غموض المشهد الميداني في شمال سورية
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
ضغوط أميركية تتقدّم، حيال العملية العسكرية التركية في شمال سورية، وتضارب المواقف أدّى إلى غموض كثيف في المشهد الميداني، فهل حقاً ستقدِم تركيا على عملية عسكرية برية في الشمال السوري؟ وماذا عن القرار النهائي التركي؟ وماذا عن التصريحات الأميركية والتركية معاً؟ وهل هي محاولة ابتزاز فعلية أم تكتيك سياسي عسكري تركي؟
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أبلغ نظيره التركي، معارضة واشنطن القوية عملية عسكرية تركية في سورية، كما عبّر أيضاً عن قلقه الشديد من تهديد سلامة الجنود الأميركيين في الشمال السوري، بينما قسد تطالب واشنطن بتهديد أقوى رغم رسائل الطمأنة الأميركية، إلا أنها لا تستبعد العملية العسكرية، ومع هذا لم تحسم أنقرة موقفها النهائي، ولكنها طالبت واشنطن بإجراءات ميدانية عملية، لتتفهّم الوضع كلياً، هنا نقطة هامة لفتت الانتباه وجذبت التحليل في تركيبة الخلطة السياسية، التي تأخذ منحى الضجة الإعلامية الكبيرة، وهي بمثابة التكتيك، لأنّ أنقرة منذ بداية الحرب على سورية وهي تهدّد باجتياح في الشمال السوري، سواء كان شرق الفرات أم غرب الفرات، ما يعني أنّ أردوغان يحاول ترميم حادثة التفجير الذي حصل في شارع الاستقلال في اسطنبول، لأنه يحمل الكثير من الغموض بكلّ معطياته، وربما هو أعلم بما حصل في تلك الليلة، والترميم هنا ليس استراتيجياً بقدر ما هو سياسي وأمني.
لماذا هذا التكتيك في هذا التوقيت الذي من المفروض أن يعمل على إجلاء الإرهاب الذي تسلل عبر أرضيهم إلى سورية، وبنفس الوقت يهدّد السلم الأمني على الحدود، لأنّ كلّ مجريات الأحداث والوضع الإقليمي والدولي غارق بمشاكله الداخلية والخارجية، وعليه يجب أن يحظى أردوغان بفرصة ذهبية، كي يكسب المزيد من عناصر التكتيك لصالحه، وهنا يجدر التوضيح أنّ الرئيس التركي يلعب على العديد من محاور النقاش، لأنه بحاجة ماسة إلى كيان كردي موال له شرق الفرات ضدّ قسد، وضدّ الجناح الكردي في قسد، أيّ وحدات حماية الشعب الكردية، ومسعود البارزاني يساعد تركيا في هذا الوضع،
هذا من جانب… بينما الجانب الآخر هو أنّ أردوغان منذة فترة وهو يحاور حزب الشعوب الديمقراطي وهو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، لماذا يحاوره؟ طبعاً لإبعاده عن المعارضة التركية في الداخل، ومن ثم منع هذا الحزب من التصويت ضدّه في الانتخابات المقبلة، وبالتالي كلّ التهديدات تصبّ في خانة الرسائل المتبادلة بين أنقرة وبين القيادات الأخرى التي تراهن على الورقة السورية التركية لتثبت بذلك للولايات المتحدة الأميركية أنّ أنقرة هي الأقوى بين كلّ هذه المعادلات، لكن الحقيقة في الداخل تعكس جبروت أردوغان الذي يتظاهر ويتفاخر بها، لأنّ الديناميكية في السياسة التركية لم تتغيّر وهي بحالة سيئة جداً، لذا تقوم تركيا وأردوغان على التجييش في محاولة للابتزاز السياسي في مناطق سورية للحصول على مكاسب من الولايات المتحدة ومن روسيا ومن الكرد في آنٍ معاً…
أما في ما يتعلق بالقرار النهائي التركي والوضع الميداني والعسكري، هناك ربما أكثر من سيناريو متعلق ما بين متقدّم، وآخر بين التأهيل والتنفيذ، وربما التأجيل، كان سبق أن انطلقت عمليات عسكرية برية تركية داخل الأراضي السورية منها غصن الزيتون، ودرع الفرات وغيرها، البعض لا يعلم مدى جدية هذه التصريحات، لا سيما أنّ الأتراك يؤكدون هذه الجدية، كما تراءى للبعض أنّ هناك حشوداً عسكرية وتعزيزات وإلى ما هنالك، ولكن الأهمّ هو أنه لم يصدر أيّ بيان من الأمن القومي الذي اجتمع أمس، بخصوص هذا الأمر، وإذا تركنا نصاب الأمور وما يخطط له أردوغان في المرحلة المقبلة، هو أن يجسّ نبض مواقف العواصم العربية، في حال حدث شيء… مثلاً روسيا منشغلة بأحداث أوكرانيا، والرئيس بوتين تربطه علاقة جيدة مع أردوغان في حال تحرك أو لم يتحرك، كلّ ما هنالك أنّ الأميركيين لا يريدون لأردوغان أن يتورّط أكثر في التحالف مع روسيا، وفي النهاية تحصيل حاصل إذا لم تكن هناك موافقة روسية لن يحصل عملية عسكرية برية، وهذة الموافقة غير متوفرة، ودون موافقة الولايات وروسيا معاً لن تكون هناك عملية عسكرية، بناء على توتر العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة وما يخصّ مسألة دعم الولايات للفصائل الكردية في شمال سورية، خاصة بعد أن تعرّضت تركيا لعملية إرهابية في اسطنبول، والولايات المتحدة الأميركية هي من ترسل السلاح لهؤلاء الإرهابيين كما تسمّيهم تركيا، فأيّ تناقض تمارسه الولايات المتحدة في علاقاتها مع تركيا؟ عدا عن مسألة التوقيت في ذهن الحسابات التركية بعد مصالحة أردوغان مع السيسي، وربط الأحداث ومجرياتها مع باقي العواصم العربية التي تقف ضدّ سورية…