فرنجية رئيساً بتوافق الخارج.. ماذا عن «الإمارات اللبنانية»؟
صحيفة السفير اللبنانية:
للمرة الأولى منذ سريان الفراغ الرئاسي في القصر الجمهوري، يمكن القول إن معظم العناصر الدولية والإقليمية تشي باكتمال المظلة الخارجية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
من واشنطن وموسكو إلى الرياض مرورا بباريس والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لا شيء يمنع مجلس النواب اللبناني من الالتئام في أول جلسة انتخابية مقررة وأن يختار سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية.
حتى أن أبرز حليفَين لفرنجية، وهما سوريا وايران لا تخفيان حماستهما لوصوله الى سدة الرئاسة، بخلاف كل ما قيل حتى الآن، فالرئيس السوري بشار الأسد كان واضحا منذ اللحظة الأولى مع زعيم «المردة» بأن انتخابه يشكل ضمانة للبنان وسوريا، وأنه من المفيد أن يحصل ذلك بعد خروج سوريا من لبنان، لأنه لو حصل العكس لقيل بأن سوريا هي التي أتت بفرنجية الى رئاسة الجمهورية، وليس مجلس النواب اللبناني.
وكل من راجع الإيرانيين يدرك بأن هؤلاء لا يملكون أي تحفظ على شخص فرنجية وخياراته السياسية، بل على العكس عندما زار طهران في ربيع العام 2007، سمع هناك كلاما من كبار المسؤولين الإيرانيين الذين التقاهم رسميا وبعيدا عن الأضواء، إشادة لم يتغير حرف منها منذ الزيارة الرسمية الأولى له إلى العاصمة الإيرانية حتى الآن، خصوصا أن توقيت تلك الزيارة جاء تعبيرا عن التقدير الكبير له بسبب المواقف الشجاعة التي اتخذها منذ اليوم الأول لعدوان تموز 2006، وقبلها في كل الاستحقاقات التي واجهتها المقاومة.
ولكن المفارقة اللافتة للانتباه في الموقفَين السوري والإيراني أنهما يعطيان لحليفهما اللبناني الأول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مفتاح الرئاسة، وكل ما يتعلق بالشأن السياسي اللبناني، فالرئيس الأسد نصح حليفه فرنجية، بعد أن بارك له، بوجوب أن يعود للحزب، وهذه العبارة ـ المفتاح، يعلم بها على مر السنوات الماضية كل من راجع الإيرانيين بأي شأن لبناني، وخير دليل تلك الزيارات «الماراتونية» للموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو إلى طهران، وكان دائما يطرق الباب ويسمع الجواب نفسه: هذا خيار لبناني أو مسيحي.. راجعوا «حزب الله»!
أما مستشار قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للشؤون الدولية الدكتور علي أكبر ولايتي، فلم تكن نبرته في بيروت مختلفة عن خطاب باقي المسؤولين الإيرانيين الممسكين بالملف اللبناني: ترحيب بأية مبادرة انفتاحية وإشادة بميشال عون وسليمان فرنجية وبأهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتوافق اللبنانيين على مرشحهم الرئاسي!
ويمكن للموفدين الذين زاروا طهران أن يشرحوا أيضا ما سمعوه هناك، وآخرهم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ التي التقت في الصيف الفائت في العاصمة الإيرانية المسؤولين الإيرانيين عن ملف لبنان، وكان جوابهم واضحا: «نحن لا نتدخل في الشأن الداخلي اللبناني. على المسيحيين أن يجدوا حلا للمعضلة الرئاسية، وإذا تعذر الأمر عليهم في بيروت، فليتوجهوا سوية إلى الفاتيكان».
الحريري في باريس: الإنجاز قريب
قد يبادر كثيرون إلى محاولة انتزاع أدوار، محليا، في قضية ترشيح فرنجية، لكن البعد الخارجي يتقدم حتى الآن على ما عداه من أدوار لـ «الإمارات اللبنانية». الدليل ليس فقط التواصل الذي حصل بين الإدارة الأميركية والنظام السعودي، قبيل انتهاء مهمة السفير ديفيد هيل في بيروت، بل ما سمعه النائب وليد جنبلاط في العاصمة السعودية في زيارة المصالحة التي قام بها، من قبل أركان المملكة في قلب الديوان الملكي عن تأييدهم لترشيح فرنجية، حتى أن الفرنسيين لا يخفون أنهم كانوا سيناقشون على جدول أعمالهم مع الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في الزيارة التي ألغيت، هذه القضية تحديدا.
وأمس، وفور انتهاء لقاء الرئيس سعد الحريري بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في باريس، شغّلت دوائر قصر الإليزيه محركاتها في أكثر من اتجاه، ولعل البداية من الرسالة التي ستصل في غضون ساعات إلى دوائر قصر بسترس في بيروت، وتتضمن موقفا فرنسيا واضحا بالمضي في خيار ترشيح فرنجية حتى النهاية، وأن تكون جلسة السادس عشر من الشهر الحالي، جلسة انتخابية تتوج بانتخاب فرنجية!
كما بدا واضحا أن الحريري، أمس، بـ «أمله الكبير بانجاز الاستحقاق الرئاسي قريبا» (وعودته الأقرب إلى بيروت قبل نهاية هذا الشهر)، ينام على «شيء ما» حسب مراسل «السفير» في باريس الذي نقل عن أوساط لبنانية معنية قولها إن الاتصالات بين الحريري و «التيار الوطني الحر» لم تنقطع، وإن الأمور «تحتاج إلى المزيد من الحوارات والوقت.. والمهم عدم الاستعجال وحرق المراحل، خصوصا أن الظروف الدولية والإقليمية أكثر ملاءمة من أي وقت مضى».
عسيري.. والراعي يباركان
واللافت للانتباه أن المواقف الصادرة من باريس تقاطعت مع عنصرَين هامَّين: أولهما إعلان السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري «مباركة» السعودية للمبادرة بترشيح فرنجية، في موقف تم اختيار منبر بكفيا الكتائبي لتظهيره عبره، إلى حد أن عسيري سأل نفسه وأجاب عن السؤال، ليقطع بذلك الطريق على التأويلات التي أعطيت لموقفه الأول (الثلاثاء الماضي) الذي اتخذ طابعا استيعابيا من زاوية التجاوب مع الملاحظات التي أسديت للسعوديين، بأن يربطوا الاستحقاق الرئاسي بتوافق اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، حتى لا يُقال إن الرئيس الجديد أيا كان اسمه، يأتي بإرادة السعوديين لا اللبنانيين وخصوصا المسيحيين.
أما العنصر الثاني، فيتمثل بعودة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى بيروت وإدلائه بموقف إيجابي سيعكسه أكثر، اليوم، مجلس المطارنة الموارنة، حيث سيتضمن بيانه الشهري تقييما إيجابيا لترشيح فرنجية، من زاوية كسر الركود، علما أن الراعي كان صريحا في محطته الألمانية الأخيرة، إذ قال لسائليه في برلين إنه شاهد على اجتماع أقطاب الموارنة الأربعة على طاولته البطريركية في بكركي، «وهم تعهدوا أمامي بأننا نخرج من هنا بتوافق مفاده أن أي مرشح منا يحظى بأكبر توافق وطني نسير به جميعا إلى جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، معتبرا أن هذه المعادلة تنطبق اليوم على سليمان فرنجية «فأنا أريد للانتخاب أن يتم اليوم قبل الغد، ولا يجوز الاستهتار بواقع الفراغ الذي يشل المؤسسات الدستورية وما يرتبه من آثار سلبية على حياة كل اللبنانيين».
فرنجية يخرج من بكركي مرتاحا
هذا الكلام أعاد الراعي، تأكيده ليل أمس، على مسمع سليمان فرنجية الذي خرج من بكري مرتاحا ومطمئنا إلى ما سيكون عليه موقف المطارنة الموارنة اليوم مع وعد بطريركي بـ «خطوات ما»، لا بل تحدث زعيم «المردة» للمرة الأولى بصفته رئيسا عندما قال: «أنا كرئيس للجمهورية سأعمل دائما على إيجاد قانون ينصف التوازن الوطني».
يبقى السؤال هل هذه العناصر الخارجية والداخلية كافية لانتخاب رئيس للجمهورية؟
من الواضح أننا نواجه مرحلة شبيهة فعليا بمرحلة نهاية الثمانينيات، عندما حصل التوافق بين الأميركيين والسوريين على مخايل الضاهر لرئاسة الجمهورية، غير أن العناصر المحلية، وخصوصا المارونية، أدت إلى تطيير الاستحقاق الرئاسي وصولا إلى ترجمة معادلة «مخايل الضاهر أو الفوضى».
لا عنصر مستجدا في موقف الرابية يتجاوز السقف الذي رفعه العماد ميشال عون بأولوية ترشيحه، ولا عنصر مستجدا في معراب سوى ما نقل عن لسان سمير جعجع بدعوته «الجنرال» إلى ملاقاته بتسمية مرشح ثالث بينهما لقطع الطريق على وصول فرنجية.
هل يلتقي فرنجية وعون قريبا كما اتفقا أمس الأول، وهل هناك احتمال بأن يحصل لقاء بين عون وجعجع قريبا، خصوصا أن رحلة الأخير للسعودية، لا يبدو أنها موضوعة في حسبان الطرفين؟
السؤال الأكبر أيضا كيف سيتصرف «حزب الله» إزاء خيار مضي سليمان فرنجية بترشيحه الرئاسي؟
الجميع ينتظر العماد عون والسيد نصرالله.
تطورات الساعات الماضية والأيام المقبلة تشي ببداية تبلور اقتناع بأن السلة الكاملة المتكاملة (رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة وحكومة وقانون انتخاب) التي سبق للسيد نصرالله أن بادر إلى طرحها لا يمكن التعاطي معها بالقطعة والمفرق. اسمها سلة كاملة تبدأ بالرئاسة وتنتهي بقانون الانتخاب على أساس النسبية، وهي ستكون جدول أعمال لحوار مقبل، كما جاء في المقدمة السياسية لنشرة أخبار «أو تي في» ليل أمس!
أما رئيس «المردة» فلسان حاله تعليقا على الطريقة التي يتعامل بها بعض حلفائه مع ترشيحه هي أن حال «8 آذار» هي كحال من ربح جائزة «اللوتو» الكبرى، لكنه يرفض استلامها، ويدعو القيمين على السحب إلى إعادة الكرّة!