ضيف بظهر منحنٍ وجراب فارغ
صحيفة الوفاق الإيرانية-
حمید رضا کمالي:
هناك مثل شعبي بين البدو وسُكّان القرى يقول: “الضيف الجيد هو الذي يأتي بظهر منحني” أي أن يحضر معه الهدايا والتحف؛ يبدو أن بايدن ضيف بظهر منحنٍ وجراب فارغ.
زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة غرب آسيا، والتي بدأت بزيارة الأراضي المحتلة، ثمّ بعقد إجتماع رباعي حول الأمن الغذائي بين (الولايات المتحدة والهند والإمارات والكيان الصهيوني) لتنتهي بالمشاركة في اجتماع قادة 9 دول عربية في جدة بالمملكة العربية السعودية (16 يوليو)، تعد الزيارة الأولى لرئيس الولايات المتحدة إلى المنطقة في ظروف غير حربية منذ 11 سبتمبر 2001.
كانت أمريكا خلال العقدين الماضيين، دائماً متورطة بشكل مباشر في صراعات مكلفة للغاية كغزو أفغانستان والعراق والتدخل في سوريا وليبيا إلى آخره. وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكي مهتماً بزيارة المناطق الخاضعة للسيطرة الأمريكية بصفتها الطرف المنتصر مع الترحيب بطريقة رائعة من القوات التي تخضع للسيطرة الأمريكية؛ لكن الهزائم النكراء والهروب المخزي من العراق وأفغانستان، واشتداد العداء مع روسيا، والفشل في تقليص قوة إيران أو حتى التوصل إلى تسوية تحفظ ماء وجه أمريكا، وعدم الاستقرار السياسي في لندن والأراضي المحتلة، واستمرار المنافسة القوية والمتعبة مع الصين، والأرقام الاقتصادية المخيبة للآمال للولايات المتحدة كلها تسببت في ظهور بايدن الشيخ المريض كأسد بلا عراف وأسنان.. ليكون حاضراً بشكل رمزي في مأدبة حلفائه المتكررة.
تزامناً مع فشل مشروع “إيران فوبيا” والتحالف الوهمي الذي صنعه ترامب، خضعت موازين القوى في منطقة غرب آسيا لتغييرات جذرية. لم تساعد مغامرات النظام الصهيوني القائمة على الإرهاب في نفوذه الشعبي العربي والآسيوي، بل سببت التوتر في العلاقات بين تل أبيب وموسكو؛ ولكن في المقابل، وعلى الرغم من تبني ایران استراتيجية تطوير العلاقات مع الجیران في الشمال والشرق، إلا أنّ الموقع الجیوسياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يزال يتجلى في الجنوب والغرب، فمن المستحيل عملياً تجاهل ايران في المعادلات الإقليمية.
وبسبب قوتها الهائلة المرکبة والمشتركة والمتعددة الأبعاد، فقد أصبحت ايران لاعباً أساسياً في المنطقة، بل اللاعب الأساسي. ولهذا السبب، لا تزال طهران هي المنتصرة في حرب الهوية والمعرفية في القضايا المركزية للمنطقة، كالقضية الفلسطينية، وقد نجحت في ترويج خطابها الثوري الإسلامي ضدّ الخطاب التطبيعي في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن وحفظها كثروة استراتيجية، ولقد عززت هذه الثروة الاستراتيجية قوة الردع الإيرانية بشكل إنها تعتمد على القوة الناعمة لتحقيق العديد من أهدافها الإقليمية ولا ترى ضرورة لاستخدام الجيش والقوة العسكرية، على عكس الكيان الصهيوني.
في هذه الظروف ووفقاً للتطورات الإقليمية والعالمية (بغض النظر عن الاعتبارات والاحتياجات الداخلية للديمقراطيين)، يمكن تصنيف أهداف بايدن من السفر إلى المنطقة في 4 فئات من الاحتياجات:
1- الموافقة الضمنية على نشاطات ترامب بشأن إعلان القدس الشريف كعاصمة للكيان وضمّ الأراضي السورية في الجولان للكيان الصهيوني وطمأنة اليهود القلقين الذين يعيشون في المستوطنات المحتلة بعدم عرض أي مبادرة سلام أو تسوية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني (لجلب رضا اللوبي اليهودي في الانتخابات).
2- طمأنة حلفاء أمريكا المرتبكين في المنطقة من السخط الشعبي والإحتجاجات وعمليات جبهة المقاومة.
3- إقناع دول مجلس التعاون بزيادة إنتاج النفط والغاز قبل نهاية الصيف وقدوم موسم الشتاء بهدف التحكم بسوق الطاقة والضغط على روسيا.
4- تقليص علاقات دول المنطقة مع الصين خاصة في المجالات العسكرية والتقنيات الجديدة ومجالات الطاقة، وكذلك المشاركة والاستثمار في مشروع “مبادرة الشراكة الدولية” والذي تمّ طرحه مؤخراً في اجتماع قادة مجموعة السبع في ألمانيا كبديل عن مشروع “الحزام – الطريق” الصيني.
ولحسن الحظ، يبدو أن كلاً من الولايات المتحدة ودول المنطقة قد وصلوا إلى نتيجة مفادها أنه بسبب عدم الجدوى والتكاليف الباهضة لمشروع “ايران فوبيا”، فإنه لا يمكن الاستمرار في المشروع بالطرق السابقة، كما لا يمكنهم رسم رؤية واضحة دون جلب مشاركة إيران الفعالة في المعادلة الأمنية للمنطقة. بينما يجب على السعودية أن تكون في غاية الإمتنان للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأنه حتى عقد مثل هذا الاجتماع في جدة يعتمد على قبول استمرار وقف إطلاق النار من قبل أنصار الله اليمني.
يعاني الاقتصاد الأمريكي من مشاكل خطيرة وقد أدى التضخم غير المسبوق إلى زيادة إستياء الرأي الأمريكي العام. وفي مثل هذه الظروف، لن يقبل بايدن المحتاج لأصوات الأمريكيين أي نفقات إضافية في المنطقة، وقد جاء إلى المنطقة بجراب فارغ.
ويمكننا القول بأن أهم هدية أمريكا لحلفائها في المنطقة هو نظام الرصد والأنظمة المضادة للطائرات، والتي أثبتت عدم كفاءتها وضعفها حتى ضدّ الطائرات بدون طيار المصنوعة في اليمن وغزة، وقد ثبت ذلك عدّة مرّات.
يبدو أنه إذا تم تكوين فهم صحيح للرسالة الرئيسية لهذه الزيارة في أذهان قادة الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذه الرسالة ستروق لذوق دول منطقة ألا وهي: “نهاية عصر الاعتماد على الأجانب وبداية عهد الأخوة وحسن الجوار”.