شينجيانغ، بين حقوق الإنسان ومناهضة الصين
موقع قناة المنار-
جاد رعد:
قبل بضع سنوات، أطلقت الولايات المتحدة حملة منسقة ضد الصين من خلال الادعاء بأن الأقليات العرقية الصينية، وخاصة الويغور والمجتمعات المسلمة الأخرى، تتعرض للاضطهاد. كما أصدرت بيانات صحفية تدين الحكومة الصينية بشأن شينجيانغ، وحذت حذوها العديد من المنظمات غير الحكومية التي لها تاريخ طويل في الترويج للأنشطة المناهضة للصين في جميع أنحاء العالم. يضاف الى ذلك فرض عقوبات على القطن الصيني انتاج الويغور في شينجيانغ، مصدر دخلهم الاساسي.
أجمع عدد كبير من الغربيين من “قادة فكر” ومسؤولين حكوميين لا سيما في السياسة الخارجية أن الصين ارتكبت انتهاكات بحق مواطنيها تستحق العقاب عليها واطلقت شلة من وسائل الإعلام الغربية ترويجا لتلك المزاعم وتركيبا للشهود المفترضين. بالطبع، أولئك الذين يتهمون بكين بالإبادة الجماعية لم يزوروا شينجيانغ أبدا ولم يشهدوا على “الفظائع المزعومة”، بنوا ادعاءاتهم على وثائق لم يتم التحقق منها، وشهود مشكوك فيهم، وفيديوهات ملؤها المشاهد المركبة والترجمة الخاطئة، بالإضافة إلى ما يسمى بخبراء شينجيانغ، مثل أدريان زينز، الباحث الذي نصب نفسه كمختص ومتابع وهو زار الصين آخر مرة منذ 14عاما كسائح.
طالب المحرضون ضد الصين بالسماح للدبلوماسيين بزيارة شينجيانغ وكانوا يعتقدون أن بكين سترفض الطلب. و لكن الاخيرة امتثلت، وسمحت لمن يريد من سفارات واعلام بالزيارة، وكان منهم من لبى الدعوة من العرب، سفيري الامارات العربية وفلسطين في بكين، الى ان لبت الدعوة مؤخرا مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في الفترة من 23 إلى 29 مايو. ذهبت إلى مدن في شينجيانغ: كاشغر وأورومتشي، عاصمة المقاطعة ذاتية الحكم، وكذلك قوانغتشو في الجنوب.
قامت باشيليت بزيارات دون رقابة إلى الويغور وغيرهم من المسلمين الصينيين والعلماء والخبراء والمسؤولين الحكوميين… وذهبت إلى حقول القطن وسجون وأجرت أيضا محادثات مع مسؤولين لمناقشة سياسات الصين لمكافحة الإرهاب ومعاملتهم للمجتمعات العرقية ومع مواطنين لتقفي ما يمكن ان يكون اثر او دليل… اما اللوبي المناهض للصين، الذي طالب بزيارات إلى شينجيانغ، فقد تبدلت مواقفه فور اعلان المسؤول الاممي عن زيارتها، وشجب أي زيارة للمنطقة. انضم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ، مدعيا أن بكين “تتلاعب” بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ممثلة برئيستها ميشيل باشيليت الرئيسة السابقة لتشيلي، ومثله صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية برايس مرتين، انه ” قلق للغاية “بشأن، “خطوة خاطئة” لباشيليت.
التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بالمفوضة السامية باشيليت عبر الفيديو في 25 مايو. كما التقاها عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية وانغ يي واجتمع معها رؤساء المحكمة الشعبية العليا، والنيابة العامة الشعبية العليا، ولجنة الدولة للشؤون الإثنية، ووزارة الأمن العام، ووزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي، والاتحاد النسائي الصيني… وأثناء تواجدها في قوانغتشو ، زارت باشيليت مشاريع تطوير الديمقراطية الشعبية في الصين، والتخفيف من حدة الفقر، والحماية القضائية، وحماية البيئة، وحماية سبل عيش الناس، والتثقيف في مجال حقوق الإنسان. خلال إقامتها في شينجيانغ، حصلت على شرح شامل لإجراءات شينجيانغ والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
اجرت باشيليت مؤتمرا صحفيا حضرته وسائل الاعلام المحلية و120 مراسلا عبر الانترنت في 28 مايو معلنة نهاية زيارتها وتناولت الانتقادات حول رحلتها وأكدت أنها أجرت محادثات مثمرة مع الأشخاص الذين قابلتهم. شكرت الحكومة الصينية على دعوتها، وتحدثت عن زياراتها الى قوانغتشو وكاشغر وأورومتشي، ولم توجه انتقادات قاسية للصين كما رغب البعض من الحكومات الغربية، وتركت أولئك الذين حاولوا استخدام زيارتها غاضبين وقلقين. اجتذب مؤتمر باشيليت الصحفي اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام الأجنبية منهم رويترز، ووكالة فرانس برس. تصريحات باشيليت دحضت المعلومات الخاطئة المتعلقة بشينجيانغ التي نشرها الغرب، وكانت أيضا صفعة في وجه الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ووسائل الإعلام وكل القوى المناهضة للصين.
ونقلت صحيفة جلوبال تايمز عن باشيليت قولها: “كانت الزيارة فرصة لإجراء مناقشات مباشرة مع كبار قادة الصين بشأن حقوق الإنسان”. باشيليت تعرضت لانتقادات بسبب جولتها في الصين، لم يقم أي مفوض للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بزيارة الصين منذ عام 2005. حققت الزيارة نتائج إيجابية وعملية، أولا، تعزيز فهم مسار تنمية حقوق الإنسان في الصين؛ ثانيا، توضيح اقتراح الصين لتعزيز الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان؛ ثالثا، تعزيز التعاون بين الصين والمفوضية السامية لحقوق الإنسان؛ ورابعا عرض تجربة شينجيانغ الحقيقية. بعض الدول الغربية والقوى المناهضة للصين، تحت ستار حقوق الإنسان، تتعمد تلفيق الأكاذيب المثيرة حول ما يسمى بالقضايا المتعلقة بشينجيانغ لخدمة خطتها السياسية المتمثلة في”استخدام شينجيانغ للسيطرة على الصين”.
وأشار ما تشاو شو، نائب وزير الخارجية، إلى أن القضية المتعلقة بشينجيانغ ليست قضية حقوق إنسان على الإطلاق، ولكنها قضية رئيسية تتعلق بحماية السيادة الوطنية والأمن والسلامة الإقليمية. كما اضاف إنه ردا على تسييس واستخدام مؤسسات حقوق الإنسان المتعددة مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، أشارت الصين بوضوح إلى أن بعض الدول الغربية، والولايات المتحدة نفسها لديها سجل حافل من الانتهاكات في قضايا حقوق الإنسان. في حين تنشر منصات حقوق الإنسان متعددة الأطراف الأكاذيب والشائعات، وتتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بحجة قضايا حقوق الإنسان.
على عجل، واصل وزير الخارجية بلينكن والولايات المتحدة انتقاد بكين على سياساتها لمكافحة الإرهاب حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانا قائلة: “نحن قلقون من أن الشروط التي فرضتها سلطات بكين على هذه الزيارة”. المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين استبق البيان يوم 25 موضحا إن “من أجل التستر على الأكاذيب ، يجب إنشاء المزيد من الأكاذيب. تخشى الولايات المتحدة أن ينظر المجتمع الدولي إلى أكاذيبها حول “الإبادة الجماعية” و “العمل القسري” في شينجيانغ ، لذلك لا تتردد في اختلاق المزيد من الأكاذيب لتشويه سمعة الصين لتضليل المجتمع الدولي”.
بلينكين لو ذهب إلى الصين، وترافقه حاشية ضخمة من عملاء الخدمة السرية والصحفيين والدبلوماسيين والمساعدين والمراقبين الفضوليين… هل كان سينجح كمحقق؟ هل يمكن أن يفعل أفضل من باشيليت؟ تفترض واشنطن أن بكين مذنبة بارتكاب إبادة جماعية لكنها تنتقد باشيليت لزيارتها شينجيانغ للتحقق من الأدلة بنفسها. قال مبعوث الأمم المتحدة بأن حملة مكافحة الإرهاب لا ينبغي تصنيفها على أنها انتهاك لحقوق الإنسان.
لقد حققت بكين نجاحا كبيرا في منع انتشار التطرف في المنطقة وتستحق الثناء من المجتمع الدولي. في المقابل، بحجة الرد على هجمات 9/11 الإرهابية، خاضت الولايات المتحدة سلسلة من الحروب التي لا تنتهي من افغانستان الى الشرق الأوسط، دمرت بلاد وحضارات، سرقت وخطفت وقتلت مدنيين ابرياء بينهم اطفال وكبار سن، ولم تعتذر ولم تهتم باعادة البناء والتنمية ولو حتى بالحد الادنى . في حين شنت الصين حربا وانتصرت على الفقر وتأمن لكل صيني، ومن ضمنهم المسلمين. إن قضايا حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجب أن تحل من خلال الأمم المتحدة ويجب ألا تستخدم لإثارة التوترات الجيوسياسية وفيما يتعلق بشينجيانغ لا يجب تغييب ما قامت به السلطات لتعزيز رفاهية الناس في منطقة شينجيانغ ومناقشة هذه القضايا يتم بناء على الحقائق وليس بمثل ما قامت به القوى المحشودة لمناهضة الصين.