عودة الحرارة الى هاتف حزب الله ـ الدوحة… ودمشق تـــراقب شمالها المحتل
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
ابراهيم الأمين:
هناك من هو متعجّل قليلاً في حصول استدارة كاملة في المشهد السياسي الاقليمي المتصل بالأزمة السورية. والمتعجّل، يقدم مقاربات لا تفيد في تظهير الوقائع الجديدة في صورة جيدة، بل ربما يؤدي الاستعجال الى احباطات عندما لا تحصل الانعطافات المتوقعة.
في هذا السياق، هناك نقاش حول موقف حركة «الاخوان المسلمين» عموماً، و«حماس» على وجه الخصوص، وحول موقف كل من تركيا وقطر. ويذهب البعض الى حدّ رسم سيناريوهات غير واقعية لها، ولو كان لها اصلها وفروعها. لكن الاساس، هو المناخ الجديد الذي يسود معظم هذه الاطراف في ضوء تطورات الساحتين المصرية والسورية في الاشهر الخمسة الاخيرة.
الواقعية تقتضي الاشارة الى ان نقطة التحوّل المركزية تتعلّق بما جرى بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما أتاح لايران لعب دور متقدم، افسح المجال امام واشنطن لاحداث تغيير جوهري ازاء العلاقة معها. وهو امر كانت له مؤشرات مطلع الصيف الماضي، بعد تقييم لنتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية. يومها درست ايران الموقف، ووجدت انه «لا ضير» في اعتماد تكتيك جديد في مواجهة التحديات القائمة. وقد تشجع الايرانيون اكثر، بعدما اطمأنوا الى تعزز مواقع حلفائهم في سوريا ولبنان والعراق، والى الضعضعة الكبيرة التي تصيب الجبهة الاخرى. وكان لسقوط حكم محمد مرسي في مصر الوقع الكبير.
وبما ان الازمة السورية هي الاكثر سخونة، اعطت ايران الاشارة الى استعدادها لنقاش حول هذه الازمة بطريقة تتيح فتح الابواب امام من يرغب في الحوار. وهو ما جعل اطرافا عدة في المنطقة تعمل على طرق الباب الايراني لجس النبض، في خطوة تحاكي الانفتاح الاميركي على ايران، ولا تجبر هذه الاطراف على استدارة كاملة في لحظة واحدة. وهو، عملياً، ما حصل مع تركيا وقطر، وكذلك مع حركة «حماس»، علماً ان طهران تميّز بقوة بين الحركة الاسلامية الفلسطينية وبين قطر وتركيا. وان المشترك بين الثلاثة هو قاعدة «الاخوان» والانخراط في مشروع ضد النظام في سوريا.
ما حصل عمليا في كل الفترة الماضية، هو:
ــــ بادرت حركة «حماس» الى اتصالات مع حزب الله في لبنان ومع المسؤولين الايرانيين، وحصل تقدم كبير، دفع بالحركة الفلسطينية الى لعب دور جدي في تشجيع المسؤولين في تركيا وقطر على التواصل سريعاً، وبكثافة، مع ايران، والاخيرة لم توصد الباب امام احد، لكنها عرفت كيف تربط هذه التحولات ـــ على بطئها ــــ في اتجاه تثميرها اولا واخيرا في الساحة السورية.
ــــ سمع الاتراك والقطريون، كما «حماس»، كلاماً ايرانياً واضحاً وحاسماً من ان ايران دولة لها استراتيجيتها. لكنها، في هذه اللحظة، تسعى الى ترتيب العلاقات ربطا بالملفات المتوترة، وهذا ما دفع الى شروحات هي عمليا اقرب الى النصائح بأن تلجأ هذه الاطراف الى القيام بخطوات عملية في ما خص الازمة السورية.
ـــ تحول القرار الاميركي والغربي بنقل ادارة ملف المعارضة السورية المسلحة من يد الاتراك والقطريين الى يد السعودية الى عامل ازعاج في انقرة والدوحة، خصوصاً ان السعودية جاهرت بعدائها لهما ربطا بالموقف من «الاخوان المسلمين»، وزادت الرياض من عجرفتها بأن ارسلت الى «حماس» من يقول لها بعد 30 يونيو: «اليوم القاهرة وغدا غزة». وكل ذلك ساهم في جعل تركيا وقطر و«حماس» تسرّع في اتصالاتها مع ايران.
ــــ وصلت طهران الى تفاهمات تتيح توسيع ابواب التواصل مع هذه الاطراف. وشجعت في الوقت نفسه هذه القوى على التوجه صوب بلاد الشام. وقد وجد الاتراك انهم معنيون، كما قطر، بتوجيه رسالة «حسن نية» كان مدخلها ملف المخطوفين اللبنانيين في اعزاز. وهو ما اتاح بعث رسائل عبر وسطاء وموفدين الى من يهمه الامر في دمشق والضاحية الجنوبية.
ـــ بدت قطر راغبة في استئناف العلاقة مع حزب الله وعدم ربطها بمصير البحث حول سوريا. ذلك ان قطر تعي، كما تعرف دمشق والاخرون، بأنها غير قادرة الان على تنفيذ استدارة كاملة. وان اعربت من خلال بعض الرسائل عن استعدادها لادخال تحولات كبيرة، خصوصاً عندما حرص المسؤولون القطريون على تحميل رئيس الحكومة السابق حمد بن جاسم مسؤولية كل السياسات السابقة. وترافق ذلك مع خطوات عملية «ضمن الممكن».
ـــــ تبين ان الاتراك والقطريين يواجهون استحقاقا في مناطق شمال سوريا، بعدما سارعت السعودية الى مطالبة الجهات السلفية العاملة تحت اشرافها والتي تملك نفوذا في تيارات «داعش» و«جبهة النصرة» وبعض كتائب المعارضة، بشن عمليات وقائية استهدفت منع «اي بازار قطري ـــــ تركي على رأسها في سوريا». وتبين لاحقا ان الاتراك والقطريين اظهروا ميلا او استعدادا للتعاون في اقناع قوى المعارضة المسلحة المنتشرة في شمال سوريا الى الاعراب عن استعدادهم للدخول في حوار مع النظام وفق مقتضيات مؤتمر جنيف. وهو امر ترافق مع «قليل» من التشدد من الجانب الامني التركي على الحدود مع سوريا، ومع تقنين آليات الدعم المالي من الجانب القطري لمجموعات مسلحة وسياسية في شمال سوريا، وصولا الى قرار بتقليص حجم الانفاق حتى على المعونات للنازحين، وهو امر حصل في منطقة عكار في لبنان.
ـــ لم يقفل حزب الله الباب في وجه الطارق القطري، لكنه لم يفتح الباب كاملا، بل اعطى اشارة بطيئة الى كونه لا يرفض استنئاف التواصل، وان بعث، على طريقته، برسائل تشير الى ان الموقف من الازمة السورية اساسي في هذه المسالة. وتم ذلك عبر اعادة الحرارة، ولو بشكل خافت، الى قنوات تواصل عملت كثيرا في مرحلة ما قبل الازمة السورية. وهو ما فعله بحذر اكبر الرئيس السوري بشار الاسد الذي تلقى المزيد من الرسائل من قطر وتركيا وحماس، لكنه حرص على انتظار خطوات عملانية قبل اي كلام اخر.
ــــ اتضح لجهات اقليمية ودولية ان مؤتمر «جنيف 2»، اذا انعقد، سيكون نقطة تحول تتيح توسيع دائرة التواصل، وقد تسمح بخطوات اكثر دراماتيكية. وهو ما يفسر في رأي القطريين والاتراك، وحتى «حماس»، الاصرار السعودي على عدم عقد اللقاء، والعمل على الارض للسيطرة على كل المجموعات المسلحة، بما في ذلك كتائب «الجيش الحر» التي تملك صلات بتركيا وقطر. وبحسب متابعين، فان الحساسية القطرية ــــ التركية مع السعودية ارتفعت كثيرا في الاونة الاخيرة، رغم أن امير قطر الجديد كان حريصا على ابلاغ من يهمه الامر، بأن قطر ليست دولة مواجهة، وهي لن تكون خارج اجماع مجلس التعاون الخليجي.
ــــ أظهرت احدى الرسائل ان قطر تراهن على التوصل الى تفاهمات مقبولة من جانبها، تتضمن حصول تغيير ما في الواقع السياسي بين الحكم والمعارضة في سوريا، وهي مستعدة في حال حصول ذلك الى «الكبس على زر» التحول في كل النواحي الاعلامية والسياسية والامنية، بما في ذلك، الاعلان عن برنامج دعم مالي لاعادة اعمار ما هدمته الحرب السورية.
التبدلات الميدانية والسياسية تسير بخطى حثيثة، والارباك الذي تتسم به السياسة السعودية، تحول عنصر تحفيز لآخرين يسعون الى عدم دفع الثمن مضاعفاً. ولكن كل ذلك يظل رهن الخطوات الاميركية. ومن استعجل الامر قبل اوانه، ربما عوقب بحرمانه!