في ذِكرى كِيم إِيل سُونغ الوطني والأُمَمي الفَذ
موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*
م.يلينا نيدوغينا**:
رَبِحت البشرية في المُناضل كيم إيل سونغ إبداعه الفكري الأممي وقَسماته الإنسانية التي غدت مُلكاً للشعوب، فقد أفضى تأسيس الزعيم فلسفةً إستقلالية، نقلة مُنيرة في صالح البشرية. ففي هذه الفكرة الرائدة التي إنبثقت من فكره الراجح والتي حَمَلَهَا القائد طوال سِني حياته وعمل بها واستند إليها في علاقاته الدولية، لخّص كيم المهام النضالية الآنية والمستقبلية التي يُناط بشعبه حلّها، وبالأمم تفعيلها لتصبح سيّدة نفسها في عالم العبودية والاسترقاق المُخجل للإنسان، وبها كذلك غدت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية مِثالاً يُحتذي للإنسانية برمّتها.
عَرِفَ العَالم أجمع ويَعرف أن في كوريا الديمقراطية زعيماً يتألق إسمه خالداً مع مرور القرون. فمنذ القرن العشرين شهد العالم تحولات لا نظير لها في صوغ مصائر الشعوب. وها هو الرفيق كيم إيل سونغ (1912–1994)، الرئيس الأبدي لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، قد غدا مُتألقاً وبكل نجاحاته العظيمة زعيماً عالمياً، لكونه مزج بجدارة وعبقرية ما بين الوطني والأممي، ليُعبّر بالتالي بهذه الفكرة الإنسانية أجلى تعبير عن ترابط المهام الفكرية والسياسية لوطنه الصغير – كوريا، بمهام وطنه الكبير – العالم بشعوبه وبلدانه الكثيرة. لذا نعتبر هذا الزعيم مفكراً فذاً ومُنظّراً من طراز نادر، ومحرراً وقائداً عسكرياً وسياسياً وزعيماً إيديولوجياً وحزبياً لا يشق له غُبار.
فمذ بلغ الشاب كيم إيل سونغ العاشرة من عُمره في كنف عائلته الثورية المجيدة، تمكّن وهو يَفيض حَيوية واندفاعاً نضالياً وسِعة إطلاع سياسي وفكري وشغف بنيل العلوم والثقافة، من إبداع وتقديم فكرة زوتشيه واستكمالها اللاحقة كفكرة مُتكاملة ونسق فكري حي يَتحرك ويَنمو ويُنتج، وذلك على قاعدة إطّلاعه العلمي وإدراكه لحِراكية التاريخ وطبيعة “العصر الجديد” الذي كان يعتمل ويَجيِشُ أنذاك بالمُتغيّرات الفكرية والعَملانية، ويضج بواقع غير مسبوق كان دنا وأطل بكل زخمه على كل العالم، ليؤثر فيه ويتأثر به.
وبعدما شب القائد وبادله شعبه المَحبة بمِثلها، والتف مِن حوله كالسوار حول المِعصم، تمكّن من تحرير شِبه جزيرة كوريا مِن براثن الإحتلال العَسكري والإحلالي والإستيطاني والإستعبادي الياباني (1905–1945)، فكانت هذه نقطة تحول عميق في تاريخ وحياة شبه جزيرة كوريا وشرقي آسيا برمتها..
ملايين الناس وبينهم العرب، يُؤمنون اليوم بفكرة زوتشيه التي تؤكد أن صاحب الثورة والبناء الوطني ومحركها الاول هو بالذات جماهير الشعب.. كل الشعب، فهي التي تمتلك قوة دافعة للثورة والبناء. وبعبارة أخرى، إن صاحب الثورة هو الجماهير الأوسع والأعرض التي ترسم بالضرورة والحصر مصير نفسها بنفسها وبقوّاها الضاربة والجماعية الموحَّدة التي تتمتع بها وتؤهلها بالتالي لصوغ سبيلها فمصيرها بعلمية ووعي.
وتمكّنت هذه الفكرة الكيمئيلسونغية من الوصول إلى حُلول تاريخية لمسائل نظرية جادة وصعبة، فقد واجهت هذه العملية الناشئة معارضات شتى وصنوفاً وألواناً من السيطرة والاستعباد المُسلّطة على رقاب وعقول الجماهير الشعبية، لكنها تمكنت من تحقيق مرادها بإستقلالية الإنسان وجماهير الشعب، ووضعت المهام والطُرق والآليات المُفضية الى حلّها الإبداعي، فكان أن تم مَنهجة الأفكار والنظريات والسُبل الكفيلة بدفع قضية استقلالية البشرية إلى الأمام ومن ثَمَّ إستكمالها في نظامٍ جاذب وجَلي ومُتكامل.
كما أوضح كيم إيل سونغ في أعماله الفكرية، فكرة سونكون ذات الاهمية الكبرى في عملية استقلالية الدولة والمجتمع (وهي تعني سيادة أَولوية الشؤون العسكرية على غيرها من الشؤون)، على أساس فكرة زوتشيه الكيمئيلسونغية.
تنطوي هذه الفكرة، من حيث الأساس، على المبدأ القائل أن الثورة تبدأ وتتقدم وتكتمل “بفِعلِ السلاح”. وبكلمة أخرى، ضرورة تشكيل قوات مسلحة ثورية أولاً وقبل البدء بتشكيل أي شيء آخر، وذلك بغية تحقيق قضية الاستقلالية الوطنية وإنجازها، فهي إذ ذاك تترافق مع نضالٍ لا يُهادن لكنسِ الإمبرياليين، فترسيخ الذات الفاعلة للثورة باتخاذها قوّة رئيسية، فترتيب هذه الثورة والاعتماد عليها في النقلات اللاحقة.
وبتأسيسه لفكرتي زوتشيه وسونكون، استطاعت الثورة الكورية أن تمضى في صعودها المُظفّر حتى في الظروف القاسية والمُعقّدة التي لم يَسبق لها مَثيل. كما استطاعت الشعوب التقدمية في العالم، فضلاً عن الشعب الكوري، امتلاك أسلحة فكرية ونظرية قوية وضاربة للتحرّر القومي والوطني، وأمدّتها بزخمٍ جديدٍ في مجرى النضال المُناهض للإمبريالية. وكذلك، طرأ في هذه الظروف والنقلات العَميقة تحوّل جديد على الصّعيد الفكري والروحي للبشرية، وانفتح عصر غير مطروق للتأريخ العالمي الذي إسمه عصر الاستقلالية والعصر الخاص بالاستقلالية، حيث تصوغ فيه جماهير الشعب مَصيرها بصورة مستقلة وخلاّقة وواعية، فتم بذلك كله بروز كيم إيل سونغ عِملاقاً قيادياً لم يَعرف التاريخ شبيهاً له.
وفي الوجه الآخر من صورة كيم إيل سونغ المُضيئة، يُمكن القول أن حياته كانت أياماً تَغلب عليها شتى ضروب المحن والمصاعب. لكن، وبرغم ذلك حَقـّق المآثر والمُعجزات الباهرات باستنهاض الشعب الكوري الذي يُلازمه الزعيم ويحيا فيه ومعه يومياً بلا جُدرٍ وبدونِ حواجز .
من أقوال القائد المشهورة، أنه “كما لا يستطيع السّمك أن يعيش خارج الماء، كذلك لا يستطيع جيش الأنصار الحياة بعيداً عن الشعب”، لذلك خاض الجيش الثوري الشعبي الكوري (سلف الجيش الشعبي الكوري)، حرباً بمواجهة اليابان التوسعية دون عُمقٍ إستراتيجي للدولة وبدون مساعدة من الجيش النظامي، والبرغم من ذلك، حقّق الجيش والشعب بزعامة “كيم” الخارقة وإرشادته العسكرية والفكرية مهمة تحرير كوريا (15 آب عام1945)، وأحبط غزو عشرات القوى الإمبريالية والرجعيات المتحالفة (في الحرب الكورية ما بين عامي1950 و1953)، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما سعت، وها هي تسعى اليوم أيضاً، لتدمير الجمهورية الكورية التي صانها كيم إيل سونغ وجيشه وشعبه، وثبّت سيادتها وكرامتها متمتعاً بمحبة شعبه الطاغية ومبايعة له.
قال الرئيس كيم إيل سونغ ذات يوم خلال لقاء مع شخصية سياسية من بلد صديق: “يسألني بعض الصحفيين من البلدان الأخرى عن الوقت المتوافر لدي لتوجيه دفّة الدولة، إذا أنني دائماً في زيارات ميدانية الى المصانع والأرياف، فأقول لهم ان توجيه العمل في المصانع والأرياف هو بالضرورة توجيهٌ مباشر لشؤون الدولة بالذات.”
في الواقع، أنهى كيم إيل سونغ إعادة الإعمار والبناء في فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات بعد الحرب الضروس التي استشهد فيها ملايين الكوريين، وبرغم تشدق الولايات المتحدة الأمريكية بأن كوريا لن تنهض على قدميها حتى بعد مئة سنة، إلا أنها صارت دولة عملاقة وصناعية وحازت على أرفع التقديرات الدولية لنظامها العلمي والتعليمي.
إضافة الى ذلك، أنجز “كيم” الثورة الاشتراكية بقوى الشعب العامل الذي يعيش الزعيم فيه يومياً ويشاطره السراء والضراء. وبعد ذلك باشر كيم إيل سونغ إنجاز مهمة التصنيع في مدة قصيرة لا تتعدى14 سنة، الأمر الذي أدى إلى تحويل البلاد إلى دولة اشتراكية نوعية وصناعية قوية. وبفضل قيادته، أقيم في كوريا نظام إشتراكي فريد من نوعه وفي جوهره، يتمحور على جماهير الشعب العامل والمبدع، حيث أصبح الشعب صاحب كل الأشياء، والذي تكون كل الأشياء مُسخّرة لخدمته، إذ يتم إحراز التقدم النوعي بِفِعلِ القوى المتحدة لجماهير الشعب الواحد.
كما ساهم كيم إيل سونغ مساهمة خالدة في دعم القضايا العربية التحررية، وأرسل قواته للقتال الى جانب العرب لإنزال الهزيمة بالتوسعيين الصهاينة، وزوّد حركة المقاومة الفلسطينية بكل ما تحتاجه من دعم مادي ومعنوي وإعلامي وسلاح، فأنجز وبذلك أيضاً، قضية استقلالية الشعوب المتآخية التي رأى لزوم دعمها كواجب فكري وأممي، إذ كان منطقه يتلخص في أنه وبرغم وجود بلد كبير وبلد صغير مساحةً، وبلد متطور وبلد متخلّف، فإنه لا يجوز أن يكون في العالم بلد رفيع المستوى وبلد وضيع، بلد مُسيطر وبلد خاضع للسيطرة.
وبعد أن تقدم القائد “كيم” بشعاره الشهير “لتتحد شعوب العالم المُدافِعة عن الاستقلالية!”، ساعد “كيم” بكل إخلاص بلداناً كثيرة على نيل استقلالها القومي والوطني وساهم بدعم تطورها المستقل، وعمل بهمّة عالية ونشاط لتعزيز وتطوير الحركات والأمزجة التقدمية التي تصبو إلى الاستقلالية ومناهضة الإمبريالية وشلِّ قدراتها، بما فيها الحركة الاشتراكية والعمالية وحركة عدم الانحياز. لذا، يمكن أن ندرك السبب وراء حقيقة أن عدد الأجانب الذي التقاهم القائد بعد تحرير الوطن وحتى آخر يوم في حياته، وصل إلى أكثر من70 ألف نسمة من 136 بلداً.
في الواقع، غدا كيم إيل سونغ زعيماً مَحبوباً من شعبه، ليس لتوافر فضائل نضالية لديه ميّزته عن غيره منذ شبابه، بل وبالإضافة الى ذلك أيضاً لتمتعه بفضائل إنسانية سامية ولا محدودة، فقد كان شعاره مَحبة الإنسان لكونه إنساناً، وعلى الإنسان أن يكون إنساناً حاملاً للإنسانية وشمائلها.
وقد اعتبر كيم إيل سونغ محبة الإنسان رايةً للثورة والبناء، فأحبه شعبه حباً جماً لا نظير له، لذلك تدثر الشعب الكوري بدفء الزعيم حتى آخر يوم في حياته الحافلة بالعطاء، وغدت ذكراه أبدية في أفئدتهم، يستمدون منها إلى اليوم اجتراحاتهم النضالية والإنسانية، والتي أولها حماية الوطن والاستقلالية التي تعتبر للكوريين راية مقدسة، ولهذا يرى الشعب الكوري في زعيمه “كيم” أباً، ولقّبوه بـ”بالزعيم الأب” خلال حياته، مُستبدلين إسمه الشخصي بهذا اللقب، وبعد رحيله أيضاً يواصل الكوريون الثناء عليه وهو في أفئدتهم “الرئيس الخالد”.
نذكر كيم أيل سونغ جيداً في حياته إذ كتبنا الكثير عن مآثره وسياسته، وكان لذلك ردود أفعال قوية من جانب الرجعيات العربية والدولية، التي جرّدتنا من حقوقنا الإنسانية والمهنية والمعنوية، لكننا بقينا مُخلصين لشخصه وذِكراه وفِكره، فقد عاش حياته حافلة وسعيدة مع شعبه وأصدقائه الأجانب منذ تحرير شمال كوريا من مجموعة الاستعماريين وعلى رأسهم الإحلاليين اليابانيين. وبعد وفاته التي كانت مأساة لكل الكوريين، إزداد الكوريون التمسّك به، فما نزال نذكر الأجواء الحزينة التي لفت كل كوريا آنذاك، والدموع التي كانت تنهمر من مآقي أبناء شعبه حزناً على رحيله الجسدي.
في كوريا التقينا الكثير من الشخصيات السورية والدولية والنشطاء السياسيين وبسطاء الاجانب الذين زاروها، فقد افتتن هؤلاء بكيم إيل سونغ وإن كان بعضهم يختلف مع الزعيم الكوري في آرائه السياسية ومعتقداته الدينية، بل أن ساسة البلدان التي تناصب كوريا العداء كانت مفتونة بمحبته وفضائله السامية وشخصيته المتواضعة وكمحرر لبلاده ومُقيم لدولة شعبية واشتراكية فيها، ومن بينهم رؤساء دول عديدة كانوا يَجلّونه ويَعتبرونه أخاً كبيراً لهم. زد على هذا، أن معظم هؤلاء كانوا أصدقاء شخصيين له، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ماوتسي تونغ وستالين، اللذين ذاع صيتهما وتمتعا بالتقدير الأرفع في العالم، كذلك الأمر للزعيم اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، المعروف بشدة إعتداده بالنفس، وجميعهم كانوا يثقون بكيم إيل سونغ في أعماق قلوبهم.
وللتأكيد، فقد نوّه كبير الباحثين للجماعة المالية الدولية للسلام في الولايات المتحدة الأمريكية، بما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن كيم إيل سونغ: “شخصياً تأثرت جداً بشخصية الرئيس كيم إيل سونغ”، و”إنا أحترم الرئيس كيم إيل سونغ كقائد سياسي”، وأشار كارتر إلى انه “إذا كان لا بد أن أقدم تقييمي للرئيس كيم إيل سونغ، فأود القول أنه رجل يتمتع بجمال إنساني دافئ”، بينما قال غانيمار سينغ، نائب رئيس الوزراء الياباني الأسبق: “إن الرئيس كيم إيل سونغ سياسي عظيم وإنسان عظيم لا يمكن العثور على نظيره له في تاريخ العالم، لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في الماضي والحاضر.. لقد ذرفتُ الدموع أمامه لأول وهلة، نظراً للقائي معه ذلك أنه رجل عظيم جداً.. أنا آسف للقائي معه في.أواخر نشاطاتي السياسية”.
*كاتب ومُتخصّص بالشأن الكوري ورئيس الفعاليات الكورية ومجالس التضامن والإعلام في العالم العربي، وحَامل أوسمة وجوائز كورية.
**نائبة رئيس الفعاليات الكورية واللجنة التحضيرية الاردنية والعربية لمؤتمر عام 2017م لتمجيد الرجال العظماء في جبل بايكدو وحاملة أوسمة وألقاب كورية.
ـ منتدى كيم جونغ وون/ كيم جونغ إيل الاردني والعربي لأصدقاء إذاعة صوت كوريا