طريق الحرير العربي الصيني الجديد
موقع قناة الميادين-
شاهر الشاهر:
الدول العربية بحاجة إلى استثمارات صينية ذات قيمة مضافة عالية، وليس الحصول على الموارد الطبيعية ذات القيمة العالمية من ناحية التصنيع والخدمات اللوجستية فحسب، بل ربط المنطقة ببعضها بعضاً، وبمحيطها في أفريقيا وأوروبا، وفي آسيا التي تقودها الصين اليوم.
عُقد في العاصمة السعودية الرياض يومي 11-12 من هذا الشهر ملتقى رجال الأعمال العربي الصيني في دورته العاشرة، وتم خلاله الإعلان عن “طريق الحزام العربي الصيني الجديد” الذي سيفتح آفاقاً واسعة للتعاون المستقبلي بين الصين والدول العربية بعنوان التنمية والمنفعة المشتركة للجانبين.
أتى هذا الملتقى مع ترؤس السعودية مجلس جامعة الدول العربية في العام الحالي ليجسد اهتمام الدول العربية جميعها، وليس السعودية فقط، بتعزيز العلاقات مع الصين.
وقد تمت دعوة سوريا للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر. وعلى هامشه، عقدت جلسة مباحثات سورية سعودية تم خلالها الإعلان عن استئناف العلاقات الاقتصادية بين سوريا والسعودية بعد انقطاع دام سنوات عدة. الانخراط الصيني في تعزيز التعاون مع الدول العربية يتقاطع مع رؤية المملكة 2030، وهو ما زاد فرص التعاون والنجاح بين البلدين.
ترى الصين في الدول العربية شريكاً تنموياً تربطها به علاقات متميزة، في حين أن الولايات المتحدة لا ترى في المنطقة العربية سوى منطقة مهمة جيو-استراتيجياً يجب التحكّم فيها والسيطرة عليها، لأن ذلك سيساعد في التأثير في العديد من دول العالم التي تعتمد على المنطقة العربية في مجال النفط أو كطريق لمرور تجارتها الدولية.
أما الدول العربية، فهي بحاجة إلى استثمارات صينية ذات قيمة مضافة عالية، وليس الحصول على الموارد الطبيعية ذات القيمة العالمية من ناحية التصنيع والخدمات اللوجستية فحسب، بل ربط المنطقة ببعضها بعضاً، وبمحيطها في أفريقيا وأوروبا، وفي آسيا التي تقودها الصين اليوم.
وكانت العلاقات السعودية الصينية قد شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، إذ ساعدت على نموّها وتطوّرها استدارة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن المملكة ورغبة “السعودية الجديدة” في تنويع شراكاتها وتحالفاتها، مستفيدة من “اللحظة التاريخية” التي يعيشها العالم بعد الحرب في أوكرانيا، والتي ضاعفت الأهمية الاستراتيجية للمملكة كثاني أكبر منتج للنفط في العالم.
وقد أسهم في ذلك رغبة الصين في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية التي تربطها بها علاقات تاريخية وتجارية كبيرة، نظراً إلى ما تشكله هذه الدول من أهمية كبيرة بالنسبة إلى مشروع “الحزام والطريق” الذي طرحه الرئيس الصيني عام 2013 ليكون أعظم وأضخم مشروع استراتيجي في التاريخ.
وقد ساعد على ذلك “الانكماش الاستراتيجي” للولايات المتحدة ورغبتها المعلنة في الخروج من منطقة الشرق الأوسط للتفرغ لمواجهة أعظم خطر بالنسبة إليها (الصين)، فكان الانسحاب الأميركي من أفغانستان لزعزعة الأمن والاستقرار في الصين، وخصوصاً أن منطقة شينغيانغ التي يعيش فيها الإيغور المتطرفون تعدّ منطقة حدودية مع أفغانستان.
في ظل هذا المشهد الدولي، أدرك الجميع أنَّ العالم يتغير، وأن الحرب في أوكرانيا كانت الخطوة العملية الأولى نحو تغيير النظام الدولي القائم والسعي لتشكيل نظام دولي جديد قد يكون ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب وفقاً لخارطة تموضع القوى الدولية الجديدة.
لقد جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية في كانون الأول/ديسمبر 2022، وعقده 3 قمم هناك (قمة عربية صينية، وقمة خليجية صينية، وقمة سعودية صينية)، ليؤكد أهمية المملكة بالنسبة إلى الصين أولاً، وكذلك أهمية الدول العربية بشكل عام، والخليجية منها بشكل خاص، بالنسبة إلى بكين. وخلال هذه القمة، وقعت السعودية مع الصين اتفاقيات استثمار بـ50 مليار دولار أميركي.
لقد استطاعت المملكة أن تقدم نفسها كقائد للدول العربية، بوصفها الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، والأسرع نمواً في العالم خلال العام الماضي. كذلك، فإن السعودية ملتزمة بالعمل كجسر يربط العالم العربي بالصين، في ظل تراجع الدور المصري لأسباب كثيرة سياسية واقتصادية بعد أحداث “الربيع العربي” التي أضعفت “دول الشمال” الفاعلة (سوريا ومصر وليبيا).
لقد أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري للصين، ومن المتوقع أن يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في هذا العام 104 مليار دولار، أي ما يعادل 29 ضعفاً عما كان عليه قبل 20 عاماً.
كذلك، من المتوقع أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي هذا العام 233 مليار دولار. أما التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، فمن المتوقع أن يتجاوز 430 مليار دولار هذا العام، وهو ما يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الدول العربية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي مجتمعة، بمعنى أن الشراكة بين الصين والدول العربية حقيقية وقائمة وموجودة وتتطور بشكل كبير.
وتكمن أهمية المملكة في أنها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، فيما تعدّ الصين أكبر مستهلك للنفط في العالم، إذ بلغ حجم النفط الذي استوردته الصين من السعودية العام الماضي 1.8 مليون برميل يومياً، وهو ما يعني أن الصين اشترت نفطاً من المملكة أكثر من النفط الذي اشترته من روسيا التي تربطها بها شراكة استراتيجية متطورة. كذلك، تقع المملكة على طريق الحرير، وتبلغ حصتها 13% من حجم التجارة العالمية لهذا المشروع.
لقد أدركت الصين أن انخراطها في إقامة علاقات مع الدول العربية سيرتّب عليها التزامات سياسية وأمنية. لذا، سعت لتكون راعياً للمصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية، وستسعى مستقبلاً لأداء أدوار الوساطة لحلحلة العديد من المشكلات المستعصية في الشرق الأوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية.
وعلى الصعيد الأمني، وإن كانت بكين تبدو غير متحمسة أو راغبة في أداء دور في هذا المجال، إلا أن دول المنطقة بحاجة إلى حليف عسكري وأمني، فهي دول صغيرة تعاني حالة من “الانكشاف الاستراتيجي”، وتتمتع بثروات كبيرة وموقع استراتيجي مهم يجعلها محط أطماع غيرها من الدول.
من هنا، جرى الحديث عن نقل وتوطين صناعة الطائرات المسيرة في المملكة العربية السعودية، كما جرى الحديث عن إمكانية قيام تعاون نووي بين البلدين. المريح بالنسبة إلى الدول العربية في تعاطيها مع الصين أنها لا تتوقع تدخلاً من الحكومة الصينية في شؤونها الداخلية؛ فبكين لا تفرض شروطاً سياسية معينة على الدول التي تتعامل معها، وهو ما يشعرها بأريحية أكثر من علاقاتها مع واشنطن التي تضع دوماً شروطاً سياسية غير مرغوب فيها من دول المنطقة.
وعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهدته العلاقات بين السعودية والصين، فإنَّ هناك بعض العقبات التي ما زالت تحول دون وصول تلك العلاقات إلى المستوى المطلوب؛ فعلى الصعيد الاقتصادي، كان قد جرى الحديث عن إمكانية توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين عند زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة، لكن ذلك لم يتحقق.
وقد أعيد طرح الموضوع مرة أخرى قبل أيام، إذ جرى الحديث عن إمكانية توقيع تلك الاتفاقية خلال مؤتمر رجال الأعمال العربي الصيني الذي عُقد هذا الشهر في الرياض، لكن ذلك لم يتحقق أيضاً.
يبدو أنَّ العائق أمام توقيع اتفاقية الشراكة الحرة بين الصين والسعودية هو وجود اتفاقية للتجارة الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإن المملكة ملتزمة بتلك الاتفاقية. لذا، إن توقيع الاتفاقية مع الصين يحتاج إلى موافقة باقي الدول الخليجية، ويبدو أن المملكة لا تسعى لاستفزاز واشنطن بشكل أكبر.
وفي اليوم الأول من هذا المنتدى، جرى التوقيع على 30 صفقة بقيمة 10 مليارات دولار. ويقدر حجم الصفقات التي تم التوقيع عليها خلاله بنحو 40 مليار دولار. وبالتالي، فإن هذا المنتدى هو الأكبر حجماً منذ دورته الأولى التي عقدت عام 2005، إذ شارك فيه أكثر من 3500 شخصية يمثلون 20 دولة، بهدف مناقشة سبل تطوير العلاقات بين الدول العربية والصين.
على الرغم من أن الانفتاح بين السعودية والصين حديثٌ نسبياً، فإن العلاقات بينهما تشهد تطوراً كبيراً تجسد في الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، والتنامي الكبير في حجم التبادل التجاري بينهما، والحديث عن التعاون في المجالات العسكرية والأمنية.
كلّ ذلك يشير، وبما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الولايات المتحدة لم تعد الشريك الاستراتيجي للمملكة، وبالتالي، فإن المنطقة ذاهبة إلى صياغة خارطة جديدة لعلاقاتها وتحالفاتها، عنوانها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهو ما يتجسد بكل تفاصيله في الحليف الصيني.