عودة العرب إلى سورية وبداية نظام إقليمي جديد
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
مشهد منطقة الشرق الأوسط الحالي يشير إلى جو من «التهدئة»، بعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، ما يؤكد رغبة دول المنطقة في بدء صفحة علاقات إيجابية جديدة.
وهذا المشهد يعكس ضعف العامل الخارجي «المعطّل»، وهو العامل الأميركي بصورة عامة، وخصوصاً أن أميركا وإسرائيل، عملتا، خلال عدة عقود، لتغذية الخلافات بين دول المنطقة، وتحويلها إلى صراعات صفرية يصعب حلها، لكن اليوم فإن الإنسان العربي متفائل بولادة نظام إقليمي جديد في المنطقة مع انطلاق مسارات تطبيع العلاقات ونجاح معظم الأطراف في إعادة العلاقات الثنائية.
القمة العربية في جدة السعودية أكدت تحولات حصلت، من أهمها عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، وبيان القمة الذي صدر أكد ضرورة بلورة إستراتيجيات لمواجهة التحديات المشتركة في السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة.
والتحولات التي حصلت على مستوى تطبيع العلاقات في المنطقة، تُبشر ببداية إقامة نظام إقليمي جديد، وقمة جدة تشكل منعطفاً أساسياً لعملية بناء هذا النظام، ليحل مكان نظام الفوضى الذي كان سائداً وحاضناً لصراعات دموية، وتدخلات في الشؤون الداخلية والذي كلف شعوب المنطقة أثماناً غالية، فالعرب أمام فرصة تاريخية لإعادة ترتيب أوضاعهم، والانطلاق لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم كما قال الرئيس بشار الأسد في قمة جدة: نأمل في أن «تشكل بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن في منطقتنا للتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار».
النظام الإقليمي يجب أن يعتمد قواعد ومبادئ تحترم سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها، ويكرس قواعد لإدارة خلافات البيت العربي، وكيفية احتوائها وتسويتها وعدم السماح بالوصول إلى مخاطر الصدام.
المملكة العربية السعودية قادت بحكمة، المساعي العربية لعودة العلاقات مع دمشق واستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية، والمراقبون يرون أن موقف السعودية نحو دمشق ليس حركة تكتيكية، بقدر ما هي رؤية إستراتيجية متكاملة مع صعود دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتراجع دور الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وتوجه المملكة السعودية شرقاً نحو روسيا والصين وبروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وجاءت القمة الصينية العربية، في الرياض عام 2022، تكريساً لدور المملكة ورغبتها في إنهاء الخلافات العربية- العربية.
ويرى المراقبون أن قادة المملكة السعودية مقتنعون بضرورة انتهاج سياسة جديدة واقعية مع سورية في إطار استقلالية قرار المملكة وانطلاقاً من مصالحها الوطنية أولاً بعيداً، قدر الإمكان، عن الضغوط الخارجية وخاصة الأميركية منها.
سورية، بعد أعوام من الحرب الكونية الإرهابية، انتصرت على الإرهاب، صمدت بثوابتها الوطنية وتوجهاتها العروبية المترسخة لدى قيادتها وشعبها.
بالمقابل القيادة السورية مقتنعة بأن توجهات قيادة المملكة السعودية تغيرت إيجاباً تجاه سورية، وهو ما تحدث عنه الرئيس بشار الأسد، صراحةً، في حديثه خلال زيارته الأخيرة لموسكو.
إن القيادة السعودية ترى أن الظرف الدولي الذي صدر فيه القرار 2254 مغاير لما هو عليه اليوم، كما أن البيان المشترك لاجتماع وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، أكد وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وهو ما تكرر في قمة جدة وفي اجتماع مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والعراق والأردن.
وهذا يعني التزاماً عربياً بشأن إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، وهو ما يتطابق مع موقف دمشق وشروطها لأي تقارب مع أنقرة.
كما أن الرؤية السعودية بشأن عودة اللاجئين السوريين تتقارب مع رؤية دمشق، وهي أن عودة اللاجئين تتطلب تأمين البنية التحتية، وتحسين الأوضاع المعيشية.
وهذا يعني الشروع في إعادة إعمار سورية، ومساعدات عربية ودولية وإنهاء الفيتو الأميركي على ذلك.
بالمقابل لم تعد المملكة تنتظر الضوء الأخضر الأميركي في توجهاتها السياسية الواقعية، إذ يرى المحلّلون الغربيون أن واشنطن لن تكون قادرة بعد الآن على «الهيمنة» على قرار الرياض وسياستها الخارجية.
والأدلة على ذلك كثيرة، منها قرارات «أوبك بلس» الأخيرة، والمتعلقة بخفض إنتاج النفط، والتعاون مع كل من روسيا والصين، والتقارب مع طهران.
عودة العرب إلى سورية وتطبيع العلاقات معها يُبشر ببداية نظام إقليمي جديد يعتمد العمل العربي المشترك، وفي إطار المصالح المشتركة.
وهذا ما لقي ترحيباً من الشعب السوري وقيادته حيث أعلن الرئيس بشار الأسد في قمة جدة، بحكمته وشجاعته، أن الأمل يتزايد مع التقارب العربي العربي، وأن سورية بماضيها وحاضرها ومستقبلها عربية الانتماء، وسورية قلب العروبة.