عراب التقارب مع “إسرائيل” قائدًا للدبلوماسية التركية.. ما هي الأجندة المقبلة؟
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
شكل تعيين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهاكان فيدان رئيسًا للدبلوماسية التركية – ضمن سلة تعيينات واسعة – علامة بارزة في توقيتها وأبعادها السياسية خصوصًا في ظل انحياز أنقرة أكثر فأكثر نحو الغرب الأطلسي، لا سيما أن فيدان الآتي من عالم الاستخبارات، كان لعب أدوارًا مؤثرة في إعادة وصل ما انقطع من علاقات تركيا مع عدد من دول العالم (ككيان العدو الاسرائيلي ومصر)، فضلًا عن كونه أحد المقربين من الرئاسة، ويتمتعون بثقتها المطلقة.
ما هي أهداف أردوغان من هذه التعيينات؟ ومن هي أبرز الوجوه الجديدة؟
بعد فوزه بولاية خامسة، عمد الرئيس التركي الى إجراء تبديلات لافتة بتركيبة حكومته الوزارية بشكل كبير، في خطوة تهدف الى القيام باصلاحات (واسعة) اقتصادية ومالية وسط الصعوبات الاقتصادية في الداخل والنزاعات السياسية في الخارج.
ولهذه الغاية، وفي سياق تلبية الاحتياجات المحلية، والحدّ من التضخم الاقتصادي، أسند الرئيس التركي للمصرفي السابق المرموق دوليًا محمد شيمشك حقيبة المالية (كوزير جديد)، وكلف جيفديت يلماز وزير التنمية السابق ونائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد، أن يكون نائباً للرئيس. ما تجدر معرفته هنا، أن أعضاء مجلس الوزراء هم بيروقراطيون معينون حديثًا، إلا أنهم ليسوا “وجوهًا جديدة” تمامًا لأنهم كانوا منخرطين بشدة في السياسة التركية قبل تعيينهم.
على أن أكثر التعيينات أهمية كان هاكان فيدان، الذي دخل مجلس الوزراء وزيراً للخارجية بعد أن شغل سابقًا منصب رئيس أجهزة المخابرات التركية أو “مسؤول التجسس” الأعلى في البلاد لمدة 12 عامًا، وكان عمل قبل ذلك، مستشارًا لأردوغان في مكتب رئيس الوزراء، مما يؤكد العلاقة الوثيقة بين الرجلين.
من هو هاكان فيدان؟
مما لا شك فيه أن قرار أردوغان استبدال وزير الخارجية التركي والدبلوماسي المخضرم مولود جاويش أوغلو – الذي عرُف بأطول خدمة على الإطلاق – أثار نقاشات حول ما إذا كانت التغييرات الجذرية، ستسري كذلك على السياسة الخارجية الشاملة لتركيا.
فعلى عكس جاويش أوغلو لم يكن فيدان شخصية عامة أبدًا، وبدلاً من ذلك كان يعمل في المجال الدبلوماسي وراء الكواليس، فهو كان وكّل بمهام أساسية أخرى، مثل قيادته لمحادثات سرية مع حزب العمال الكردستاني المحظور، والأهم توليه مهمة التفاوض مع الكيان الاسرائيلي والذي خلص الى إعادة علاقات أنقرة مع “تل ابيب”، إضافة الى عقده مناقشات مماثلة مع مصر وسوريا من أجل التقارب مع هاتين الدولتين، ولا يستعبد أن يكون أيضًا، العراب لصفقة عضوية السويد في حلف “الناتو” مع أمريكا.
أكثر من ذلك، تميّزت حياة فيدان المهنية بالعمل “في الظل”، والابتعاد عن التصريحات العامة العدوانية، وبالتالي، يعتبره الكثيرون قوة “معتدلة” في صياغة وقيادة أجندة السياسة الخارجية لتركيا.
ما هي الأبعاد الاستراتيجية لتعيين فيدان على رأس الدبلوماسية التركية؟
في الحقيقة، الدبلوماسية والاستخبارات عمليتان متشابكتان مترابطتان. فالسياسة الخارجية الفعالة، تعتمد بالدرجة الأولى على نوعية وكمية المعلومات الاستخباراتية المتاحة للدبلوماسيين. لذلك، فإن مثل هذه الصيغة توحي بأن فيدان يمكن أن يترك أثرًا كبيرًا في عملية صنع القرار الخارجي لأنقرة.
فعدا عن خبرته في جمع المعلومات الاستخباراتية والعمل في حماية الأمن القومي، ينظر الى تعيينه على أنه إشارة تنم على نية أنقرة القيام بدور أكثر تفاعلًا في الشؤون الإقليمية والعالمية، لا سيما وأنه في ظل حكم أردوغان، أصبحت القوة الناعمة لتركيا المتنامية في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى أكثر وضوحًا.
زد على ذلك أن استراتيجية “حزب العدالة والتنمية” الحاكم القائمة على الوحدة التركية مع الدول الإسلامية في آسيا الوسطى، قد مكنته من تعزيز وجوده بثبات في البلدان الناطقة بالتركية في المنطقة، لا سيما أذربيجان. من هنا، فإن تسلم فيدان لهذا المنصب، ينظر إليه كإشارة على تصميم أنقرة على ترسيخ نفوذها في تلك المنطقة، لتصبح لاعبًا رئسيًا هناك إلى جانب روسيا وإيران. وانطلاقًا من هذه النقطة، تعتبر تركيا أن الظرف مؤاتٍ وأضحى أكثر ملاءمة لها الآن بحسب اعتقادها لتحقيق أجندتها تلك، خصوصًا مع انصراف روسيا إلى مواجهتها في أوكرانيا، واستمرار الضغط الدولي على إيران.
وبناء على ذلك كله، جاء تعيين فيدان في وقت حسّاس بالنسبة للسياسة الخارجية التركية التي تميزت باللعب على الحبال بين الغرب وروسيا، واختارت التطبيع الدبلوماسي مع جيرانها في الشرق الأوسط، وتعزز دبلوماسيتها في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.
وعليه لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن يتم تكليف فيدان بتنفيذ مثل هذه المهام الحاسمة، خصوصًا أنه وعد على الأرجح بمزيد من المرونة على عكس سلفه، وهو بلا شك سيحظى بدعم اردوغان كونه أحد أقرب حلفاء الرئيس التركي، وسيمكنه هذا العامل من الاستفادة من هذه المساحة الإضافية للمناورة وترك بصماته الشخصية على أجندة أنقرة الخارجية.
ما هي أجندة فيدان المقبلة؟
بشكل عام، سيحتاج فيدان إلى تحديد أهداف السياسة الخارجية الرئيسية لتركيا بسرعة مع جيرانها. ففي جنوب القوقاز، من المرجح أن يكون تعميق العلاقات مع أذربيجان أولوية في أجندة وزير الخارجية الجديد، حيث تكافح باكو من أجل مفاوضات السلام في مواجهة يريفان، واستمرار التوترات مع إيران.
من هنا، لا يستبعد أن تفتعل أنقرة (مع فيدان) أزمة سياسية مع طهران، بإصرارها على إقامة اتصال أرضي مع أذربيجان من خلال معبر ناختشيفان عبر مقاطعة سيونيك الأرمينية – أي ممر زانجيزور – على الحدود مع إيران والذي يأتي ضمن تطلعات الناتو التوسعية لمحاصرة ايران. وما يدعم هذه النظرية ويؤكد اهتمام أنقرة المعروف بإكمال هذا المشروع وبالتالي تعزيز العلاقات التركية الأذربيجانية، تصريح أردوغان خلال زيارته الرسمية الأخيرة لأذربيجان والذي اشار فيه الى أن “إيران هي العقبة الرئيسية في فتح ممر زانجيزور”.
في الختام، من المتوقع أن يعطي تعيين فيدان، الخبير الأمني البارز، دفعًا اضافيًا لتنفيذ برنامج أردوغان الطموح “قرن من تركيا”، وتطبيق رؤية أنقرة للسياسة الخارجية المتغيرة (التي غلبت مؤخرًا عليها الهوية الأطلسية) وطموحاتها للارتقاء بدورها كقائد إقليمي يمتد تأثيره بلا منازع من الشرق الأوسط إلى القوقاز وآسيا الوسطى. لكن الأمنيات والاهداف شيء، والواقع أمر مختلف، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: هل تقف إيران وروسيا بما تملكانه من علاقات ومزايا استراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، مكتوفتي الأيدي والتفرج على التمدد التركي؟ أما الجواب فسيخبرنا به قادم الأيام.