عنصرية الغرب الرأسمالي
صحيفة المنار الفلسطينية-
طلال عوكل:
تركّز آلة الغرب الرأسمالي وتكثف حملاتها الإعلامية والسياسية على اتهام روسيا بأنها من اختارت وبادرت إلى الحرب، وقد حققت إجماعاً غربياً على مواجهة روسيا، لكنها لم تحقق إجماعاً دولياً.
الولايات المتحدة كانت قد فعلت كل شيء لمحاصرة روسيا وتهديدها بالقواعد العسكرية، والأسلحة الثقيلة الاستراتيجية، قبل اندلاع القتال الأخير، حتى لم تبقِ لروسيا أي خيار سوى التحرك لضمان أمنها الاستراتيجي.
كان بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها التوصل إلى اتفاق عَبر الحوار مع روسيا، قبل اندلاع القتال، وخلال مرحلة إجراء المناورات العسكرية للقوات الروسية. لكنها لم تفعل بل رفضت بعناد الاستجابة للمخاوف والمطالبات الروسية، وكأنها أرادت نصب كمين لإرغام روسيا على أن تفعل ما فعلت، بهدف إضعافها عسكرياً واقتصادياً وإرغامها على القبول بالإملاءات الغربية.
هذا يعني أن ثمة سياسة غربية، مستعدة للتضحية بأوكرانيا لتحقيق هدف إضعاف روسيا ومحاصرتها، فإن فشلت روسيا في تحقيق الأهداف التي طرحتها منذ البداية ولا تزال تتمسك بها، فإن عليها أن تدفع الثمن، وأن تعاني من وطأة العقوبات القاسية، وإن فشلت فإن حلف «الناتو» سيتوسع نحو ضم كل من أوكرانيا وجورجيا.
اليوم، يتباكى الغرب على حقوق الإنسان في أوكرانيا ويتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب، قبل أن يتم التحقيق في مثل هذه الاتهامات. ولكنه يتجاهل ارتكاب إسرائيل جرائم حرب متكررة، حتى بعد أن قامت مؤسسات دولية وآخرها منظمة العفو الدولية «أمنستي» بتحقيقات مستفيضة استمرت لأربع سنوات.
كانت العنصرية الغربية قد أغلقت عيونها وآذانها عن الجرائم البشعة التي ارتكبتها القوات الصربية، وقوات بعض الحلفاء بحق أهل البوسنة المسلمين.
أربع حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وقع خلالها آلاف من الشهداء وآلاف من الجرحى، يفوق أعدادهم أعداد ضحايا الصراع الجاري بين أوكرانيا وروسيا، فأين كان ضمير العنصرية البيضاء، وأين كانت قيم الديمقراطية والحرية التي يتباكون عليها. مؤلمة جداً مشاهد القتل والتدمير، ومشاهد الهجرة وترك البيت، واللجوء، ولكن من يستطيع المقارنة بين مشاهد الهجرة النظيفة وكرم الضيافة الذي يتلقاه الأوكرانيون قياساً بمشاهد هجرة وتهجير السوريين والعراقيين والليبيين واللبنانيين، وقبلهم وبعدهم الفلسطينيين.
ماذا نقول وكيف تتصرف العنصرية البيضاء، إزاء العنصرية الإسرائيلية، والمجازر التي ترتكبها والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، أم أن كل ذلك يشكل مبرراً لرئيس الوزراء الفرنسي للإعلان عن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل؟
موقف رئيس الوزراء الفرنسي، يخالف ما نعرفه عن مواقف الدولة الفرنسية، التي ينظر إليها الفلسطينيون على أنها الأفضل والأقرب والأكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين وقضيتهم، أم أن هذا هو موقف فرنسا الحقيقي، الذي يتواصل مع بدايات السياسة الفرنسية الاستعمارية منذ أوائل القرن الماضي.
لا مصلحة للفلسطينيين في أن تنشب الحروب، وأن تدفع شعوب أخرى أثماناً باهظة، وتخسر استقلالها، وتعاني من الآلام التي عانى ويعاني منها الفلسطينيون وشعوب الأمة العربية، ولا هم يتعاطفون مع أي انتهاكات لحقوق البشر، ولكن ثمة حسرة إزاء المعايير المزدوجة التي يمارسها العنصريون البيض.
مليارات الدولارات تصرف من قبل دول الغرب الرأسمالي للإنفاق والتحريض على استمرار القتال، ولكنه لا يرتدع طالما أن مصالحه تقتضي ذلك. لم يرتدعوا من حربهم على أفغانستان، ولم يرتدعوا بعد حربهم على العراق، وتدخلاتهم العسكرية المباشرة وغير المباشرة في سورية، واليمن، وليبيا ولبنان، فهم ينفقون ما يحصلون عليه من جيوب الشعوب الأخرى التي يرغمونها على دفع مقابل حماية أمنهم، والحقيقة هي أن حاميها حراميها.
يدفع الغرب الرأسمالي ثمن هذه الحرب التي يخوضها بالوكالة من خلال أوكرانيا. فالعقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية لا ينطوي ضررها فقط على روسيا، وإنما هي سيف ذو حدّين.
ويدفع الغرب الرأسمالي تكاليف إرسال المزيد والمزيد من الأسلحة والذخائر النوعية الخطيرة إلى أوكرانيا، وكأنهم يواصلون توفير الأسباب لروسيا التي تستهدف نزع أسلحة أوكرانيا.
البنك الدولي قرر أن يقدم معونة لأوكرانيا مقدارها ثلاثة مليارات من الدولارات، أما بولندا فإنها تطالب الاتحاد الأوروبي بتخصيص مئة مليار دولار لإعادة إعمار أوكرانيا، بينما يمتنع الاتحاد الأوروبي عن تمويل إعادة إعمار غزة التي لا تكلف أكثر من خمسة مليارات من الدولارات.
الصراع الدموي مستمر، ومن غير الواضح أن روسيا ستتراجع أو أن أوكرانيا ستستسلم للأهداف الروسية، ولا نعتقد أن الدول الغربية ستتراجع نحو تلبية مخاوف روسيا. المهم أن أميركا وغيرها تؤكد أنها لن ترسل جنودها، وأن حرباً نووية مستبعدة، وكأنها تعلن تخليها عن حليفها الأوكراني. هذا يعني أن جرس الإنذار يدقّ في تل أبيب التي لا تزال ترضع من ثدي أميركا وحلفائها.