عملية قاعدة «زيكيم» تفاجئ إسرائيل
تفاخر الجيش الإسرائيلي بأنه أفسد إحدى أهم المفاجآت التي أعدتها «كتائب القسام» له في الحرب الجارية. ونشر شريطاً مصوراً يظهر خمسة من أفراد «الكوماندوس البحري» التابع للقسام، وهم ينطلقون من البحر في محاولة لاقتحام قاعدة «زيكيم» البحرية. ويعرض الشريط بعد ذلك كيفية قيام طائرات ومواقع حراسة الجيش الإسرائيلي بتصفية المقاتلين الخمسة.
وبرغم الفرحة التي أصابت المذيعين الإسرائيليين وهم يتحدثون عن إفشال العملية وقتل المقاتلين الفلسطينيين الخمسة، إلا أنّ الشريط المصور سيظل حاضراً بشكل بالغ الإزعاج في عقول القيادة العسكرية الإسرائيلية. فالعملية إن دلت على شيء فإنما تدل على جرأة كبيرة جدا في التخطيط والتنفيذ. وبحسب كل المعطيات فإن المقاتلين كانوا مزوّدين بأسلحة وعتاد كامل لمواجهة طويلة في اشتباك مباشر مع قوة حماية القاعدة العسكرية.
وبصرف النظر عن النتيجة، والتي ربما تنم عن أخطاء في المعطيات الاستخبارية حول حماية القاعدة البحرية، فإن الشريط المصور، على قصره، بيّن حقائق تبعد النوم عن عين أي قائد عسكري إسرائيلي. صحيح أن الكثير من المعلّقين الإسرائيليين باتوا يتحدثون بغير استخفاف عن المقاتل العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً، إلا أن الشريط المصوّر يرسّخ انطباعا أقوى.
وتكفي نظرة قصيرة إلى انطلاقة المقاتلين من البحر، وهم يحملون كما يبدو أعتدة ومتفجرات ثقيلة لتوحي بالكثير. فقد كانت خطواتهم ثابتة وقوية، توحي وكأنهم لا يطأون هذه المنطقة للمرة الأولى، أو أنهم تدربوا كثيراً على مثلها. كما أن الصور اللاحقة تثير خوفاً أكبر لدى القائد الإسرائيلي. فقد كان هناك انتباه، كما يبدو، لكاميرات التصوير، حيث ظهر اثنان من المقاتلين وهما يصوّبان نيرانهما نحو الكاميرات مباشرة. ولكن ما هو أهم، أنه عندما بدأ إطلاق النار والقذائف على المقاتلين – ما يوضح أن أمرهم انكشف ـ لم تتحول خطواتهم عن الوجهة والمقصد الذي يتجهون إليه. وحتى في ظل النيران، وفي ظل الإصابات، استمر التقدم نحو الهدف.
وفي كل الأحوال، فإن أشد ما يزعج الإسرائيلي هو واحد من ثلاثة: زوال قدرة الردع من نفوس «الأعداء»، واستخدام «العدو» العقل والتدبير في التخطيط والتنفيذ، وافتقار إسرائيل للمعلومات الاستخبارية المسبقة.
ومن الجائز أن محاولة اقتحام قاعدة زيكيم البحرية تحوي كل هذه العوامل.
فالعملية تمت بعد ساعات قليلة على تفاخر إسرائيل باغتيال الشهيد محمد شعبان الذي وصفته بأنه قائد «الكوماندوس البحري» لحركة حماس. وهذا يعني أن الاغتيال لم يهز هذه الوحدة، ولم يؤثر في عزيمة مقاتليها، بل ربما زادهم إصراراً على التنفيذ ومن دون تأجيل.
وكما سلف فإن التخطيط للعملية ينم عن شجاعة كبيرة، ذلك أن مجرد التفكير في اقتحام هذه القاعدة يشعل الكثير من المصابيح الحمراء في إسرائيل. فهذه قاعدة عسكرية كبيرة نسبياً، ولها مهمات حماية حدودية، وهي مسؤولة ايضا عن حماية منشآت استراتيجية كخزانات الوقود الكبرى وميناء الوقود ومحطة كبيرة لتوليد الكهرباء. أما في ما يتعلق بالتنفيذ فكان مثيراً جداً، لجهة الجرأة الواضحة فيه، ومقدار العزم الذي تجلى في أدائه.
وتبقى مسألة الاستخبارات نقطة لا تقل إثارة، خصوصاً أن السيطرة الإسرائيلية على البحر تامة. كما أن السيطرة الإسرائيلية على المنطقة الحدودية، وخصوصاً باتجاه الشاطئ معروفة. لذلك فإن السؤال الذي سيبقى مطروحاً: كيف أخفقت إسرائيل في ضرب هذه الوحدة قبل أن تصل إلى هدفها.
ومعلوم أنه سبق للإسرائيليين أن نفذوا عمليات ضد مواقع وتدريبات للكوماندوس البحري التابع لحركة حماس، وربما اعتقدوا أن تلك العمليات كانت كفيلة ببث الذعر في نفوس أفراد تلك الوحدة وقياداتها.
ويعلم الإسرائيلي اليوم أكثر من الأمس أن هذه العملية ستلهم عمليات أخرى. وإذا انتهت هذه العملية هذه المرة من دون نجاح في تحقيق غايتها النهائية، فمن المؤكد أن تحقيق غايات فرعية لا يقل أهمية عن ذلك. ومن الآن فصاعداً سيصعب على أي قائد إسرائيلي ادعاء أنه ليس بوسع الفلسطينيين مفاجأتهم بشيء. لقد تفاجأ الإسرائيلي في هذه الحرب ليس فقط بعملية «زيكيم»، ولا حتى بعملية «كيرم شالوم»، بل أيضا بالهجمات الصاروخية المنسقة والتي تجعل القبة الحديدية شبه عاجزة. كما تفاجأ الإسرائيلي أيضا من وجود عشرات من صواريخ «أم -302» القادرة على الوصول من غزة إلى حيفا وأصاب أحدها الخضيرة.
حلمي موسى – صحيفة السفير اللبنانية