في ذكرى تأسيس “حماس”: تحديات النشأة وآفاق المستقبل
موقع قناة الميادين-
وسام أبو شمالة:
تغلّبت حركة “حماس” على تحديات النشأة، وتطوّرت مقدِّراتها العسكرية، حتى استطاعت أن تُحْدِث تحولاً في معادلة الصراع مع العدو.
تأتي الذكرى الـ34 لانطلاقة حركة “حماس” في وقت تمرّ القضية الفلسطينية في منعطفات مهمة وتطورات بارزة، وأصبحت أحد الفواعل الرئيسيين والمؤثّرين في المشهد الفلسطيني.
تأسست حركة “حماس” بالتزامن مع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، ووزّعت بيانها التأسيسي الأول بتاريخ 14/12/1987، لتنتقل من مربّع العمل، دَعَوياً وإغاثياً، في الستينيات والسبعينيات، إلى العمل العسكري المقاوم في بداية الثمانينيات.
أصدرت قيادة حركة “حماس” ميثاقها الأول في الـ 18 من آب/أغسطس 1988، والذي خطّه أحد مؤسسي الحركة عبد الفتاح دوخان، ونصّ على مبادئها وثوابتها العامة، وأبرزها سعيها لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر عن طريق المقاومة العسكرية المسلَّحة، ومن دون تفريط أو تنازل عن جزء من فلسطين، ورفض الاعتراف بـ”إسرائيل”.
يُعتبر الشيخ أحمد ياسين المؤسسَ الأول للحركة، وأبرز قادتها التاريخيين. وتعود إليه المسؤولية عن اتخاذ قرار الانتقال إلى العمل العسكري المقاوم، والمشاركة الفاعلة في إطلاق شرارة انتفاضة الحجارة عام 1987. اعتُقل الشيخ ياسين عام 1983 على خلفية تشكيله خلايا مسلّحة نفّذت عمليات عسكرية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وحُكم عليه 13 عاماً، وأُطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى عام 1985.
قرّرت الحركة إنشاء أول جهاز أمني/عسكري عام 1985، عُرف باسم “منظمة الجهاد والدعوة” (“مجد”)، وترأَّسه يحيى السنوار، القائد الحالي لحركة “حماس” في قطاع غزة، ونائبه روحي مشتهى، عضو قيادة الحركة. وقرّر الشيخ ياسين تشكيل جهاز عسكري، اسمه “المجاهدون الفلسطينيون”، وتولّى رئاسته الشهيد صلاح شحادة. ونفّذ الجهاز أبرز عملياته عام 1989، عبر أسر جنديين صهيونيين. وساهم الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ويحيى السنوار وروحي مشتهى وصلاح شحادة، وغيرهم من الكوادر القيادية الشابّة في حينه، في تشجيع القيادة السياسية/الدعوية على انطلاق العمل العسكري، وتأسيس حركة ترفع شعار المقاومة، وتشارك بفعّالية في الانتفاضة. وشارك في الاجتماع التأسيسي الأول مسؤولو المناطق الإدارية في قطاع غزة، الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وعبد الفتاح دوخان وعيسى النشار وإبراهيم اليازوري وعيسى النشار وحسن شمعة (رئيس مجلس الشورى)، وترأّسه الشيخ ياسين. بتاريخ 14/12/1987، تقرّر إنشاء حركة المقاومة الاسلامية (“حماس”)، والتي اختُصرت في حينه بأحرف ثلاثة هي: ح، م، س، ثم أصبحت “حماس”، وأصدرت بيانها الأول في مثل هذا اليوم، وذُيِّل بشعار “إنه لجهاد: نصرٌ أو استشهاد”.
مرّت الحركة في محطات تاريخية شكّلت تحدياً لوجودها، ولاسيما في مرحلة التأسيس. فبعد أن قرّر الشيخ ياسين ورفاقه حمل السلاح، وبدأت توجُّهات الحركة نحو الانخراط في العمل المقاوم، عام 1983، أمر ياسين بتشكيل خلايا عسكرية، وكلّف مجموعة من الكوادر القيامَ بهذه المهمة، وهم الشهيد إبراهيم المقادمة وعبد الرحمن تمراز وأحمد الملح ومحمد شهاب والشهيد صلاح شحادة. وبسبب ضعف الخبرة الأمنية في حينه، تمكّن الاحتلال من تفكيك الخلايا واعتقالها، ومصادرة السلاح الذي تمّ جمعه.
تعرّضت الحركة لضربة بليغة، تنظيمياً وعسكرياً، عام 1989، بعد أسرها جنديين صهيونيين، أدّت إلى كشف أغلبية البنى الحركية واعتقال معظم أعضائها، ومنها التنظيم الأمني “مجد”، والتنظيم العسكري “المجاهدون الفلسطينيون”.
تمكّنت الحركة من التغلّب على الضربات العسكرية والتنظيمية التي وُجِّهت إليها. وشكّل الشهيد ياسر النمروطي خلايا عسكرية جديدة، حملت اسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، عام 1992. ويُعتبر النمروطي القائد العام الأول لـ”القسّام”، لكنه استُشهد في هذا العام خلال اشتباك عسكري، وخلفه الشهيد جميل وادي.
تمكّنت كوادر عسكرية عام 1992 من الانتقال إلى الضفة، مثل محمد الضيف والشهيد عماد عقل وبشير حماد وصلاح جاد الله، وشكّل هؤلاء خلايا مع القيادات العسكرية في الضفة، مثل صالح العاروري وزاهر جبارين وإبراهيم حامد، والشهداء عادل عوض الله ويحيى عياش وعدنان مرعي وعلي عاصي. ونفّذت الخلايا عمليات عسكرية نوعية وقوية، أبرزها عملية أسر جندي الاحتلال نسيم توليدانو، والتي أُبعد في إثرها ما يقرب من 450 كادراً وقيادياً من الحركة إلى مخيم مرج الزهور في جنوبي لبنان، الأمر الذي يُعتبر أحد التحديات الصعبة في تاريخ الحركة، لكنها تغلّبت عليه، وأحبطت الجريمة الصهيونية، وعاد المبعَدون خلال عام بعد أن رفضوا التوجه إلى الجنوب اللبناني، وأنشأوا مخيَّماً موقّتاً هناك.
وصف رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك حركة “حماس” بأنها كالتنّين، كلما قُطِع منها رأس تولد غيره رؤوس متعددة، تعبيراً عن يأسه من إمكان إضعاف الحركة، أو القضاء عليها.
شكّل قطاع غزة المعقل الأساسي لـ”حماس”، وفيه أنشأت الحركة اللبنات الأولى لأذرعها الأمنية والعسكرية. وتطوّر العمل العسكري لكتائب القسام منذ عام 1992، حتى تمكّن، عبر المقاومة العسكرية، إلى جانب قوى المقاومة الأخرى، من تحرير قطاع غزة عام 2005، كأول قطعة أرض فلسطينية محرَّرة منذ احتلال فلسطين. وتحوّل القطاع إلى ساحة تدريب وتأهيل وبناء للمقدرات العسكرية لكتائب القسام وفصائل المقاومة.
تجاوزت حركة “حماس” تحديات مسارها العسكري المقاوم. فبعد أن كانت خلاياها العسكرية محدودة، ولا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وتضم بضع عشرات في صفوفها مسلّحة بعدد محدود من السلاح الخفيف، تحوّلت إلى جيش عسكري منظَّم، يضمّ عشرات آلاف المقاتلين، وتشكيلات وتخصصات عسكرية متعدِّدة، الأمر الذي مكّنها، الى جانب فصائل المقاومة، من مواجهة أربع حروب شرسة شنّها العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ عام 2008، آخرها معركة “سيف القدس”، التي قُصفت فيها القدس و”تل أبيب” المحتلتان، بمئات الصواريخ، واعترف العدو بأن كثافة إطلاق الصواريخ، التي تخطى عددها الـ 4000، غير مسبوقة منذ إنشاء الكيان.
تغلّبت حركة “حماس” على تحديات التأسيس والنشأة لعملها العسكري المقاوم، وتطوّرت مقدِّراتها العسكرية، وساهم محور المقاومة، وتحديداً إيران وحزب الله، في هذا التطور اللافت. وبعد 34 عاماً على انطلاقتها، ما زال العمل العسكري يواجه تحديات كبيرة، أبرزها توقف الإمداد العسكري، الأمر الذي اضطر الحركة إلى الاعتماد على التصنيع المحلي بدلاً منه، والتحدي المالي، وتحدي عرقلة العمل العسكري في الضفة المحتلة، بسبب التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، وتحدي تفعيل العمل العسكري في الساحات خارج فلسطين، وتحدي التفوق النوعي للعدو، وغيرها من التحديات.
تسعى حركة “حماس”، في عامها الـ34، لمواجهة التحديات أمام تطورها العسكري المقاوم، كما تسعى لاستثمار الفرص، وأبرزها بناء مكوّنات المقاومة وتوسيعها، وتعزيز أكبر للتنسيق والتعاون، والحراك اللافت للعمل المقاوم في الضفة والقدس المحتلة، وتفاعل الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، وفي الشتات، وهي بمثابة القوة الكامنة والتي كشفتها معركة “سيف القدس”، وجهوزية الجبهات للمواجهة مع العدو، ولاسيما جبهة الجنوب اللبناني بقيادة حزب الله والدعم الايراني، بالإضافة إلى جبهتي العراق واليمن، وهي الجبهات التي يخشى العدو مشاركتها في حرب متعددة الجبهات قد تحدث مستقبلاً.
ترى حركة “حماس” أنها، بعد مضي 34 عاماً على انطلاقتها، استطاعت أن تُحْدِث تحوّلاً في معادلة الصراع مع العدو، من خلال تمسكها بنهج المقاومة في مواجهة الاحتلال، وسعيها الدائم لتسخير جلّ جهدها من أجل تطوير بنيتها العسكرية، كَمّاً ونوعاً، ومواجهة التحديات في طريق مشروعها المقاوم، حتى التحرير والعودة.