قرار الاتحاد الأوروبي الخاص بحزب الله أكثر من قرار جائر انه خطأ فادح
صحيفة القدس العربي من لندن ـ
معن بشور:
لا يكشف قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج الجناح العسكري لحزب الله على لوائح الإرهاب، حجم انصياعه لاملاءات أمريكية وصهيونية فحسب، بل يكشف أيضاً ان الدول الأوروبية الموجهة لهذا الاتحاد لم تتحرر بعد من ضغط ارثها الاستعماري القديم في نظرتها إلى هذه المنطقة، وفي حقدها على أي مظهر للقوة أو للقدرة أو للاستقلال يمكن أن يبرز داخل امتنا.
بالطبع لن نناقش هنا المضمون العملي لهذا القرار الذي سارع مسؤولون أوروبيون إلى التخفيف من ردود الفعل عليه، بمن فيهم سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان، بالزعم انه قرار معنوي فقط، ولن نناقش الأسباب التي ساقها الاتحاد لتبرير هذا القرار الجائر، الذي كتبته أيدٍ صهيونية وأمريكية ووقعته دول أوروبية، وكان كما جاء في بيان حزب الله، كذلك لن نناقش التعقيدات العملية المتعلقة بتنفيذ هذا القرار، خصوصاً مع استحالة التمييز بين جناح عسكري وجناح سياسي في حزب مقاوم كل عضو فيه مقاتل، وكل مقاتل فيه هو صاحب فكر ورؤية في السياسة.
الذي سنناقشه الـــيوم هو السؤال التالي: إلى متى يستمر الاتحاد الأوروبي، لا سيّما دوله ‘القائدة’ ذات الإرث الاستعماري العريق في تجاهل التحولات الجارية في العالم، خصوصاً في منطقـــتنا، فينصب نفسه قاضياً يصدر الأحكام ضد هــــذه الدولة أو تلك، وضد هذا الحزب أو تلك المنظمة؟
لقد علّق أبناء هذه المنطقة الملتزمون بمشروع نهضتها وتقدمها واستقلالها آمالا على استقلال القارة الأوروبية عن الهيمنة الأمريكية عموماً، والهيمنة الصهيونية خصوصاً، وتطلعوا بارتياح وإعجاب إلى كل خطوة كان يخطوها هذا الاتحاد، أو بعض دوله، لتأكيد هذا الاستقلال، فصفقوا لديغول في انتفاضته ضد العدوان الصهيوني بعد حرب 1967، وأيدوا بعض القرارات الأوروبية ضد الممارسات الصهيونية، بما فيها القرارات الأخيرة ضد المستعمرات الإسرائيلية، لا بل تذكروا وقفات فرنسا وألمانيا في مجلس الأمن ضد الحرب على العراق عام 2003، لكنهم سرعان ما كانوا يصابون بخيبة أمل كبيرة حين يلاحظون تراجعاًُ في تلك المواقف وعودة مذلة إلى الحظيرة الأمريكية الصهيونية، ثم ألا يظن القيّمون على الأمور في الاتحاد الأوروبي أنهم بإصدارهم ‘قرارات لا قوة تنفيذية لها’، إنما يزيدون الهوة بين دولهم وشعوب تقاوم من يحتل أرضها وينتهك حقوقها ويقود مشاريع تدمير أوطانها، وهل يكفي هذه الدول أن تتمسك بمظاهر السطوة الإمبراطورية المتهالكة حتى يكون لها بالفعل سطوة.
إن الدول الأوروبية كانت، وستبقى مهيأة، لأن تكون جزءا من الحلول في منطقة ملتهبة كمنطقتنا لا جزءا من المشاكل، بل هي مهيأة لأن تقدم على تقديم حلول حقيقية لمشاكل مزمنة بدلاً من أن تغرق نفسها وشعوبها بإعلانات استعراضية تريد إثبات الوجود، العاجزة عن ممارسته فعلاً.
إن اقل ما يمكن أن نصف به القرار الأوروبي انه قرار جائر، لا بحق حزب الله والمقاومة اللبنانية التي يحتفل معها كل اللبنانيين والعرب والمسلمين هذه الأيام بالذكرى السابعة لانتصارها على عدوان صهيوني غاشم في تموز/يوليو 2006، بل انه قرار خاطئ بحق المصالح الأوروبية العليا التي تتضرر يوماً بعد يوم من جراء الالتحاق الذليل بسياسات واشنطن وتل أبيب.
وكلنا ثقة بان شعوب أوروبا، كشعوب العالم كله، التي تشاركنا مع العديد من قادتها ومنظماتها المتمسكة بحرية الشعوب في ملتقيات داعمة للمــقاومة وفلسطين، ستتحرك اليوم لمواجهة هذا القرار، بل لمواجهة الإرهاب الصهيوني الذي لا يكتفي بقتل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعرب فحسب، بل يشمل ترهيب أصحاب الرأي الحر في دول الغرب عموماً، ودول فرنسا خصوصاً ليتهمهم ‘بالعداء للسامية’ أو بمناصرة الإرهاب.
وكلنا نضم صوتنا إلى صوت رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس نبيه بري والرئيس المكلف الاستاذ تمام سلام ووزير الخارجية الدكتور عدنان منصور بدعوة الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر بموقفه، والى أن يقرأ بعيون متجردة الفرق بين مقاومة المحتل ومخططاته، وقد عرفتها معظم بلدانه، وبين إرهاب حقيقي يومي يحظى بدعم حكومات الغرب، سواء في فلسطين أو سورية أو غيرهما من بلدان العالم. بل إننا ندعو هذا الاتحاد الى أن يتذكر أن روح المقاومة، التي يجسّدها حزب الله، كما كل حركات المقاومة في فلسطين والعراق، هي روح متجذرة في أبناء الأمة كلها الذين عاشوا مع انتصارات مقاومتهم قبل سبع سنوات أعظم أيام تاريخهم المعاصر.
قرار الاتحاد الأوروبي أكثر من قرار جائر… انه خطأ فادح.
‘ كاتب لبناني