شافيز الأممي، صديق شعب فلسطين
صحيفة القدس العربي من لندن ـ
رشاد أبوشاور:
وصفه قادة ثوريون، وقادة وطنيون، ورؤساء حقيقيون، وزعماء شعبيون، وفنانون ومثقفون ثوريون، بأنه رفيقهم، وصديق أممهم وشعوبهم، لأن لكل ثوري فيه نصيب، فهو أممي حقيقي، وهو كان هكذا بالأفعال، لا بالأقوال، بالممارسة لا بالتنظير.
كل هؤلاء معهم حق، فكل ثوري في هذا العالم وجد في شافيز رفيقا أُمميا، جدد حضور جيفارا الذي قاتل في القارة الأمريكية اللاتينية، وقارة أفريقيا، والذي زار مصر والتقى القائد جمال عبد الناصر، وزار قطاع غزّة تضامنا مع شعب فلسطين قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبشّر بالثورة العالمية، وبتفجير فيتنامين ثلاث لإلحاق الهزيمة بالإمبريالية الأمريكية. شافيز امتداد جيفارا ، وكاسترو مرجعيته ومثله الثوري الأعلى.
لم يغادر شافيز فنزويلا متخفيا كما فعل جيفارا مضطرا عندما توجه إلى بوليفيا متخليا عن منصبه الوزاري والقـــــيادي في كوبا، وإلى أفريقيا ليؤجج الثورة في الكونغو، ولكنه انطلق من موقعه في السلطة، أولاً من بلده الذي انتقـــــل به من حالة الفقر المــــزري إلى التوزيع العادل للثروة، فأنصـــف الفقراء، وفتح أبــــواب التعليم لأبنائهم وبناتهم، وغذاهم بوجبات الطعام في مدارسهم لتحسين صحتهم، وألبسهم، وجعلهم يتمتعون بـــبراءة طــفولتهم، وبثروات وطنهم، فالتعليم فتح لأبناء الفقراء أبواب الحاضر والمستقبل.
ولأنه ثوري بوليفاري ـ نسبة إلى سيمون بوليفار الثائر الذي قضى عمره وهو يحمل السلاح لتوحيد القارة ـ فقد شارك شعوب القارة بثروة فنزويلاً، فأسهم في كسر الحصار عن عنق كوبا، البؤرة الثورية في القارة وفي العالم، ودعم القادة الثوريين الذين انتُخبوا ديمقراطيا في بوليفيا، والأكوادور، والبلد الأشد فقرا نيكاراغوا، وغيرها من بلدان القارة، وهكذا بدأت أمريكا الشمالية اليانكية تفقد حديقتها الخلفية مع تفجّر ثورات شعوب أمريكا اللاتينية، وخياراتها اليسارية الجذرية.
أصبح شافيز دينامو النهوض الثوري في القارة، وبقي وفيا للقائد فيدل كاسترو، فهو مرجعيتــــه، وإليه يعود ليصـــغي له، ويتشاور معه، ومن هناك، من هافانا ينطلق إلى القــــارة، والعالم، مبشرا بثورة المظلومين على ظلم أمريكا، ليس كفرد ولكن كممثل لحالة ثورية فعلية، تنطلق من حــــق القارة في الوحــــدة، والنهوض والتقدم، وتقاسم الثروات، وآداء دور أممي تجاه البشرية كلها.
بدأ حياته عسكريا، ولكنه لم يبق أسيرا لقوة الدبابة، فهو صاحب مشروع تغييري، ولذا ليس غريبا أبدا أن يعلن في حوار معه على فضائية عربية : أنا ناصري.
دهش المحاور، فكيف يكون شافيز الأمريكي اللاتيني ناصريا!
آنذاك كتبت في هذه الصحيفة عن ناصرية الرفيق شافيز، الذي جاء من العسكر، والذي تعلم من تجربة جمال عبد الناصر أن التحرر الوطني ناقص إن لم يكتمل بالتحرر الاجتماعي، وهذه هي الناصرية، وهذا ما أضافته لحركات التحرر في العالم، التي كانت تكتفي بالتحرر من الاحتلال الأجنبي، فتنتهي حالة تخلف، وتبعية من جديد!.
هناك من لا يعجبهم هذا الكلام، لأنهم يساريون جدا! جذريون جدا، و..كلمنجيون جدا!. نحن لم نقوّل شافيز أنه ناصري، فكلامه مسجّل لدى تلك الفضائية العربية، ولكنهم حتى اللحظة حاقدون على جمال عبد الناصر، تماما مثل القوى الرجعية العربية، وكل أعداء الأمة.
العالم كله ارتج لموت شافيز، وقادة العالم توجه بعضهم إلى فنزويلا لتقديم العزاء، أو أرسلوا وفودا رفيعة تمثل بلادهم، فقط (الحكام العرب) لم يجشموا أنفسهم عناء السفر للمشاركة في جنازته، ولا أسف، ولا لوم، فهم كرهوه بالضبط للأسباب التي حببّت به شعب فلسطين، وعرب المقاومة، وملايين العرب الذين حرموا من القيادة الثورية الصادقة المخلصة الشجاعة منذ جمال عبد الناصر.
شافيز طرد سفير الكيان الصهيوني أثناء العدوان على لبنان، و(الحكام العرب) بينهم وبين قادة الكيان صداقة وطيدة مفضوحة لا تحتاج إلى براهين.
شافيز آمن بأن القضية الفلسطينية قضية حق، وان شعب فلسطين مظلوم، وأن الصهيونية آثمة مجرمة، عنصرية، معتدية، حليفة للإمبريالية الأمريكية..فلماذا يشارك هؤلاء الحكام المُتحكم بهم أمريكيا في جنازة قائد ثائر جعل من نفط بلاده وسيلة لتحرير القارة الأمريكية اللاتينية، في حين يوظفون النفط والغاز والموقع الاستراتيجي لخدمة أمريكا الإمبريالية، والدول الاستعمارية العتيقة التي مزقت بلادنا وشرذمتها: بريطانيا، وفرنسا المعنيتين بتمزيقها من جديد؟!
بالمناسبة، لدي سؤال: لماذا لم يتوجه وفد من سلطة رام الله إلى فنزويلا لتقديم العزاء بصديق الشعب الفلسطيني؟!..أنا لا أطلب هذا من سلطة غزة، فشافيز بحسب إخونجي فلسطيني في مناطق ال48: طاغية آخر يرحل ـ مع إنه منتخب انتخبا ديمقراطيا بشهادة الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر ـ ويبدو أن هذا رأي الإخوان في كل مكان، فأممية الجهل والتخلّف تحقد على الأممية الثورية!
الفقراء في بلاد العرب، والثوار، والمقاومون، وهم بالملايين، لو أتيح لهم لركبوا الحافلات وتوجهوا إلى فنزويلا، رغم طول المسافة، لتقديم واجب العزاء للشعب الصديق، وكل شعوب القارة الثائرة على اليانكي البغيض الذي يلاقي الهزائم في كل العالم، باستثناء بلاد العرب، التي يقدمها هؤلاء الحكام على طبق من ذهب، ومن عائد النفط والغاز، عرفانا بالفضل والجميل لأمريكا راعيتهم وولية نعمتهم، التي تحافظ على سلالاتهم المستبدة الغاشمة!
آخر وفد فلسطيني كان في فنزويلا قبل حوالي شهر، وقع على سلسلة اتفاقيات، كلها لمساعدة أهلنا في مناطق السلطة للصمود في وجه العسف الصهيوني، في الزراعة، والاقتصاد، والتعليم، مع مواصلة منح الفلسطينيين حق دخول فنزويلا بدون فيزا، وتعليم عشرات الطلبة سنويا، والتبرع ببناء مستشفى لمعالجة أهلنا جرحى ومرضى، كل هذا في الوقت الذي تغلق فيه مصر الإخوانية الحدود مع غزة، وتضخ المياه العادمة في الأنفاق، رغم أن (حكام) غزة أخوة للإخوان في مصر!
رحل شافيز وهو في نهاية خمسيناته، واسمه وحضوره يملأ العالم شرقا وغربا، وعندنا يموت الحكّام جثثا متفسخة تشيعهم اللعنات، والسيرة السيئة المخزية، ويتركون في بنوك أمريكا والغرب أرقاما فلكية من ثروات نهبت من قــــوت الشعوب المفقورة!
لم يترك شافيز مليارات الدولارات في حسابات سرية له ولعائلته، مع إن بلده نفطي جدا، وهو بهذا يتشابه مع جمال عبد الناصر، ولكنه ترك بلدا رائدا، وشعبا ناهضا، وسيرة مشرفة ستبقى في ذاكرة شعوب القارة اللاتينية، والبشرية التوّاقة للحرية والعدل والعيش بكرامة.