عيد الإستقلال ورمزية المعادلة الثلاثية
موقع العهد الإخباري-
د.علي مطر:
يعدّ لبنان أحد أهم البلدان في استراتيجية السياسة الأميركية ـ الإسرائيلية في منطقة غرب آسيا، ويأتي ذلك كسبب رئيسي من أجل الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، نتيجة الموقع الجغرافي للبنان المحاذي لفلسطين المحتلة، ووجود المقاومة فيه على مرّ تاريخ احتلال الكيان للأراضي الفلسطينية، وما تحمله من تهديد ومواجهة لأمن الكيان، واندراج لبنان في مشروع التقسيم الذي يُحاك للمنطقة.
لقد ظهر التنسيق بدرجة عالية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، فيما يتعلق بالملف اللبناني، ومع ذلك كان الفشل يلاحقهما دائماً في محاولاتهما للقضاء على المقاومة التي أصبحت تغير المعادلات منذ العدوان الصهيوني في تموز/ يوليو من العام 1993، والتي صنفتها أميركا (ام الإرهاب) كحركة إرهابية لا سيما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر من العام 2001.
أدى هذا الفشل الأميركي – الإسرائيلي خاصة في مواجهة المقاومة التي كانت ضرباتها موجعةً بشكل كبير جداً إلى الاندحار الإسرائيلي في 25 ايار/ مايو من العام 2000، وهذه الهزيمة أدت ايضاً إلى بناء قدرات عظيمة للمقاومة أفشلت لاحقاً خلال حرب تموز/ يوليو العام 2006 المخطط الأميركي ببناء شرق أوسط كبير، وهو ما أظهر الدور المتكامل للجيش والمقاومة وجعله أساسياً في تحرير لبنان وانتصاره وحمايته.
وعلى الرغم من كل ما حصل للبنان من أزمات وعلى رأسها الاجتياحات الإسرائيلية للبنان من العام 1978 وما قبله من اعتداءات، إلا أن هناك من كان مدركاً لأهمية العمل من أجل تحريره وحفظ أمنه واستقلاله وسيادته وأدى إلى ولادة ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، ومن ثم من خلال تثبيت هذه المعادلة في القتال جنباً إلى جنب لتحرير الجرود اللبنانية من الجماعات الإرهابية.
يأتي عيد الاستقلال هذا العام في ظل أوضاع صعبة يمر بها لبنان، ومع ذلك فإن ما يحفظ هذا البلد هو المعادلة الماسية، فهذه المعادلة استطاعت أن تثبت أمن لبنان واستقراره في إسقاط أهداف اعداء السيادة والحرية، ومن ثم استطاعت أن تحمي أمن لبنان واستقراره في مواجهة الجماعات الإرهابية.
لقد شكلت هذه المعادلة حصانةً للبنان، فبينما كانت المقاومة تقوم بواجب الدفاع عن الأرض، كان الجيش يؤازرها ويصمد في مواقعه معززاً بوقفة الشعب اللبناني إلى جانبهما من جهة، واحتضان النازحين من قراهم ومدنهم خلال الاعتداءات الصهيونية والتكفيرية على السواء من جهة ثانية.
حقّق اللبنانيون إنجازاتٍ هامّة، في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهذا ما كان له في الواقع الاستراتيجيّ والسّياسيّ دلالاتٌ كثيرةٌ، أبرزها أنّ لبنان في صلب المعسكر الحقيقيّ لمكافحة الإرهاب، وأنّه جديرٌ بهذه المواجهة. هذه المعادلة كان لها تأثيٌر على محور الأمن القوميّ العربيّ ككلّ، وخاصةً في ما يتعلق بالأزمة السوريّة، لا سيما وأن هذا الانجاز أسقط مخطّط عزل لبنان عن سورية، وكذلك لعبت دوراً هاماً ولا تزال إلى اليوم.
لقد تكرست معادلة الجيش والشعب والمقاومة في كل البيانات الوزارية، حيث إن بيانات الحكومات اللبنانية لحظت بشكل مستمر هذه المعادلة، مع اختلاف في التعابير والصياغات، وعلى سبيل المثال أشارت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة إلى التمسّك باتفاقيّة الهدنة والسعي لاستكمال تحرير الأراضي اللبنانية المُحتلة، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي إعتداء والتمسّك بحقه في مياهه وثرواته، وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في المُقاومة للاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المُحتلة.
أمام أهمية هذه الاستراتيجية، وعدم الرضا الأمريكي الاسرائيلي عن هذا التلاحم الخاص بين الجيش والمقاومة، عملت الولايات المتحدة الأميركية دائماً، لتحقيق خرق ما فيها وأهداف عدة وعلى رأسها تفكيك هذه المعادلة.
وتعد المساعدات الأمريكية أحد أخطر الملفات التي تسعى واشنطن عبرها للسيطرة على لبنان، وجعله أداة طيعة لها، لتستطيع من خلال نفوذها داخل المؤسسات تحقيق أهداف عدة، على رأسها حفظ أمن كيان العدو الإسرائيلي، فضلاً عن تحقيق أجندات داخلية تتعلق بإدخال الجيش اللبناني بمواجهة مع المقاومة، ومن ثم العمل شيئاً فشيئاً على نزع سلاحها.
اليوم نحن أكثر ما نكون بحاجة إلى حفظ أمن لبنان واستقراره، وأن نتمسك بهذه الثلاثية في مواجهة كل من وما يهدد أمن لبنان، فمن الواضح أن واشنطن تريد ضرب هذه المعادلة، التي تشكل حصناً رئيسياً للبنان، وتحفظ أمن أبنائه، وتشكل تهديداً للعدو الإسرائيلي، ولذلك لا بد أن يكون عيد الاستقلال احتفالاً باستقلال لبنان، وتأكيداً على تحريره، ومن ثم تأكيداً على حفظ أمنه، من خلال هذه الثلاثية التي أثبتت نجاعتها.