانت القمم السابقة تعبّر عن مساعي الدول الأعضاء في تعزيز النمو الاقتصادي والتبادل التجاري الحر، وسعيها للتخلص من أزمة العقد المالية الغربية وهيمنتها الأحادية عليه، جاءت القمة الثانية والعشرين لمناقشة آلية تعزيز آفاق التعاون متعدّد الأطراف في مجالات الدفاع والأمن والطاقة والإرهاب وقضية التغير المناخي. فيما تبلورت الأهداف الأخرى في رفض النظام الدولي الأحادي القطب الذي هيمن عليه الغرب لعقود، وسعي القوى الكبرى كروسيا والصين لعالم مُتعدّد الأقطاب أو ثلاثي الاقطاب إذا صحّ التعبير، أكثر ديمقراطية وعدلاً.
وضع إعلان سمرقند لبنة جديدة فى جدار النظام الدولي متعدّد الأقطاب، والذى بدأت تداعياته تظهر منذ عقد وقد ساهمت حرب أوكرانيا فى بلورته، إعلان يسهم فى تحقيق التوازن والاستقرار فى العلاقات الدولية، ويواجه ما تعتبره أطرافه سياسات الهيمنة الأميركية والغربية تجاه الدول الأخرى سواء على الصعيد الاقتصادي او لناحية فرض نمط سياسي غربي. وهذا النمط ترفضه الدول الأعضاء في قمة سمرقند، ما دفعها إلى وضع خارطة طريق للعمل على تطويق الطموح الأميركي في الحفاظ على المكانة الأحادية التي حظيَ بها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، في محاولة لاستنزاف كلّ من الصين وروسيا على وجه التحديد عبر زجّ كلّ منهما في بؤر مشتعلة كما حصل مع روسيا في أوكرانيا، وكما حصل مع الصين في تايوان، وتأجيج الصراع الآسيوي حول مسألة بحر الصين الجنوبي لإضعاف التنين الصيني.
إلا أنّ المتابع لمسار السياسات الدولية، يدرك عن مستوى تراجع المقدرات الأميركية العسكرية والاقتصادية بسبب انخراطها المتتالي في الأزمات العالمية. فكانت القمة بمثابة تشكيل كتلة وازنة ضدّ سياسات أميركا والغرب، بقيادة الصين وروسيا، وانضمام إيران مؤخراً تكتسب مزيداً من من التأييد والصفات خصوصاً بعد هزيمة منهجية للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط من سورية الى لبنان.
وعليه، يمكن القول انّ التطابق بين كلّ من روسيا والصين وايران المنضمة حديثاً الى قمة شنغهاي، لا يعني التطابق الكامل في ما بينهم، فكلّ طرف يسعى إلى تعظيم مصالحه في إطار التنافس، لكنهم يتلاقون في مسار موحد لمواجهة النفوذ والهيمنة الأميركية. لذا فإنّ المشهد العالمي يتطوّر في اتجاه استقطاب أكبر، ستكون الصين وروسيا وإيران (وكذلك كوريا الشمالية، التي أعلنت صراحة عن كونها دولة نووية، وأقرّت استخدام السلاح النووي في مواجهة الخطر الذي يتهدّدها) قلب الهجوم فيه، فيما تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، الحفاظ على المنظومة العالمية الحالية، وتقليص التطور النووي للدول الخصوم. ويبدو أنّ الاتجاه نحو استقطاب أشدّ، بين «المحور الجديد» و «الحلفاء القدماء» يفتح كلّ الاحتمالات على مصاريعها. وهنا يحتم علينا المشهد طرح السؤال الاتي: «هل ستأتي بعد قمة شنغهاي قمة عربية صينية بمشاركة المملكة العربية السعودية ودول الخليج لتعزيز التعاون من أجل التخلص من قبضة الغرب؟ وهل سيمهّد إعلان سمرقند لإصطفافات جديدة؟ وهل ستستطيع دول الشرق الأوسط ودول الخليج من تعظيم لمكانتها على الساحة الدولية في ظلّ خلط الأوراق الذي تشهده السياسة العالمية؟ الأيام المقبلة ستجيب…