ضابط كبير في «الأطلسي» لـ «الراي»: السلام مع إيران يوفّر علينا 100 مليار دولار سنوياً
كل الانظار مسلطة اخيراً على جنيف، التي غالباً ما تكون «عاصمة التفاوض الصعب» بين الخصوم والأعداء. وستستمر العيون «مسمّرة» في اتجاه هذا «المسرح» المليء بالاسرار والمصالح والمكائد، فهناك تدور معركة ديبلوماسية بـ «السلاح الابيض» عنوانها الملف النووي الايراني، ويمكن ان تدور ايضاً معارك مماثلة اسمها «الأزمة السورية»… وفي كل هذه الصولات والجولات فتِّش عن… اميركا.
لم يتقهقر المارد الاميركي عائداً الى «القمقم»، تاركاً خلفه الشرق الاوسط وغير آبه بثرواته وأزماته، وهو «لم يهرول» بحثاً عن «عشيقة» جديدة تدعى «ايران»، وكأنه على موعد مع «غرام بعد انتقام». كل ما في الامر ان هذا «الكاوبوي» قرّر ولمصالحه الاستراتيجية، إعادة ترتيب «هندامه» لإغواء أعداء الامس، لكن عيْنه الجديدة هي على أوضاعه الداخلية والخارجية اولاً واخيراً.
في جنيف «النووي»، بدت «اللقمة» وكأنها خُطفت من «فم» ايران، رغم مهارة الايرانيين في حياكة العروض التي أقنعت الجميع ان «الطبخة» أصبحت جاهزة. وبعدما انفتحت شهية وزراء خارجية دول «5 +1» هرعوا لتسجيل أسمائهم كرعاة لـ «مائدة» إنجاز يؤسس لـ «اتفاقية العصر»… جون كيري ألغى موعده الجزائري وجاء على عجل، وكاثرين آشتون ألغت زيارتها لايطاليا وحضرت مسرعة، غير ان الرياح جرت بما لا تشتهي السفن وعاد «نجوم جنيف» الى قواعدهم بعد ان «استقوى شيطان التفاصيل» على المزاج العام. وهكذا عاد ايضاً محمد جواد ظريف الى بلاد كسرى انو شروان للمشورة في انتظار جولة جديدة.
في جنيف وسواها من عواصم «المعمورة» ثمة سؤال كان يدور همساً وصار «يلعلع» بـ «مكبرات الصوت»: ما هو سبب التقارب بين اميركا وايران او بين مَن يحلو لهم القول «الشيطان الاكبر ورأس حربة محور الشر؟» وما سر التعقيدات في مفاوضات جنيف النووية؟
ثمة اجابات على هذا النوع من الاسئلة «الاستراتيجية» أبعد من أنف اليوميات السياسية ومناوراتها والمعارك التي تشبه «طواحين الهواء». فالتقارب الاميركي – الايراني بعد عقود مضنية من العداء يشكل بوابة لتطور استراتيجي يلقي بظلاله على اكثر من ملف وساحة وبلد.
ضابط كبير في قوات حلف شمال الاطلسي كشف عن بعض جوانب هذا التحول، عندما قال لـ «الراي» ان «الشمس لا تغيب عن نحو 2.5 مليون جندي وضابط وعامل اميركي موجودين خارج المياه الاقليمية الاميركية وهم يمثلون ثلث القوات المسلحة الاميركية ويقيمون داخل 865 قاعدة عسكرية، اضافة الى 11 حاملة طائرات منتشرة حول العالم»، مشيراً الى ان «هذا الواقع يكلف الخزينة الاميركية اكثر من 250 مليار دولار سنوياً بغض النظر عما تقدّمه الدول المضيفة من مساهمة مالية»، لافتاً الى ان «مهمة هؤلاء ضمان امن موارد النفط الضخمة ومنع انتشار الصراع العسكري الذي يؤثر على مصالح وأمن الولايات المتحدة».
وأضاف هذا الضابط الذي حرص على عدم ذكر اسمه او رتبته ان «كل جندي اميركي موجود اليوم على ارض افغانستان يكلف الخزينة الاميركية 1.2 مليون دولار سنوياً، ولهذا وضعت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما نصب عينيها التعامل مع تداعيات الازمة الاقتصادية والتي ستتأثر بها قواتنا المسلحة ما يعني دون شك ان خفض موازنة الدفاع اصبح من المسلّمات».
وكشف الضابط عيْنه لـ «الراي» عن ان «هناك اكثر من عشر قواعد عسكرية متمركزة حول ايران من كل جانب، وهي منتشرة في سلطنة عمان والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت وتركيا واذربيجان وتركمانستان وباكستان وافغانستان وكلها تتبع قيادة centcom (القيادة الاميركية الوسطى). ولذلك فان رفع حالة الاستنفار او التوجه من حالة اللاحرب الى حالة السلم من شأنه خفض عدد العاملين في هذه القواعد دون التخلي عن القواعد نفسها. ومن هنا فان وجود قوة اصغر تستطيع الحفاظ على مصالحنا في العالم وتوفير ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنوياً».
وقال: «الولايات المتحدة تعيد حساباتها وتراجع سياستها النفطية ايضاً. اذ نحن نتجه الى الاكتفاء الذاتي النفطي في السنوات الاربع المقبلة، وهناك اعادة تموضع في افريقيا التي تضم قواعد مهمة تحت قيادة africom وهي – اي افريقيا – تتجه لإنتاج 15 في المئة من النفط العالمي، ما يجعل القارة السوداء لا تقلّ اهمية من الشرق الاوسط، ومن السهولة التعامل معها بعكس اختها الشرق اوسطية».
وتحدّث الضابط الكبير في قوات حلف الشمال الاطلسي عن ان «الولايات المتحدة تعرف اين هي مصالحها واين يجب التضحية، وهي لا تتعامل بالعواطف بل بالمصالح، وتالياً فإنها لن تضحي من اجل ارضاء احد ولا تطلب من حلفائها تفهّم ذلك لانها تفعل ما يجب ان تفعله، ولذلك نرى ان دول الشرق الاوسط تسرّعت في اتهام الولايات المتحدة بالتخلي عن حلفائها اذا حصلت اعادة حسابات او تموضع، فنحن نأخذ مصالح الحلفاء بالحسبان ولكن الحليف المخطئ هو الذي يعتقد ان مساهمته في النفقات تخوّله ان يطلب من اميركا التضحية بجنودها».
ولفت الى ان «الادارة الاميركية اتخذت قراراً بانهاء حالة الحرب مع ايران والتعاون معها اذا اثبتت ايران سلمية برنامجها النووي الذي يقلق الحلفاء اكثر مما يقلق اميركا نفسها، ولذلك فان دور السياسة هو استيعاب ردة فعل الحلفاء واعطاؤهم تطمينات يحتاجونها اكثر مما تحتاجها الولايات المتحدة، لان قدرة ايران العسكرية تُعتبر محدودة في عين اميركا مهما تعاظمت»، مشيراً الى ان «على ايران تقديم ما يُطلب منها بكل شفافية لننتهي من القضية في اسرع وقت ونتجه لقضايا أكثر اهمية تهمّ وجودنا نحن في الشرق الاوسط اكثر مما تهمّ شركاءنا».