عرين الأسود: بلفور يحنث بوعده والهيكل نحو السقوط
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
الإسقاطات التاريخية وخطاب العودة إلى أرض “الميعاد” وإعادة بناء الهيكل المزعوم كانت عناوين حمل لواءها بالتشارك عتاة الصهاينة المدجّجين بوعد بلفور من جهة والرأسمالية الأوروبية ثم الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية من جهة ثانية، عناصر تهدف الى استغلال الجنوح الأيديولوجي لتبرير اجتثاث سكان القدس وفلسطين كهوية وذاكرة تاريخية، والتحكم بموقعها الجيواستراتيجي الذي يتيح الإمساك بالخطوط التي تربط شبه الجزيرة العربية ومصر والعراق والشام، وهو الأمر الذي يجمع بين المصالح الأوروبية ـ الأميركية والأهداف الصهيونية التلمودية في إقامة “إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل”.
اعتبر الصهاينة انه لضمان مشروعهم، لا بدّ ان يترافق مع الرعاية الدولية لكيانهم توفر عناصر داخلية تستطيع ان تضمن تحقيق وديمومة سيطرتهم على فلسطين والمنطقة أهمّها:
ـ توحيد المجتمع اليهودي واختراع قضايا توحدهم منها السعي بناء الهيكل المزعوم.
ـ استقطاب المهاجرين وتأمين الأمن الاجتماعي لهم.
ـ تأمين البنية الاقتصادية القائمة على جذب المستثمرين والرساميل.
من المفارقات المهمة أنّ رفع شعار بناء الهيكل لم يقتصر على المتديّنين الصهاينة، إنما سبقتهم إليه تيارات علمانية من اليسار واليمين، بهدف زيادة الانبعاث القومي، وأداة لتوحيد الصهاينة. وفي هذا الإطار أشار الباحث “الإسرائيلي” تومر فيرسكو الى أنّ أول حركة تأسّست في “إسرائيل” (في ستينيات القرن العشرين) وسُمّيت (أمناء جبل الهيكل) قادها العلماني غرشون سولومون، في حين أنّ الحركة المتديّنة الأولى التي قادها حاخام صهيوني وسميت (معهد الهيكل)، ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي متخذين من شعار بناء الهيكل أداة قذرة تنوّعت من القتل والتشريد الى الاستيطان والاستحواذ على الأراضي.
من هنا، فإنّ الترويج لفكرة العودة إلى أرض “الميعاد” التي لاقت دعماً رأسمالياً غربياً، اتخذت من الجنوح الايديولوجي دافعاً لتهجير سكان القدس وفلسطين واقتلاعهم كهوية وذاكرة تاريخية، وهذا ما يخدم المصالح الأوروبية الأميركية في الإمساك بالموقع الجيواستراتيجي لفلسطين الرابط بين شبه الجزيرة العربية ومصر والعراق والشام، وينسجم في الوقت نفسه مع الهدف الصهيوني التلمودي في إقامة “إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل”.
بعد مرور عقود من الزمن بدأت تلوح في الأفق بوادر وقوع تصدّعات داخل الكيان الإسرائيلي تشمل كافة الأصعدة وهي مناقضة تماماً للأسس التي نجح على أساسها الصهاينة في تأسيس كيانهم الغاصب ويتجلى ذلك بالتالي:
ـ حالة التشتت الداخلي والصراعات على السلطة والانقسامات الحادة التي تأخذ أشكالاً متنوعة يتداخل فيها العرق واللون، وهذا أمر مخالف للأسس التي عمل عليها عتاة الصهاينة في القرن الماضي في توحيد “المجتمع الإسرائيلي” حول هدف محدّد يتداخل فيه الديني والقومي ونجحوا من خلاله بإنشاء الكيان الغاصب.
ـ الهجرة المعاكسة
لم يكن الاندحار من مستوطنات قطاع غزة وبعض مستوطنات الضفة عام 2005 حدثاً عادياً، فإنه في الوقت الذي شكل فيه صدمة لقطاع كبير من الجمهور الصهيوني وخاصة للمستوطنين منهم الذين تملّكهم الخوف حول مستقبلهم الشخصي ومستقبل الاستيطان بشكل عام، فإنه في الوقت عينه شكل صفعة قوية للخطاب الديني بانهيار فكرتي “إسرائيل الكبرى” و “أرض الميعاد”.
كل المؤشرات تشير إلى أنّ الذين يغادرون “إسرائيل” يفوق عددهم عدد الذين يفدون إليها، كما تشير التقديرات الإحصائية الإسرائيلية، إلى أنّ مئات الآلاف من المستوطنين ممّن يحملون جواز سفر إسرائيلياً، يقيمون بصورة دائمة في دول متعدّدة حول العالم، ولا يرغبون بالعودة إليها. وأنّ أكثر الإسرائيليين، لديهم نية في التوجه إلى الحصول على جواز سفر أجنبي احتياطي. نتيجة حالة القلق، التي تدور في أذهانهم، وهذا ما يؤكد أنّ شبح الهجرة المعاكسة حاضر في وجدانهم على الدوام.
وتكشف دراسة متخصّصة لـ”معهد تراث مناحيم بيغن”، في القدس المحتلة، أنّ أيّ مواجهة عسكرية محتدمة مقبلة مع “إسرائيل” ستجعل المستوطنين الإسرائيليين يغادرونها وينسلخون عنها نهائياً.
ـ هروب الأموال… طابخ السم آكله
أصاب الكيان الإسرائيلي دون توجيه ما دأبت على سلوكه حليفتها الولايات المتحدة الأميركية حينما تريد إسقاط دولة تعاديها باللجوء الى استعمال الأسلحة الاقتصادية القذرة من قبيل تهريب الرساميل الأجنبية وزيادة التضخم والتلاعب بالعملة الوطنية للوصول الى أهدافها السلطوية الا انّ ما أصاب الكيان الإسرائيلي انّ هناك هروباً جماعياً من الاستثمار فضلاً عن تهريب الأموال إلى الخارج، ويعكس حالة القلق عدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن انعدام الثقة بالدولة كحاضنة وضامنة في ظلّ مؤشرات يتحدث عنها كبار المستثمرين الأجانب والصهاينة أنّ تغيّر الدور الوظيفي لـ “إسرائيل” وتزايد المخاطر الأمنية الداخلية تجعل هروب الأموال والمستثمرين أمراً قابلاً للازدياد في الآتي من الأيام.
متغيّرات بنيوية حقيقية مساعدة في مشروع إسقاط دولة الاحتلال الإسرائيلي عصفت في الإقليم منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران الى انتصار المقاومة في لبنان وغزة الى هزيمة مشروع إسقاط سورية، إلا أن ظاهرة عرين الأسود وشبابها الذين قرّروا تزييت مفاتيح ديار آبائهم وأجدادهم تمهيداً لاستعادتها من غاصبيها جعلت الإسرائيليين يُدركون أن لا مُستقبل لَهُم في فِلسطين فهي ليست أرضاً بِلا شعب و “أنّ إسرائيل على حافّة نهاية الحُلُم الصّهيوني وتتّجه نحو الخراب كما نَشَرَ أبراهام بورغ وزير الداخليّة الإسرائيلي الأسبق في صحيفة “واشنطن بوست” داعياً الإسرائيليين إلى امتِلاكِ جوازِ سفرٍ آخَر.
حياكة السجاد تشبك خيوطها من سدّ مأرب الى بلاد الرافدين ترفع الراية في عاملة الى عرين الأسود وشامها…