قطر.. صندوق بريد في خدمة إسرائيل؟
موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم نسيب شمس:
إنعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، عشية انتهاء حرب الخليج الثانية، وكان قد سبقه إنهيار الاتحاد السوفياتي، وتبلور النظام العالمي الجديد، الذي كرّس هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. ومع تهاوي الجدار بين العرب وإسرائيل، بدأت قطر علاقاتها مع إسرائيل بعد مؤتمر السلام في مدريد وكان أول لقاء قطري إسرائيلي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي وقتها شمعون بيريز بعد زيارته لقطر عام 1996 حيث إفتتح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة وتم توقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل، ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب.
كان الهدف القطري من فتح العلاقات مع إسرائيل وقتها دعم ترشيح قطر لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي كان مقرراً من عام 1993 وذلك يمثل إضافة خليجية وعربية، كما كان قد تبلور فيما بعد مشروع الشرق الأوسط الكبير، فكانت قطر مع الدعوات الأميركية للإصلاح والديمقراطية في المنطقة.
كما أن قطر صارحت بالفعل بعلاقتها بإسرائيل في معاهدة التجارة الحرة “الغات”، كون هذه الاتفاقية لها شروطها ومنها عدم وجود مقاطعة لإسرائيل، وأن تكون العلاقات القطرية الإسرائيلية جيدة والعلاقات مع الولايات المتحدة ممتازة.
فتحت قطر عبر بوابة القواعد العسكرية الأمريكية، الطريق لبدء العلاقات مع إسرائيل، فمع تولي أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم بعد انقلابه على والده، بدأ بعلاقات علنية مع إسرائيل على كل الأصعدة من التجارة إلى الأمن وأشياء أخرى، لكن شاب هذه العلاقات بعض الاشكاليات بينها العلاقات المصرية القطرية التي ترجع إلى الضغوط التي قامت بها مصر على قطر لتضييق علاقاتها المتسارعة باتجاه إسرائيل بسبب قلق القاهرة على مكانتها في المنطقة من الناحية السياسية، وخوفاً من أن تنال الدوحة صفقة توريد الغاز للكيان الإسرائيلي وأن تحتل المكانة الرئيسية في العلاقة مع تل أبيب.
وتشهد العلاقات القطرية – الإسرائيلية خفاءً في الإعلام والتلفزيون المحلي بينما تشهد علاقات متينة في السر حيث التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سراً مع رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم في باريس للحديث عن موضوع السلام الإسرائيلي – الفلسطيني وصفقة التبادل مع الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط. لكن العلاقات بين قطر وإسرائيل انقطعت في أعقاب الحرب الأخيرة على قطاع غزة أواخر عام 2009، ومنذ ذلك الوقت أرسلت قطر رسالتين إلى إسرائيل تعبّر فيهما عن رغبتها في تجديد العلاقات مع إسرائيل، ولكنها رفضت من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان. ولكن حاكم قطر حمد بن خليفة أكد ان العلاقات لا تزال قوية.
وقد لعب حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني دوراً أساسياً في عملية إحتواء حركة حماس، كما أنه لعب أدواراَ مركزية في الأزمة في سوريا، خاصة عندما غاب حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن الأنظار بعد اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين في جدة وأثار الكثير من الشائعات، ويعتقد ان رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر ذهب إلى إسرائيل لطلب الوساطة للضغط من اجل سحب اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس تحفظاته على التدخل الدولي في سورية. وكان التحفظ الإسرائيلي على التدخل الدولي في سورية خوفاً من اندلاع حرب في المنطقة بأكملها تصل نارها إلى إسرائيل.
يقول مؤلف كتاب “قطر وإسرائيل- ملف العلاقات السرية” الإسرائيلي سامي ريفيل، وهو الوزير المفوض في سفارة إسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس، والذي عمل في السابق مديرًا لمكتب مدير عام وزارة خارجية إسرائيل ومديرًا لمكتب المصالح بين البلدين في الدوحة خلال الفترة بين عامي 1996 و1999، إنه من الصعوبة بمكان ترتيب العلاقات القطرية – الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه، لولا حكومة قطر التي ذلّلت كل الصعاب وحصل على تسهيلات كثيرة من مسؤولين قطريين كبار وشركات قطرية كبرى.
وقال أيضاً إن الشيء الرئيسي لعلو شأن دولة قطر يعود إلى الدور التي تلعبه كجسر معلق بينها وبين إسرائيل، ملمحاً إلى الدور الذي لعبته قطر في دعوة الكثير من الدول العربية ولا سيما دول المغرب العربي على فتح العلاقات تجاه الدولة الإسرائيلية تحت مسمّيات تجارية علنية وسرية.
أبدت دولة قطر استعدادها تزويد إسرائيل بالغاز والى مدة غير محدودة وبأسعار رمزية. وبعد توقف إمدادات الغاز الطبيعى إلى إسرائيل من خلال خط الأنابيب المصري الواقع في سيناء بعد أن فجّره مجهولون، قامت السلطات القطرية بعملية تزويد سريعة لإسرائيل من خلال ضخ الغاز الطبيعي لها عوضاً عن الغاز المصري.
عندما أعلن مجلس التعاون الخليجي عن وقف المقاطعة الاقتصادية غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في إسرائيل أو معها، تلت ذلك إقامة علاقات بين إسرائيل وهيئات ومؤسسات وشركات طيران عربية، مثل الخطوط الملكية الأردنية، وطيران الخليج ومقرها في البحرين، والخطوط الجوية القطرية، وغيرها من الشركات التي سهّلت من القيود المفروضة على المسافرين والمؤن الآتية من إسرائيل إلى الدول العربية. وكلها بمساعدة قطرية.
يتحدث السفير ريفيل في كتابه عن تحريض قطري على السعودية والإمارات لدى إسرائيل، مستشهداً بالاتفاق القطري – الإسرائيلي لإنشاء مزرعة متطورة تضم مكانًا لإنتاج الألبان والأجبان اعتمادا على أبحاث علمية تم تطويرها في مزارع إسرائيلية، لأجل منافسة منتجات السعودية والإمارات.
بعد الصراع بين إسرائيل وقطاع غزة 2008-2009، استضافت قطر مؤتمرا طارئا للدول العربية وإيران لمناقشة الصراع، حيث حثّ خالد مشعل، زعيم حماس، والرئيس السوري بشار الاسد في سوريا، والرئيس الإيراني أحمدي نجاد جميع الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل إلى إنهاء العلاقات. قطعت قطر كل العلاقات المتبقية مع إسرائيل وأغلقت المكتب التجاري لإسرائيل في الدوحة. وأظهر المؤتمر الدعم العربي لحركة حماس على حساب حركة فتح، فضلاً عن التأثير المعادي لإسرائيل مثل تأثير الرئيس السوري بشار الاسد وإيران.
لكن في عام 2010، قدمت قطر مرتين طلباً لإستعادة العلاقات التجارية مع إسرائيل، والسماح بإعادة البعثة الإسرائيلية في الدوحة، بحجة أن تسمح إسرائيل لقطر إرسال مواد البناء والأموال إلى قطاع غزة للمساعدة في إعادة تأهيل البنية التحتية، على أن تقوم قطر بإصدار بيان علني تعرب عن تقديرها لدور إسرائيل والاعتراف بمكانتها في الشرق الأوسط. رفضت إسرائيل، على أساس أنه يمكن استخدام الإمدادات القطرية من قبل حركة حماس لبناء عتادها من جديد وتعزيز قوتها لإطلاق صواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية لأن إسرائيل لا تريد أن تتورط في المنافسة بين قطر ومصر على مكانتيهما في الشرق الأوسط.
لكن علاقات قطر مع إيران وحماس، دفعت إسرائيل لاتخاذ قرار بقطع علاقاتها مع الدوحة وغلق المكاتب الدبلوماسية نهائياً بالتدريج منذ آذار/ مارس 2011، ومنع حاملي جوازات السفر القطرية من دخول الضفة الغربية ووقف التعاون العسكري بين قطر والشركات العسكرية الإسرائيلية.
يذهب البعض إلى أن زيارة حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر لغزة التي تعد الأولى من نوعها لزعيم عربي للقطاع منذ الحصار الإسرائيلي، والثانية للأمير منذ عام 1999، قد أدت إلى استياء إسرائيل وخيبة أملها من الدوحة، خاصة أنه أول زعيم عربي يكسر الحصار المفروض على غزة. لكن البعض يعتبر أن الزيارة تمت بالتنسيق مع إسرائيل وفي محاولة لتطويع حماس ووقف عمليات المقاومة من قطاع غزة.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية جورزاليم بوست عن دبلوماسي إسرائيلي قوله “إن زيارة الأمير لقطاع غزة خطوة مهمة منحت حماس الشرعية التي كانت ترغب فيها وبقوة، وأنه يتوجب على إسرائيل أن تستغل تأثيرها على قطر لإقناعها بتغيير سلوكها». وأضافت الصحيفة: إن «وصف قطر بالعدو اللدود يأتي بعد 4 سنوات من تجميد الدوحة لعلاقاتها التجارية مع إسرائيل في أعقاب عملية الرصاص المصبوب». وذكرت أنه في عام 2010، أعربت قطر عن اهتمامها بتجديد العلاقات مع إسرائيل إذا سمحت لها بلعب دور رئيسي في إعادة إعمار غزة، لافتة إلى تخوف إسرائيل من تنامي علاقات قطر مع إيران، إضافة إلى «رغبتها في تفادي الندية التي بين قطر وبين السعودية ومصر».
وقد شهدت زيارة أمير قطر إلى غزة تدشين عدد من المشروعات التنموية في مجالات الصحة والتعليم وإعادة إعمار المنشآت الحيوية التي هدمتها الآلة العسكرية الإسرائيلية خلال عدوانها على القطاع عام 2008.
لكن العلاقات القطرية – الإسرائيلية السرية خلال العام 2013، أثمرت عن نقل مجموعة من حوالي 60 من اليهود اليمنيين من اليمن إلى إسرائيل عبر الدوحة على الخطوط الجوية القطرية. وقد أجريت العملية تحت رعاية دولة إسرائيل، وهي تهدف إلى اخراج 400 شخص مما تبقى من اليهود من اليمن.
المصالح المشتركة بين إسرائيل وحاكم مشيخة قطر تميم بن حمد آل ثاني، وهو خريج أكاديمية «ساند هيرست» العسكرية الملكية، قد أدخلت العلاقات القطرية – الإسرائيلية في «عصر ذهبي» حيث كشفت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية منذ أيام معلومات سرية تزيح النقاب عن شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى كانت تنظم العلاقات الحيوية بين إسرائيل وقطر حيث كان لهذه الشخصية الدور الأبرز في إرساء تحالف المصالح المشتركة بين الجانبين.
ونشرت الصحيفة المعلومات السرية التي نقلها مراسل الشؤون السياسية «إيلي بيردنشتاين» عن مصادر وصفها بأنها رفيعة المستوى والتي تبيّن أن للدبلوماسي الاسرائيلي بروس كشدان الدور الأبرز في إرساء تحالف المصالح المشتركة مع المشيخة إذ أنه برع في جعل هذه العلاقات في سرية تامة باستثناء فترات تجرأت فيها دول الخليج على الكشف عنها. ولفتت المعلومات إلى أن الجهود التي بذلها كشدان بتوطيد العلاقة بين اسرائيل وقطر جعلت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يجاهر بالقول «إن دولة قطر لا ترى إسرائيل دولة عدو بل دولة صديقة».
وتؤكد المعلومات أن كشدان لعب دوراً مهماً في تنسيق لقاءات واجتماعات بين مستويات سياسية وأمنية تنفيذية في قطر وإسرائيل بغرض التنسيق والتعاون في مجالات مختلفة خصوصا فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي المختلفة والطاقة. كما لعب دوراً حاسماً في التوسط بين الصناعات العسكرية وشركات التقنية المتقدمة في إسرائيل وبين قطر التي أبدت حماساً لشراء منظومات قتالية وأجهزة حساسة من اسرائيل.
انطلاقاً من هذه المعطيات نجد الأجوبة الشافية بالدور الكبير القطري. حيث يتساءل كثيرون عن سرّ قطر والدور الكبير الذي تلعبه برغم صغر المساحة وقلة عدد السكان الذي لا يتجاوز حياً من أحياء مدينة حلب السورية، فضلاً عن مفهوم الدولة بالمعنى الكامل للكلمة والفعل.
لذلك يجب الوقوف أمام هذه المشيخة الظاهرة، ومحاولة فهمها بعمق ودراسة أكثر، خاصة وأن دوائر الغرب السياسية والإستخباراتية تدرك تماماً الأسباب الكامنة وراء هذا العلاقات القوية وتقوم بتغذّيتها.
تلك العلاقات التي ترد تارة إلى أسباب إقتصادية لها علاقة بالغاز والنفط، وتارة أخرى إلى حالة التبعية للولايات المتحدة الأميركية وقواعدها العسكرية المنتشرة في الدوحة، وطوراً إلى غياب اللاعبين العرب الأساسيين عن مسرح الحوادث العربية الأخيرة. وأحيانا ترد إلى شخصية رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بما يملك من دهاء وقدرة على التسويق والإقناع بالأفكار المؤبلسة.
لكن مع ما تشهده العلاقات القطرية – الإسرائيلية من عصر ذهبي في عهد الشيخ تميم يبين لنا أن هذه السياسة هي نهج وممارسة مستمرة متصاعدة، وأن الدور المناط بقطر هو أن تكون صندوق بريد سريعاً وأداة إختراق للعالم العربي خدمة للمطامع والمصالح الإسرائيلية في سبيل الهيمنة على الشرق الأوسط.