«فتوى» الحريري عن الزواج المدني تصدم الإسلاميين
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
عبد الكافي الصمد:
صدق الرئيس سعد الحريري في إطلالته التلفزيونية أول من أمس حين قال إن المواقف التي سيعلنها ستلحق الضرر به إسلامياً ومسيحياً على حدّ سواء. إسلامياً، شكّل موقف الحريري من الزواج المدني وإعلانه أنه يؤيده، لكنه في الوقت نفسه لا يتزوج مدنياً ولا يسمح لأولاده بذلك، «صدمة» في الشارع الطرابلسي؛ لأن إطلاق النار والمفرقعات ابتهاجاً بإطلالته، توقف عندما أعلن موقفه من هذا الموضوع.
عدم ارتياح جزء لا بأس به من الطرابلسيين من موقف الحريري تُرجم أيضاً في انتقاده علناً في خطب المساجد أمس، والتهجم عليه في أول خطوة من هذا النوع تشهدها طرابلس. وكان لافتاً أن انتقاد خطباء المساجد للحريري، لم يقتصر على من يأتمر بدار الفتوى ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني فقط، أو المقربين من فريق 8 آذار ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بل انسحب كذلك على مشايخ يُعدّون تقليديين ومحسوبين على تيار «المستقبل»، وآخرين محسوبين على الجماعة الإسلامية والتيار السلفي.
أبرز ردّ على الحريري جاء من مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال، الذي يُصنف عادة في خانة الداعمين البارزين للتيار الأزرق. فقد نصح الشهال الحريري «ألا يخسر دينه من أجل أناس لا يعرفون دينهم أو لا يريدون الدين أصلاً»، مشيراً إلى أنه «ليس صحيحاً أن الخلاف في هذه المسألة هو مع المؤسسات الدينية وبعض المشايخ فحسب، بل الخلاف هو مع قطاعات كبيرة جداً من الشعب اللبناني».
ورأى الشهال أن «المنتسبين إلى الطائفة السنية حسب الهوية، كلهم تقريباً ضد هذا المشروع الفتنوي الذي تجاسر الحريري على تبنيه، فيما كان ضعيفاً في مواجهة ورفض مشاريع وسياسات أخرى أضرت بالبلد عموماً والطائفة السنية خصوصاً». ورأى أن الحريري «سقط في فخ الفتنة الداخلية للطائفة السنية»، مستغرباً عدم اكتفاء الحريري «بمحاولة اختصار الطائفة السنية سياسياً، بل يصر على اختصارها إسلامياً ودينياً». وحذر الحريري من أنه «إذا كان لا يعجبه إفتاء مفتي الجمهورية اللبنانية بهذا الشأن، ونصب نفسه مفتياً وقاضياً دينياً في هذه القضية، نقول له إنّ الأحكام الشرعية لا تقوم على أساس من العواطف ولا على أساس ومنطلقات لأهداف سياسية أو أفكار تخالف الفطرة السليمة والعقل الصريح الموافق للشرع الصحيح».
تداعيات موقف الحريري من الزواج المدني لم تقتصر على الوسط الديني والشعبي في طرابلس والشمال فقط، بل امتدت إلى داخل تياره السياسي أيضاً، بعد تناقض برز بين موقف الحريري ومواقف بعض نواب تيار المستقبل من القضية. فالنائب أحمد فتفت مثلاً رأى قبل إطلالة الحريري أن «هناك مشكلة» في قضية الزواج المدني، مؤكداً أنه «لا نستطيع أن نمضي به لأسباب عقائدية».
الإرباك الذي حصل داخل صفوف التيار دفع مصادر سياسية إلى أن يتوقعوا أن «يرتد موقف الحريري عليه سلباً، وأنه سيكلفه كثيراً في الشارع السني، لأنه لم يعارض فقط موقف المرجعية الدينية السّنية، بل موقف والده أيضاً، الذي وقف ضد إقرار قانون الزواج المدني إبان عهد الرئيس الياس الهراوي في التسعينيات».
ومع أن المصادر رجّحت أن يكسب الحريري بموقفه هذا شرائح علمانية في الطائفة السنية مؤيدة للمشروع، وفي طوائف أخرى أيضاً، فإنها رأت في المقابل أن هذه الشرائح يقتصر تأثيرها ووجودها في العاصمة، مع استثناءات قليلة في طرابلس وصيدا.
ورأت المصادر أن «أغلب الوسط السني في لبنان محافظ ومتدين، ويمثل أبناء الريف ثقلاً هاماً فيه، وهو لن يسير خلف الحريري في موقفه، فضلاً عن أنه يخضع لتأثير الوسط الديني، دار الفتوى وسواها».